تحت عنوان "صفقة معاينة الميكانيك بـ440 مليون دولار لنافذين" كتب رضوان الذيب في صحيفة "الديار" إن روائح الهدر والفساد تنبعث من كل الملفات المتعلقة بحياة المواطن، وتبدأ بالنفايات والاشغال والمشاريع الوهمية وصولا الى الكهرباء والمياه والطرقات ودفاتر السوق وكلها على حساب خزينة الدولة التي تخسر عشرات ملايين الدولارات التي تكفي لتمويل سلسلة الرتب والرواتب لسنوات ومعالجة العديد من الملفات الاجتماعية.
 
الملف الاخير الذي فاحت منه روائح الهدر يتعلق "بالمعاينة الميكانيكية" وعملية التلزيم الذي رست على شركة SGS لصاحبها وسام عيتاني بمبلغ قدره 440 مليون دولار على عشر سنوات. مما دفع باتحاد نقابات النقل البري الى تقديم شكوى الى مجلس شورى الدولة الذي اوقف عملية التلزيم. لكن التدخلات السياسية كادت تدفع باتجاه تطبيق تنفيذ التلزيم بقرار وزاري كما حصل في ملفات سابقة، لكن تحرك اتحادات النقل البري عبر الاعتصامات وقطع الطرقات واقفال مراكز المعاينة الميكانيكية جمّد الامور ودفع المواطن الثمن، فتحرك مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم مع اتحادات النقل البري وتوصل الى اتفاق رعاه رئيس الجمهورية ميشال عون، وافضى الى طرح ملف المعاينة الميكانيكية على طاولة مجلس الوزراء وفتح مراكز المعاينة الميكانيكية، ونص الاتفاق ايضاً على الاتي:
1- طرح ملف المعاينة الميكانيكية على مجلس الوزراء.
 
2- وقف العمل بإصدار دفاتر السوق والمركبات واللوحات لحين عرض الموضوع على مجلس الوزراء.
 
3- الغاء المذكرات المخالفة للقانون بشأن الشاحنات والصهاريج ونقل الملكية.
 
4- البدء الفوري بقمع المخالفات (اللوحات المزورة العمومية وعمل غير اللبنانيين).
 
5- عرض خطة النقل على مجلس الوزراء.
 
على ان تتابع اتحادات النقل البري تنفيذ بنود الاتفاق. ويقول نائب رئيس الاتحاد بسام طليس ان الاتفاق نفذ حتى الآن، ولا خلل، واذا عادوا عنه عدنا الى الشارع فوراً.
وطلب الرئيس ميشال عون اعلان الاتفاق من امام قصر بعبدا، وهذه مسألة نادرة ان تعلن النقابات مطالبها من امام القصر الجمهوري. وكما وعد الرئيس عون طرح الملف على طاولة مجلس الوزراء مؤكداً انه لن يسمح بالهدر، وتم تعيين لجنة برئاسة الوزير نهاد المشنوق، وعقدت اولى اجتماعاتها برئاسته ووزير الاقتصاد رائد خوري وفنيين، وناقشت ملف تلزيم شركة "S G S" بمبلغ 440 مليون دولار، فاعترض الوزير خوري على السعر المرتفع معتبراً انه مخالف للقانون ودفتر الشروط، فرد وزير الداخلية نهاد المشنوق داعياً خوري الى الاستقالة من اللجنة، "لان اعتراضك قد يفسر دعما للمتعهد السابق وليد سليمان، كي يلتزم مجدداً وهو صاحب بنك سيدرس الذي تعمل كرئيس مجلس ادارته". فرد الوزير خوري بالقول "لقد قدمت استقالتي من المصرف بعد ان اصبحت وزيرا، ولن اتراجع عن موقفي برفض التلزيم، ولن اقبل السعر"، وابلغ خوري المعنيين بالامر، وتمنى عليه الرئيس سعد الحريري عدم اثارته على وسائل الاعلام وانتهى الاجتماع دون نتيجة وما زالت القضية بعهدة مجلس الوزراء.
ملف المعاينة الميكانيكية أثير مع انتهاء عقد شركة "فال" عام 2013، والفراغ الرئاسي لم يسمح بإجراء عملية تلزيم جديدة، فتم التمديد 6 اشهر للشركة. وتوالى التمديد لعدة مرات، على ان يتم اقتطاع مبلغ معين يدفع في نهاية كل شهر للدولة. لكن اللافت ان رئيس مجلس ادارة هيئة قطاع السير وجه للشركة كتابا طالبها فيه بدفع العائدات المالية المستحقة عليها من المعاينة الميكانيكية، كما ذكر ذلك مسؤولون في اتحادات النقل البري. وكانت شركة "فال" التزمت المعاينة الميكانيكية عام 2003 بطريقة B. O. T لعشر سنوات ولم يدخل الى خزينة الدولة سوى ضريبة T. V. A، ووصلت مداخيل الشركة الى 200 مليون دولار في السنوات العشر، تقاضت منهما الدولة فقط 20 مليون دولار قيمة الضريبة المضافة. وهذا ما ذكره مسؤولون من نقابات الاتحاد البري على ان تؤول كل الممتلكات والمعدات الى الدولة فور انتهاء العقد.
 
وخلال تمديد العقد لشركة "فال" لستة اشهر تقدمت احدى الشركات "جاد" بعرض لتشغيل المعاينة الميكانيكية دون مقابل ولمدة ستة اشهر حتى تجهيز دفتر الشروط للتلزيم الجديد، ويقضي عرض "جاد" بتدريب الموظفين وصيانة الاجهزة مقابل ان تدفع الدولة الرواتب فقط ورفض الطلب.
ومع الموعد الجديد لاجراء مناقصة الميكانيك، اصرت وزارة الداخلية على ان تتولى هيئة ادارة قطاع السير اجراء المناقصة، ورفض مجلس الوزراء وطلب من هيئة المناقصات اقرارها، لكن التدخلات السياسية فرضت تعيين مندوبين لهيئة ادارة السير بلجنة التلزيم، وتم تعديل دفتر الشروط لاكثر من مرة وبشكل غير قانوني ومخالف لقرارات الحكومة. وتقدمت 6 شركات الى المناقصة فاستبعدت اثنين وعادت واحدة بقرار من مجلس شورى الدولة. وتقدمت الشركات الخمس بعروضها الى اللجنة الفنية التي سمي اعضاؤها ايضاً بقرار سياسي. وأعلن تأهيل شركتين واستبعاد 3 شركات دون اعلان الاسباب وقيمة العروض. ورست المناصفة على شركة SGS رئيس مجلس ادارتها وسام عيتاني وهو الفائز ايضا بمناقصة دفاتر السوق واخراجات القيد بالتراضي. واللافت ان الشركة الثانية التي تأهلت هي نفسها الشركة المشرفة على العقد الحالي لـ SGS ولا يحق لها المشاركة في التلزيم، كما تم التنسيق بين الشركتين بالنسبة للاسعار.
 
وعلم ان السعر النهائي للشركة الفائزة هو 44 مليون دولار سنويا اي 440 مليون دولار على عشر سنوات. وتحصل الدولة رسميا على سعر ثابت، ولم يعلن الرقم، ودون تحديد اي سقف لعدد السيارات مع رفع سعر الرسوم على كل سيارة من 20 الفاً الى 33 دولاراً للسيارة الواحدة، و87 دولاراً للشاحنة بعد ان كان 50 الفا اي بزيادة 100% ويتضمن عقد التلزيم اجراء المعاينة مرتين سنويا.
علما ان احدى الشركات التي تقدمت للتلزيم بسعر 225 مليون دولار تم رفضها، وأكد صاحبها انه سيدفع من قيمة التلزيم 75 مليون دولار عمولات وسمسرات واصلاحات وتجهيزات ورشى و50 مليون دولار للدولة خلال عشر سنوات. وتبقى ارباحه الصافية 100 مليون دولار، وبالتالي فان ارباح شركة SGS عن عشر سنوات تفوق 300 مليون دولار لشخص واحد مع نافذين في الدولة.
 
وهذه المخالفات يؤكد عليها القيمون على اتحادات النقل البري الذين يتابعون الملف ويقولون بأن قانون انشاء الميكانيك هدفه خدمة الناس والمعاينة هي كاراج لفحص السيارات. لكن التطبيق تبين انه مدخل من مداخل الهدر والسرقة، فالشركة الاولى فال: لم تقدم للدولة اي مبلغ الـ T.V.A وبعد انهاء عقدها سمعنا فجأة عن مناقصات وتلزيمات لعشر سنوات بـ 440 مليون دولار وشركات قدمت عروضات بـ 220 مليون دولار ورفضت ولا احد يعرف الاسباب رغم تمتعها بكل المواصفات. وعلى هذا الاساس تقدمنا كاتحادات بشكوى قضائىة فجمد مجلس شورى الدولة التلزيم. وهناك ضغوط سياسية لتمريره فتحركنا واقفلنا دوائر المعاينة الى ان وصلنا الى اتفاق رعاه مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم وفتحنا المراكز وشكلت لجنة وزارية لدراسة كل الحيثيات وتتابع عملها عن كثب وتنتظر القرارات.
ويؤكد القيمون على اتحادات النقل البري ان "الصفقة لن تمر ومال الدولة ليس سائبا، المعاينة يجب ان تعود للدولة عبر مصلحة تسجيل السيارات وليس لافراد واشخاص داخل الدولة وخارجها، حتى ان المعاينة السابقة على طريقة B.O.T وصل مدخولها الى 200 مليون دولار ولم تستعد الدولة سوى 20 مليون دولار على عشر سنوات. وهذا الامر لن نقبل ان يتكرر، هذا بالاضافة الى الاهانات التي كانت تلحق بالمواطن اثناء قيامه باجراء المعاينة. كما اننا نطالب بفتح مراكز جديدة في كل المناطق وننتظر مجلس الوزراء، واذا عادوا عن وعودهم عدنا الى الشارع، ولن نخرج منه الا بتحقيق كامل شروطنا".
 
(رضوان الذيب - الديار)