لم يكن لروسيا أن تدخل المنطقة العربية بهذه القوة من دون جسر يسمح لها بالدخول عبر أحد طرفي النزاع الدائر بين السنة والشيعة .
فالسنة تاريخيا هم في الجيب الأمريكي الغربي، والشيعة كانوا حتى الأمس القريب لهم سياسة مستقلة عن سياسات الدول الكبرى الشرقية والغربية، إلا أن اشتعال الفتنة بين السنة والشيعة في بلاد الشام والعراق واليمن، وكون الشيعة أقلية وليس لهم إلا دولتان وهما إيران التي لا تستطيع لوحدها أن تواجه الأكثرية السنية بسبب ضعفها العسكري والإقتصادي، والعراق الممزق المهترئ الذي يتقاسمه ثرواته اللصوص، فكان لا بد لإيران من استجداء روسيا لتدخل المعركة من خلال الجسر الشيعي، وكانت هذه فرصة كبيرة جدا لروسيا التي استعادت عافيتها بعد الإنهيار السوفياتي، والتي قرأت التراجع الأمريكي في المنطقة بسبب الخسائر الأمريكية الضخمة على كل مستوى والتي تسببت بها التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة على مدى عقود من الزمن .
إن أي عاقل يدرك أنه لا يستطيع أن يستمر الروس بمعاداة السنة في المنطقة لمصلحة الشيعة، كون أغلب أهل المنطقة والأمة الإسلامية ككل من السنة، والمنطق يقول أنه مهما طالت الأيام، فإن الظروف ستؤول في النهاية إلى أن تعود الأكثرية أيا كانت لتحكم نفسها بعد زوال الأسباب "غير الطبيعية" الداخلية والخارجية التي جعلت الأكثرية في موقع ضعف مقابل الأقلية .
من هنا، فإنه مما لا شك فيه أن روسيا تدرك كل ذلك، وأنها وإن تدخلت ضد السنة من خلال الجسر الشيعي، إلا أنها تعلم أن هذه الظروف هي ظروف إستثنائية ولا دوام لها، وأنها في النهاية عليها أن تعود للعمل مع الغالبية السنية بعد أن تقتنع هذه الغالبية بأن أمريكا والغرب لم يعودا حكام العالم، وأن روسيا والصين قد ورثتا الخلافة العالمية من الغرب، وهذا يعني أن السنة سوف يضطرون للعمل مع الروسي والصيني من أجل الحفاظ على مكتسباتهم كأكثرية في المنطقة الإسلامية بالعموم والعربية بالخصوص . وهذا ما يفرض على روسيا ان تسترضي السنة الذين ناصرت خصومهم عند دخولها المنطقة . وبالتالي ستجد روسيا أنها ملزمة بتوجيه ضربات سياسية وعسكرية ضد الشيعة كي تحدث توازنا نفسيا عند السنة، وأن روسيا ليست طرفا في النزاع الدائر بين الطرفين .
هذا ما بدأنا نراه من خلال جلوس المعارضة السورية السنية إلى الطاولة الروسية في مؤتمر "أستانا"، رغم أن الروس هم من أرغموا المعارضة على مفاوضة النظام السوري بعد أن وجه الروس لها ضربات مدمرة وأضعفوها مقابل النظام السوري وحلفائه الشيعة، وكذلك ما بدأ يظهر من استضعاف روسيا لإيران في سوريا من خلال الاتفاق على وقف لإطلاق النار مع تركيا بعيدا عن رأي إيران !!
ولذلك، فإن المنطق الطبيعي والتاريخي -بعيدا عن الأوهام الغيبية- يقول أنه يجب على شيعة المنطقة العربية أن يبدؤوا بتحضير أنفسهم لمواجهة عسكرية وسياسية مع روسيا في مكان ما، بعد أن تحكم روسيا سيطرتها السياسية على القرار السني وتقوم بتوجيه ضربة للشيعة كي تقنع السنة بأن روسيا ليست منحازة لأحد، ولكي تفرض التوازن بين مختلف الأطراف، كل بحسب حجمه، وأنها حاكمة فوق الجميع من سنة وشيعة، وأنها لن تفعل كما فعلت أمريكا من خلال وقوفها التاريخي مع طرف ضد طرف آخر، وأن على الجميع أن يركبوا في مركبها الذي يديره قبطان روسي كبديل عن القبطان الأمريكي .
السؤال الذي بات يفرض نفسه هو : في أي منطقة شيعية سترد روسيا الإعتبار للسنة وتريهم أنها ليست عدوة لهم ؟!!
باعتقادي أن رد الإعتبار للسنة سيكون في العراق وسوريا معا، بعد أن تكسب روسيا ود الأغلبية السنية في المنطقة وتقنعهم بأنها فوق الخلافات المذهبية بين الطرفين، وانها باتت الوريث الرسمي للنفوذ الغربي في المنطقة العربية !!