رأى وزير الخارجية جبران باسيل خلال لقاء تعارف وتكريم نظمته الجمعية الخيرية الأرمنية "AGBU" في المقر الرئيسي للجمعية في انطلياس، أن "اللقاء يشكل مناسبة للتفكير معا بأوجه الشبه بيننا، وتلك التي نختلف بها عن بعضنا البعض، وأمامنا تحديات علينا مواجهتها معا".
أضاف: "عندما ألتقي رعايا أرمن في الخارج، لا أحسبهم أبدا غرباء، وانما لبنانيين مع أنهم قد يكونون أرمن فرنسيين مثلا، وشارل أزنافور، بالنسبة لي، لبناني. وهذا لأنكم أنجزتم عملا ايجابيا في هذا البلد، فعندما نفكر بالأرمن، نفكر بايجابية لأنكم نجحتم في بلدنا وحيثما حللتم، وحافظتم على هوية، ثقافة، لغة وانتماء أرمنيين، وليس بالضرورة لأنكم عدتم الى أرمينيا، فصمودكم خارج أرمينيا هو الذي جعل دولة أرمينيا تنشأ من جديد وتنال استقلالها وكيانها، وبمقدار ما تتمكن دولتكم- الأم من استقطابكم واستعادتكم، فلا مانع من أن تفعل ذلك تدريجيا".
وتابع باسيل: "لقد سمح لكم اليوم باستعادة جنسيتكم وأنتم تفعلون ذلك بغض النظر ان كانت استعادة الجنسية أو حيازة جواز السفر تفترض العودة الى أرمينيا للعيش فيها، وأتمنى لو نستطيع كلبنانيين التشبه بكم".
أضاف: "قد يكون اللبناني، على اختلاف انتمائه وطائفته وجد توازنه بهجرة البلد الى الخارج حيث وجد فرص عمل، وفي هذا المجال نحن، كمثلكم، غادرنا البلد بالهجرة، بالتهجير، في ظروف القتل، المجاعة، والاضطهاد الذي حمل أشكالا كثيرة، جسدية، نفسية، اقتصادية. أوصلنا ذلك الى كل أصقاع العالم ونجحنا، ولكن اندماجنا البالغ في بلدان وجهاتنا الاغترابية، أبعدنا عن لغتنا وهويتنا، وبالتالي لم يحتفظ لبنانيون كثيرون من لبنانيتهم إلا بدمهم اللبناني، وهذا أمر أساسي ميزهم، لكنه لم يبقيهم قريبين من بلدهم، وبالتالي لم تزر اجيال عدة لبنان، ولم تحافظ على اللغة والهوية".
وأشار باسيل "الى تعذر التواصل مع لبنانيي الاغتراب في بلدان كثيرة من العالم بواسطة اللغة - الأم"، قائلا: "الأمر يشكل صعوبة بالغة لنا كلبنانيين مقيمين ولهم كلبنانيين مغتربين، لا سيما حين نعجز عن إيجاد لغة مشتركة نتواصل بها، وهذا الواقع يدفعنا الى أن نتعلم منكم، فباعتقادي لا يتعارض الإندماج الكبير في بلد غير بلد المنشأ مع الانتماء الى الوطن - الأم".
وتابع: "لم ألاحظ تناقضا بين انتماء اللبنانيين المقيمين في البرازيل للبنان والبرازيل في آن معا، فاللبناني قادر أن يكون نائبا برازيليا ورئيسا كذلك، كما هو الحال الآن، بما أن الرئيس هو من أصول لبنانية، ويحافظ في الوقت نفسه على لبنانيته، بانتمائه الفكري، لأن هذا البلد هو بلد الخصوصيات، ولهذا السبب أنتم أيضا وجدتم ذواتكم فيه، لأنه مكون من مجموعات لكل منها خصوصياتها، وصيغ نظامه السياسي على أساس هذه الخصوصيات، وحافظ في نظامه الانتخابي عليها، ولهذا الأرمن في لبنان لهم خصوصيتهم، مقاعدهم النيابية المحجوزة لهم بحسب طوائفهم، ومقاعد محجوزة لهم في الحكومة. وهذا الأمر لا يزعج أحدا من اللبنانيين، بل بالعكس فان ذلك يكمل الغنى اللبناني والموزاييك اللبناني، ويجعلهم جزءا أساسيا من التركيبة اللبنانية. الفرق هو أننا في لبنان، نسميكم أرمن، في حين أن اللبنانيين في البرازيل، على سبيل المثال لا يعرفون بأنهم لبنانيون بل بكونهم برازيليين. فالمكان الذي تجبرنا ظروف الحياة على العيش فيه، أو التاريخ الذي ننحدر منه، يقتضي بأن نحمي أنفسنا بالتشبث بالأفكار الخاصة، من أجل تقوية دفاعاتنا، ولا يعد ذلك انعزالا أو انزواء أو انطواء، بل نوعا من الحماية عندما يشعر المرء بأنه مهدد بالخطر".
وقال باسيل: "أنا أدرك أنكم تشعرون بهذا التهديد، ونحن نشعر بهذا التهديد. السني في لبنان يشعر بهذا التهديد، وكذلك الشيعي والدرزي. وقانون الانتخاب يشكل مناسبة للتعبير عن خوف وهواجس كل مكون من المكونات اللبنانية، في محاولة لإيجاد ذاته بواسطة القانون، وهذه كلها تولد "نقزات"، ان تغلبنا عليها، ستشكل حماية أكبر لبعضنا البعض، من خلال نظام نشعر أننا قادرون على حماية بعضنا البعض فيه، وهو ما يعطي الطمأنينة للأرمني وغير الأرمني، بأنه في الحفظ والصون، ولكن بالمقابل يفرض عليه واجب أن يكون أكثر اندماجا في الجماعة لاسيما في ما لا يمس بهويته الأساسية".
أضاف: "أوجه كلامي اليكم وفي تفكيري اللبناني في الاغتراب، وأنا أنتقد اللبناني قبل انتقادي للأرمن. نجد بينكم من هو غير قادر على التمكن من اللغة العربية، وأولادنا أيضا يتحدثون الفرنسية والانكليزية ويجيدونها أكثر من العربية، على غرار الأرمن، ويشكل ذلك نوعا من العزلة وجدوا ذاتهم فيها، إذ وجدوا أنهم ليسوا بحاجة الى الاختلاط بمجتمعهم كاملا، بل بجزء منه، وجميعنا معني بأن نفك عزلتنا الواحد عن الآخر".
وتابع باسيل: "الموارنة عاشوا هذه العزلة بلجوئهم الى الجبال مكونين حيثية معينة وتفكيرا معينا وقد هددهم ذلك بخطر الانعزال، ومارسوا الانعزال وفتشوا على ارتباطات بعيدة عن لبنانيتهم من أجل حماية أنفسهم. جميعنا كأقليات بالمعنى العددي، معرضون لهذا ولن نتجاوزه إلا بانفتاحنا على بعضنا البعض، وإيجاد أوجه التشابه بيننا. وقد فاجأتني رؤية كشاف لبناني في استقبالي، وليس كشاف الأرمن، وفي هذا مثال يحتذى، وأفضل تربية لأولادنا هي الانخراط في الحياة الكشفية".
وإذ شدد على "وجوب أن يجد كل مكون، ذاته، في مكان أوسع من لبنانيته، ومن أرمنيته، ومن طائفته، ومن جمعيته، في مساحة أكبر تتسع له"، قال: "هذه نقطة قوتنا، في أن لدينا انتماء كبيرا مع فكر واسع، يجعلنا ننجح حيثما كنا، وننتمي الى المكان الذي نكون فيه، لأن التأقلم ليس بالأمر السهل. هذا ما نختبره في مؤتمر الطاقات الاغترابية، فهو فخر كبير أن يأتي تسعون لبنانيا من تسعين دولة، ومنهم من لا يجيد لغات أجنبية، وبالرغم من صعوبة التواصل، هم يأتون من نجاحات، وهذا مؤشر على عظمة الفكر اللبناني".
وتابع: "ما يجمعنا هو الاضطهاد الذي عشناه منذ مئة وسنتين، ويشكل ذلك رباطا قويا بيننا، يجب أن نعمقه بالانفتاح لا بالانغلاق، بالحماية بواسطة الانفتاح، لا بالحماية بواسطة الانعزال، وهذا ما يحصل لمواجهة الأخطار. وبات هذا واقع المسيحيين في هذا البلد. ينبغي عليهم أن يفكروا على أساس أنهم خرجوا من المظلومية، ولا يعني ذلك أنهم استردوا حقوقهم كاملة، بل هم على طريق استرداد هذه الحقوق، ليس من خلال المس بحقوق الآخرين، أو بإخافتهم وإشعارهم بأنهم معرضون للعودة الى زمن يستطيعون فيه ممارسة الفوقية أو القوة الفائضة على الآخرين، ونحن جميعا معنيون بأن نعيش في طمأنينة مع ذاتنا ومع الآخرين".
وقال باسيل: "يشكل هذا نجاحا من النجاحات التي تحققونها في هذه الجمعية، ومن مد يدنا الواحد للآخر لمزيد من التعاون والنجاح ولنكون ايجابيين، علينا ألا نخاف بل أن نثق بذواتنا أولا. هذا ما جعلكم تبقون، وما جعلنا نبقى، وعلينا أن نثق بعضنا بالبعض الآخر لكي يبقى البلد، ونبقى فيه ناجحين، ونعد الأجيال المقبلة بأننا قادرون على العودة الى المكان الذي أتينا منه، من دون أن نتخلى عن الأرض التي احتضنتنا وربتنا. وأنا أحدثكم أشعر وكأني أتحدث مع لبنانيي الاغتراب. نحن مع بعضنا البعض، وان شاء الله الى جانب بعضنا البعض، نصبح أقوى ونبني مستقبلا جيدا لنا ولأولادنا".
(الوطنية للاعلام)