شرّعت مباحثات النظام السوري ومعارضيه في آستانة، عاصمة كازاخستان، ظهور تكتل عسكري سوري معارض للقضاء على تنظيم "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، استباقًا لتحضيراته القاضية بقضم الفصائل المعارضة التي يستشعر خطرًا منها، إثر مشاركتها في المؤتمر، بحسب ما جاء في صحيفة "الشرق الأوسط".
 
 
التنظيم المتشدد كان قد بدأ خلال الأسبوع الماضي مهاجمة الفصائل المعارضة المعتدلة في شمال سوريا عبر السيطرة على مقرات لحركة "أحرار الشام" الإسلامية في جبل الزاوية وغيرها في ريف محافظة إدلب، قبل أن تهدأ إثر اتفاقات موضعية. وبعدها تابع مخططه بمهاجمة "جيش المجاهدين" الذي احتمى بـ"أحرار الشام"، ثم كرّت السبحة ليهاجم مقرات تابعة لـ"جيش الإسلام" و"الجبهة الشامية" وغيرها، وهو ما دفع بالفصائل أمس للتكتل في غرفة عمليات واحدة لمواجهة خطر "فتح الشام"، والانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم.
وفق التقارير، بادر التنظيم إلى مهاجمة الفصائل الأخرى على ضوء ما تسرّب من حيثيات "اتفاق آستانة" غير المعلنة وخلفياتها؛ إذ أفادت مصادر سورية مطلعة على مُجريات المباحثات في عاصمة كازاخستان، لـ"الشرق الأوسط" بأن بندًا غير معلن في الاتفاق "يقضي بتثبيت وقف إطلاق النار وتثبيت القوى المنخرطة في الصراع، وهي النظام وحلفاؤه من جهة، وقوى المعارضة من جهة ثانية، في مواقع نفوذها، باستثناء التقدم على حساب (جبهة النصرة) و(داعش)، وهما الفصيلان المستثنيان من اتفاق وقف إطلاق النار". وبالتالي، فإن "انتزاع مواقع من التنظيمات المتشددة، يعد مشروعًا، وسيُضم إلى مناطق نفوذها".
 
وقالت المصادر لـ"الشرق الأوسط" إن هذه النقطة غير المعلنة في الاتفاق "أطلقت تسابقًا بين فصائل المعارضة والنظام على قضم مناطق نفوذ (النصرة)"، مشددة على أن البند "حوّل (جبهة فتح الشام) إلى كعكة يتسابق الطرفان على قضمها لزيادة نفوذهما الجغرافي، ومن ثم، فإن ذلك من شأنه أن يحفّز المعارضة على الحصول عليها، أو سيزيد من طاقتها لانتزاع حصة أكبر".
ويكرّس هذا الجانب من الاتفاق في آستانة، بندًا مشابهًا في "اتفاق أنقرة" بين روسيا وتركيا تحدث صراحة عن أنه سيجري استهداف "فتح الشام". وقالت المصادر عينها إنه "تم تحذير الفصائل بعد اتفاق أنقرة من أي تحالفات معها، لأنها باتت مستهدفة من قبل تركيا وروسيا بموجب اتفاق مشترك"، مشيرة إلى أنه "على ضوء ما تسرّب من تلك الاتفاقات، استشعرت (جبهة النصرة) أنها دخلت مرحلة جديدة من الحصار، فسارعت إلى تسريع المعركة ضد الفصائل، وحفّزها ذلك على مهاجمة (أحرار الشام) الأسبوع الماضي".
 
وبعد انطلاق الحملة الجديدة لـ"فتح الشام"، ضد عدد من الفصائل الثورية، في خطوة هي الأولى للتنظيم بعد فك ارتباطه بـ"القاعدة"، تكتلت القوى العسكرية المعتدلة ضده؛ إذ توجهت قوة من "أحرار الشام" و"صقور الشام" و"جيش الإسلام" و"تجمُّع فاستقم" إلى مناطق ريف إدلب الشمالي وريف محافظة حلب الغربي لوقف هجوم "فتح الشام" على "جيش المجاهدين"، كما ذكرت شبكات المعارضة. أما شبكة "الدُّرر الشامية" فأشارت أمس إلى أن حركة "ألوية صقور الشام" بسطت سيطرتها على بلدة بنين بريف إدلب وأخرجت "فتح الشام" منها. في حين أفادت "شبكة شام" باندلاع اشتباكات بالأسلحة بين "فتح الشام" والفصائل الأخرى في عدة بلدات وقرى في جبل الزاوية، وسط حالة احتقان شعبية كبيرة للمدنيين رفضا لحالة الصراع الدائر في المنطقة بين مكوّنات الثورة.
ويربط خبراء ومتابعون الاتفاق بين الفصائل العسكرية المعتدلة على قتال المتشددين في الشمال الآن، بتجربة القضاء على وجود "داعش" خلال العام 2014 في المنطقة نفسها؛ إذ بدأت في مطلعه الحرب من الفصائل المقاتلة والإسلامية ضد "داعش"، لإنهاء وجوده في محافظتي حلب وإدلب والساحل السوري ومناطق سورية أخرى. ووفق عبد الرحمن الحاج، الباحث السياسي والخبير في حركة التنظيمات المتشددة، فإن "مؤتمر آستانة" أطلق الصدام بين الفصائل و"فتح الشام"، وأن "الحل السياسي ومساعي عزل (النصرة)، من المبادئ الأساسية". ولفت الحاج إلى أن "ذهاب جميع الفصائل بمن فيها (أحرار الشام)، (التي لم تشارك في مؤتمر آستانة تجنبًا لاشتباكات مع (النصرة) ستؤدي إلى انقسامات فيها)، أدى إلى دعم هذا الاتجاه، ما يعني أن هناك استهدافًا لـ(جبهة فتح الشام) التي سارعت إلى مهاجمة فصائل المعارضة المعتدلة".
 
وقال الحاج لـ"الشرق الأوسط" إن "فتح الشام" كانت من قبل "تحتمي بالفصائل، غير أن شعورها بالخطر الآن دفعها للتصادم، في ظل يقينها بأن مشروعها الخاص في إدلب (في إشارة إلى إعلان كيان متشدّد مواز لكيان داعش في الشرق) ظهرت استحالته في ظل وجود قوى كبيرة مثل (أحرار الشام)، فحاولت اتباع استراتيجية القضم البطيء للفصائل، وفعلاً قضت على 14 فصيلاً خلال سنتين لتوسيع رقعة نفوذها".
لكن "أحرار الشام" لم تستطع أن توقف هذا المد للمتشددين، واتخذت سياسة "التريث"، بحسب ما قال الحاج، الذي أوضح أن الأسباب تعود إلى أن "تكوين (الأحرار) هشّ، بالنظر إلى أن جزءًا منهم قريب من (النصرة) آيديولوجيًا، وبالتالي فإن أي معركة مع (النصرة) ستقسم (الأحرار) وتقودها إلى التفكك. وهكذا أجلت المعركة لتجنب انقسامها". واستطرد الحاج قائلاً: "لكن ما كان مؤجلاً، فرض مؤتمر آستانة التعجيل به، ولم يعد تأجيل عملية التصادم بالنسبة لـ(النصرة) مجديًا، فبادرت إلى الهجوم، وهو ما دفع الفصائل للتكتل ودفع الخطر بشكل مشترك".
 
وأكد الحاج أن ما يجري الآن "هو الخطوة الأولى لإنهاء (جبهة النصرة) أو تفكيكها، وهي (يعني فتح الشام) اليوم أمام خيارين أساسيين: الخيار الأول هو تقلص نفوذها لصالح المعارضة، مما سيعني اندفاعها إلى مناطق نفوذ منفصلة عن الآخرين وخاصة بها، وهو ما سيساعد التحالف الدولي على إبادتها، والقوات الروسية على استهدافها"، أما الخيار الثاني فهو "الانكفاء إلى مناطق جغرافية صعبة واللوذ بها، مثل جبال محافظة اللاذقية، حيث تتمتع، إضافة لحلفائها في الحزب التركستاني ومتشددين أجانب، بوجود محصّن، أو في جبال القلمون (قرب حدود لبنان)، وهكذا ستكون أمام سيناريو التفكك أمام الضربات، لكنها ستكسب مزيدا من الوقت".
وبالإضافة إلى هذين الخيارين الصعبين، فإن المسار المتوقع أيضا، بحسب الحاج، هو "انشقاق قياديين فيها، وانضمامهم إلى (داعش)، وهو التنظيم الربيب آيديولوجيًا لها، أو التحوّل باتجاه (الجهاد العالمي) مرة أخرى"، مشددًا على أن العناصر السوريين "بالتأكيد سينشقون عنها في ظل الخلافات مع الفصائل السورية المعتدلة، وذلك سيؤدي إلى أزمة اجتماعية لا تستطيع (النصرة) احتواءها، وهو ما يسرّع بتفكيكها".