تَقاسَم المشهد اللبناني أمس، الهاجس الأمني الذي أطلّ برأسه مجدداً بعد إعلان السلطات الرسمية إحباط هجوم انتحاري قبيل تنفيذه في أحد مقاهي شارع الحمراء في بيروت، وارتفاع «الحماوة» على مسار القانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات النيابية في مايو المقبل.
 
وفيما استُكملت التحقيقات مع الانتحاري المفترض الذي أُعلن انه كان مزوّداً بحزام ناسف وسط التباساتٍ كبيرة تلفّ ملابسات ضبْطه وحقيقة استهدافاته عزّزتها السيناريوات المتضاربة المنقولة عن مصادر أمنية، اتّخذت الاتصالات المتعلقة بقانون الانتخاب منحى لعبة «عضّ أصابع» بين القوى المسيحية الوازنة وتحديداً «التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية) و«القوات اللبنانية» اللذين رسما خطاً أحمر مزدوجاً حول اي تمديد للبرلمان واي إجراء للانتخابات وفق القانون الحالي النافذ (المعروف بالستين)، في ظلّ بدء العدّ العكسي لاستنفاذ المهل القانونية التي تفرض دعوة الهيئات الناخبة بعد 27 يوماً.
 
وعلى وقع ارتسام حرب «خطوط حمر» على جبهة قانون الانتخاب مع تكرار النائب وليد جنبلاط بلسانِ الوفد الذي زار امس، رئيس الحكومة سعد الحريري، رفض اي اعتماد النسبية في قانون الانتخاب ما يوحي بـ «توازن فيتوات» ولا سيما ان أقرب الطرق لإمرار قانون جديد لا بدّ ان تمرّ بنسبة معيّنة من الاقتراع النسبي، ترى أوساط سياسية ان اندفاعة التشدّد الكبير من «القوات» تحديداً كما «التيار الحر» حيال قانون الانتخاب الجديد ورفْض التمديد لمجلس النواب تشي بأن المرحلة الفاصلة عن 21 فبراير ستكون حبلى بـ «شدّ حبال» قاسٍ إما ينسف مناخ الاسترخاء السياسي الذي يسود البلاد منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وإما يؤدي - وهو المرجّح - الى مخرجٍ على طريقة «لا غالب ولا مغلوب» يفضي الى قانونٍ يعتبر كل طرف انه حقّق له جانباً من مطالبه ولو على شكل تعديلاتٍ على قانون الستين توفّق بين مقتضيات عنوان «صحة التمثيل» الذي يطالب به المسيحيون ومستلزمات مراعاة «الميثاقية» من البوابة التي تراعي المكّون الدرزي الذي يُعتبر النائب جنبلاط أبرز رموزه، في ظلّ ملامح حرصٍ لدى القوى الرئيسية السنية والشيعية على عدم جعل هذا الملف في هذه المرحلة عنوان اشتباك يختزل كل عناصر الصراع الداخلي والخارجي.
وتأتي هذه الوقائع عشية الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء اليوم الذي سيشهد ايضاً زيارة - حدَث لوزير الإعلام ملحم رياشي الى الضاحية الجنوبية لبيروت للمشاركة في غداء تكريمي لناشر ورئيس تحرير جريدة «السفير» (توقفت عن الصدور) طلال سلمان ليكون ذلك اول تواصل خارج السياق المؤسساتي بين «القوات اللبنانية» و«حزب الله» بعد زيارة التعزية بوفاة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني التي قام بها وزير «القوات» بيار بو عاصي للسفارة الايرانية قبل نحو اسبوعين.
 
ولم تحجب هذه التطورات الأنظار عن الزيارات باتجاه بيروت التي استقبلت مبعوث سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله الذي نقل دعوة الى عون لزيارة الكويت، فيما شهد لبنان حركة سعودية - ايرانية نحوه مع استكمال المستشار الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان لقاءاته مع كبار المسؤولين فيما حطّ فيها وفد وزاري سعودي يتقدّمه وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان لاجراء جولة على كبار المسؤولين والمشاركة في لقاء ذات طابع ثقافي - ديني تستضيفه السفارة السعودية اليوم، الى جانب تكريس المناخ الايجابي الذي كان تم إرساؤه ابان زيارة الرئيس اللبناني للرياض قبل 16 يوماً.
 
وتعاطت دوائر سياسية في بيروت مع زيارة عبد اللهيان الذي بحث مع المسوؤولين في تنظيم مؤتمر في طهران لمؤازرة القضية الفلسطينية والأوضاع في المنطقة، على انها في سياق «رسالة» من ايران يراد منها تأكيد ان الواقع اللبناني «تحت تأثيرها» المباشر، بدليل «إغراق» لبنان بزيارات لمسؤولين ايرانيين منذ انتخاب عون رئيساً، بدءاً من محطة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف في 7 نوفمبر الماضي ثم زيارة مستشاره للشؤون العربية والافريقية حسين جابر الانصاري في 22 ديسمبر، وبعدها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشوري الايراني علاء الدين بروجردي في 6 ديسمبر اي عشية توجّه عون الى الرياض.
 
وفيما شخصتْ الأنظار الى زيارة عبد اللهيان، كون محادثاته تزامنت مع مؤتمر أستانة حول سوريا، وجاءت بعد كلام ظريف عن انه «يجب أن تتعاون إيران والسعودية بشأن سوريا بعد حوارٍ ناجح في شأن لبنان»، فإن الدوائر السياسية توقفت عند الاشارات التي وجّهها مستشار رئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الدولية في ما خص الوضع السوري وتأكيده في ضوء اجتماع أستانة ألا حلّ متاحاً في سوريا إلا الحل السياسي مشدداً في الوقت نفسه على ان بلاده وفي شكل متواز «تدعم وتؤيد كل الجهود الرامية الى مواجهة ومكافحة قوى الارهاب والتطرف والتكفير». 
كما توقّفت هذه الدوائر عند ما بدا انه ملاقاة لموقف ظريف حول «محاكاة» التسوية اللبنانية كنموذجٍ يمكن ان يُحتذى لحوارٍ ايراني - سعودي حول اليمن وسوريا والعراق والبحرين، اذ اكد عبد اللهيان بعد لقاءيه مع الرئيس نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل ان لا أفق ايضاً إلا الحل السياسي لهذه الأزمات ونأمل ان تؤدي الجهود الى بتّ الملفات العالقة «من خلال الحلّ السياسي والوحدة الوطنية والعمل على مواجهة المجموعات الارهابية والمتطرّفة».