ظلّ الهاجس الأمني الطبق الأساس على الموائد السياسية وغير السياسية، على خلفية المحاولة الإرهابية الفاشلة في بيروت، في ظل التقارير الامنية التي تتحدث عن خطط ونوايا إرهابية مُبيّتة للبلد، وفق ما كشفته اعترافات الارهابيين لدى مخابرات الجيش والاجهزة الأمنية، وهو أمر تُجمع كل المستويات السياسية والرسمية على ضرورة رفع مستوى الجهوزية لدى الدولة على كل مستويات لتدارك الخطر والحؤول دون مفاعيله وارتدادته السلبية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعلى كل المستويات الاخرى. امّا في السياسة، فيبقى الملف الانتخابي نقطة التجاذب والافتراق حوله بين القوى السياسية، وضائعاً في متاهة الانقسامات السياسية والعجز الواضح عن إمكانية الوصول الى صيغة انتخابية توافقية تُجرى الانتخابات النيابية على أساسها أواخر الربيع المقبل.
في وقت ينتظر اللبنانيون ان يخطو الملف الانتخابي خطوات الى الامام تحيي الأمل بسلوك الطريق التوافقي نحو الانتخابات، اقتحمت الساحة الداخلية شائعات تحاول ان تزرع في الذهن اللبناني احتمالات تأجيل هذه الانتخابات، لأسباب بعضها سياسي وبعضها الآخر له علاقة بالمناخ الامني وتوترات قد تحول دون إجراء الانتخابات.

واللافت للانتباه انّ الشائعات مجهولة المصدر، وتفَشّت في الاوساط السياسية والشعبية، وهو أمر استنفزّ مراجع سياسية اعتبرت الشائعات غير بريئة والهدف منها التشويش على حركة الاتصالات الجارية بين القوى السياسية، والتخريب على إمكان وضع قانون جديد.

يأتي ذلك، فيما الحراك الانتخابي على خطوط متعددة. والبارز كان اللقاء الذي عقد مساء امس، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري في حضور وزير المال علي حسن خليل، ومدير مكتب الرئيس الحريري السيد نادر الحريري. وتمحور البحث حول الملفين الامني والانتخابي.

التحضيرات الانتخابية

كما كان الموضوع نفسه محور بحث أمس، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الداخلية نهاد المشنوق الذي سمع من عون ما سبق ان سمعه من بري لناحية التحضير للانتخابات أيّاً كان شكل القانون الانتخابي. وكذلك حول الوضع الامني. ونقل المشنوق عن عون انه «مُلحّ في حسم مسألة الخطف والامن في البقاع، ولا يجب ان تمرّ هذه المسألة».

أضاف: «امّا في الموضوع الانتخابي فقد حمّلني رئيس الجمهورية مسؤولية الالتزام بالدستور والقوانين، والقيام بكل العمل التحضيري الذي يجب ان يتم لإجراء الانتخابات».

وعلمت «الجمهورية» انّ الاتصالات الجارية بين القوى السياسية أفضَت من حيث المبدأ الى توافق على التوصّل الى صيغة لقانون الانتخاب تتوافق عليها غالبية القوى السياسية، وستتوّج اليوم باجتماع وزاري يعقد برئاسة الحريري بعد جلسة مجلس الوزراء اليوم يضمّ ممثلين عن القوى الاساسية الممثلة بالحكومة.

«أمل» و«التيار»

وبالتوازي مع هذه الاتصالات، قطع الحوار الجاري بين حركة امل والتيار الوطني الحر مرحلة متقدمة في «النقاش» الايجابي بينهما. وتبعاً لذلك، يعقد الجمعة المقبل اجتماع ثان بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل إستكمالاً للقاء الاول بينهما الاسبوع الماضي في قصر بسترس. وجدول البحث تطوير العلاقة بين الطرفين بالاضافة الى الملف الانتخابي.

شائك... وصعب

الى ذلك، قالت مصادر معنية بهذا الملف لـ«الجمهورية»: الطريق الانتخابي شائك وصعب، ومع ذلك تحاول القوى السياسية ان تبتدع شيئاً، لكن لا نستطيع ان نستخفّ بعقول الناس ونقول انّ الطبخة الانتخابية ستنضج في القريب العاجل، خصوصاً انّ النوايا السياسية شديدة الوضوح وكل الاطراف متمسكة بمواقفها ولم تتراجع عنها قيد أنملة.

وبالتالي، القانون الانتخابي ما زال عالقاً بين ضفّتين متناقضتين، ضفة تريد قانوناً انتخابياً يؤدي الى التغيير والتطوير وضفة تريد قانون الستين ولا شيء غيره.

وتغطي موقفها بمزايدات تارة بالقول صراحة: «لا يمكن ان نقبل بقانون لا يقبل به النائب وليد جنبلاط المعروف انه متمسّك بقانون الستين»، وتارة أخرى وبعد ايام قليلة تُدخل الاطراف نفسها تعديلاً على هذه المزايدة فتلوّح باللجوء الى الشارع وخطوات سلبية اذا طرح تأجيل الانتخابات أو تمّ الابقاء على الستين»!

هواجس جنبلاط

واكد مسؤول حزبي كبير لـ«الجمهورية» انّ كل الصيَغ الانتخابية التطويرية للنظام السياسي تتعارض مع ما يريده النائب وليد جنبلاط، ولذلك فإنّ الافكار التي تطرح حالياً، سواء على مستوى الحوار الانتخابي الذي لم ينقطع بين تيار «المستقبل» وحركة «أمل» و«حزب الله»، او النقاش بين القوى الاخرى، تتمحور حول كيفية مراعاة هواجس جنبلاط».

يتأكد كلام المسؤول نفسه في ما سمعه وفد اللقاء الديموقراطي صراحة من القوى السياسية التي التقاها خلال جولاته الانتخابية وآخرها بالأمس من الحريري وقبل ذلك من عون وبري، وقد يسمعها اليوم خلال زيارته «حزب الله».

بري: ضجيج ولا حجيج

في هذه الأجواء قال الرئيس بري امام زوّاره أمس: «لا جديد عندي في ما خصّ القانون الانتخابي، هناك ضجيج ولكن بلا حجيج، فما أكثر الضجيج وما أقلّ الحجيج».

واستغرب بري تبدّل مواقف البعض في الشأن الانتخابي بين ليلة وضحاها، وكرّر القول: «أنا ورئيس الجمهورية متفقان إنتخابياً، وانّ جواب رئيس الجمهورية لوزير الداخلية حول الانتخابات هو نفسه ما قلته أنا للوزير، وهو ضرورة التحضير لإجراء الانتخابات في مواعيدها». واضاف: «هناك إجماع مشكور من رئيس الجمهورية حتى آخر سياسي على عدم التمديد لمجلس النواب مهما كلّف الأمر».

ورداً على سؤال، قال بري: «من دون توافق في البلد لا يتم ايّ شيء، فكيف بالأحرى قانون الانتخاب الذي هو الأساس». واضاف: «كنت قد طلبت مسبقاً، أثناء الحوار، الاتفاق على قانون الانتخاب ضمن سلة، ولكنّ الخير في ما حصل، لقد أصبح لدينا رئيس وحكومة».

وقال بري: أعجب لمشاهد المزايدة المتزايدة حول القانون الانتخابي، «بعد شوي» سيسبقوننا حتى على ما نطالب به حول النسبية. في ايّ حال إن كانوا جادّين في رفضهم للستين، وضد التأجيل، أقول بكل ثقة إنهم إذا نزلوا الى الشارع على هذا الاساس فسيجدونني قبلهم في الشارع، عيب علينا ان يبقى قانون الستين الذي يخرب البلد ويُنتج حرباً أهلية ويدمّر كل ما بنيناه، ويراد من إبقائه العودة بنا الى ما جرى في العام 1957».

وأكد بري: «موقفي معروف وثابت وغير قابل لا للتأويل ولا للتفسير. انا ضد الستين ولا يحاولَنّ احد ان يلبسني ثوبه، آن لنا ان نخلع هذا الثوب. امّا عن التمديد او التأجيل، فلمرّة اخيرة لا يفكرَنّ أحد بالتمديد او التأجيل ليس ليوم واحد بل لدقيقة واحدة، كلاهما أسوأ من الآخر، إنما في رأيي انّ الستين سيئ جداً أما الأسوأ منه فهو التمديد».

وسئل عن إمكانية التأجيل، فقال: «إنه ممكن في حالة واحدة، وشرطه التوافق اولاً على قانون انتخابي جديد، وعندها نضع نصاً واضحاً حول التأجيل إن كان ضرورياً ولفترة محددة. ولكن ما يجب ان يكون معلوماً هو انّ ايّ صيغة لقانون انتخابي لا يمكن ان يتمّ الوصول اليها الّا بتوافق الجميع حولها».

بدوره، قال المشنوق لقناة الحدث - العربية : «المفاوضات مستمرة للتوصّل الى قانون جديد، ولكن ليس هناك من توجّه واضح».

واعتبر انّ «الترتيبات التي تتخذها وزارة الداخلية على صعيد دعوة الهيئات الناخبة وتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات هي خطوات ملزمة قانوناً». وأشار الى انه «سيطرح على مجلس الوزراء موضوع تشكيل لجنة هيئة الإشراف وتأمين التمويل اللازم».

واضاف: «هناك اندفاع دولي لتشجيع اللبنانيين على إجراء الانتخابات». وتابع: «اذا اتفق الفرقاء السياسيون في 19 أيار على قانون جديد، يمكن تحديد موعد جديد للانتخابات وإلغاء القانون النافذ».

مجلس الوزراء

وعشيّة انعقاد مجلس الوزراء اليوم، أكدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ الخلوة التي سيعقدها الرئيسان عون والحريري قبل الجلسة ستتمحور حول عدة نقاط، أبرزها الملف الامني وكذلك الموضوع الانتخابي وما يتصل بهيئة الإشراف على الانتخابات.

وعلمت «الجمهورية» انّ وزراء «القوات اللبنانية» سيطرحون في جلسة مجلس الوزراء ثلاثة مواضيع أساسية: الموضوع الأول، الخطف الذي يُسيء إلى صورة الدولة ويضرب إنجازات الأجهزة الأمنية ويشوّه صورة لبنان وينعكس سلباً على سمعته، وفي حال لم يُصَر إلى وضع حد نهائي له وسريع يُشَرّع الوضع على الفوضى، الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به «القوات». وبالتالي، ستطالب بوضع خطة أمنية لا تقبل المساومة.

الموضوع الثاني، الطلب من وزير المالية تحريك الاعتماد المتبقّي لتنفيذ محطة أدما والدفنة (كسروان) لتكرير المياه المبتذلة، والتي تشكل حاجة حيوية لمنطقة كسروان.

الموضوع الثالث، تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ ملف النفايات من أجل إقفال هذا الملف نهائياً، والذي أساء الى لبنان وصورته.

من جهته، توقّع الوزير ميشال فرعون أن «تكون جلسة مجلس الوزراء اليوم هادئة». وقال لـ«الجمهورية»: «الملفّ الأهمّ المطروح على جدول الأعمال هو النفط، وكلّ المؤشرات تدلّ الى أنّ الملفات ذاهبة نحو الحلّ».

ومن جهة ثانية، استبعد فرعون طرح مسألة تعيين نائب لجهاز أمن الدولة في الجلسة، معتبراً أنّ «حلّ أزمة الجهاز مسؤولية الجميع وليست مسؤولية وزير واحد»، داعياً الى «الإفراج عن المخصّصات السريّة للجهاز وكل مصاريفه المالية ليستطيع القيام بعمله، خصوصاً أنّ الشقّ المالي لا يحتاج الى مجلس قيادة، لأنّ البعض حاول الربط بين الأمرين وهذا مرفوض».

الرأس المدبّر

وفي وقت تستمر فيه التحقيقات العسكرية مع «انتحاري الـ كوستا»، عمر العاصي، قال وزير الداخلية انّ «هناك ظلماً كبيراً في القراءة الامنية من قبل البعض حول عملية منع تفجير الانتحاري داخل مقهى «كوستا» تجاه الاجهزة الامنية التي قامت بإنجاز كبير ونظيف، أثبتت فيه عن احتراف عال وحسن تقدير»، مشيراً الى «انّ التساؤلات مسموحة لكنّ الاساءة غير مقبولة».

وقال مصدر أمني لـ«الجمهورية» إنّ «التوقيفات التي قام بها الجيش في هذا الملف جاءت نتيجة اعترافات عمر العاصي، حيث تمكّن من التعرّف الى الرأس المدبّر لهذه العملية». مضيفاً: «المعلومات الجديدة تفيد بأنّ كل جماعة الشيخ الموقوف أحمد الأسير بايَعوا «داعش»، وهذا كان سبباً في إعادة فتح ملفاتهم واستدعائهم للتحقيق».

وفي تطور لافت للانتباه قال وزير الخارجية الفرنسية من الرياض، ردّاً على سؤال عن إمكان إحياء الهبة العسكرية المموّلة سعودياً للجيبش اللبناني: انّ لبنان «بلد يجب مساعدته». وأضاف: «أعلم أنّ الجيش الوطني اللبناني هو عامل للوحدة والجمع»، مشدداً على أنه يجب فعل كل شيء «لتحقيق استقرار (هذا البلد) ومساعدته».

نقزة اقتصادية

الى ذلك، يبدو انّ مناخ الارتياح الداخلي الذي شاع في البلد عقب إحباط عملية كوستا، قابَلته «نقزة» خارجية تردّد صداها بشكل خاص في دول الخليج العربي.

وفيما كانت القطاعات السياحية تستعد لاحتمال قدوم سيّاح خليجيين، في العطلة المدرسية الخليجية في شباط المقبل، جاءت أخبار إحباط العملية لتقضي نسبياً على الآمال.

وسبق للوفد اللبناني الرسمي الذي زار السعودية وقطر أن سمع كلاما واضحا من قبل مسؤولين سعوديين وقطريين، مفاده ان لا مشكلة سياسية في عودة الخليجيين الى لبنان، بل انّ الوضع الأمني هو الذي يحول دون ذلك. وقد حاول الوفد اللبناني إعطاء التطمينات الأمنية، لكنّ هذه التطمينات قد لا تكون كافية بعد كشف محاولة التفجير في شارع الحمراء.

في المحصّلة، وعلى رغم النجاح الذي حققته القوى الأمنية في إحباط العملية الارهابية، الّا أنّ الانعكاسات على قدوم السيّاح، واستتباعاً عودة المستثمرين، صارت أصعب. وبالتالي، تلقّى الوضع الاقتصادي صفعة جديدة في وقت يحتاج فيه الى كل دعم ورعاية بسبب الضغوطات التي تعرّض لها في السنوات الماضية.