كنت بمعاودة صديقي وأثناء الحديث معه والإطمئنان عليه، عاوده نفرٌ من الأحبة ومعهم رجل "دين" يرتدي عمامة سوداء كونه ينتسب إلى شجرة الأنساب التي تعود إلى بني هاشم وقرابتهم من رسول الله (ص)، وفي هذه الأثناء طلب أحدهم من "السيد" أن يكتب له "حرز" وهذا الحرز هو عبارة عن بعض آيات قرآنية وبعض الأدعية، وبعض "الطلاسم" من أجل دفع الضرر وجلب المنفعة والرزق.."فالله حافظاً وهو أرحم الراحمين.
تذكرتُ منذ الصِغر عندما كان يجيء الرجل الطيب أو المرأة الطيبة إلى من هو معروف في قريته بالطيبة والأمانة، بأن يكتب له آية أو دعاء سواء على موضع الألم والوجع – وبالخصوص على الخد فيما لو كان متورِّماً وهذا ما يسمونه (بوكعب) أو على ورقة ويضعها في جلدة أو قماشة ويلصقها على عضده، ويكون ذلك شفاء للصداع أو للحرارة المرتفعة.. كنَّا يومها نتساءل: لماذا لم يضعوا الورقة المكتوبة في إناء من الماء ويشربونه، وبالفعل كان البعض يشرب ماء المنقوع فيه من ورق الحرز.
إقرأ أيضًا: سيدة لبنانية متمرِّدة !!!!
ومن جملة ما قرأت في هذا الموضوع أنه في سنة 1370 أرسل "البابا" وفداً بابوياً لشلح أو خلع أحد الكرادلة، فما كان من الكاردينال إلا أن أمر بحبسهم وإرغامهم على إبتلاع الفرمان البابوي، والملفت بالفرمان أنه مكتوب على لفائف جلدية.
ومما قرأت أيضاً أنَّ ملك الحبشة كان يتداوي بآيات من التوراة، ويبتلع الآيات والصفحات،ويُقال أنه في إحدى المرات إشتدَّ عليه الصرع والصداع والألم فإبتلع سفر الملوك الأول، ويُقال أنه مُكوَّن من 200 صفحة، وعندما إزدادت صحته سوءاً إبتلع سفر الملوك الثاني، ويُقال أنه مُكوَّن 450 صفحة، والملفت في الأسفار أنها مطبوعة قديماً في مصر على ورق رديء وحبر غليظ.. ومات الملك سنة 1913.
وتبدَّلت هذه العادة وتغيَّرت المداواة بالآيات المكتوبة على الورق أو الجلد أو المنقوعة في الماء، بآيات منقوشة على الذهب ويعلقونها في أعناقهم.
إقرأ أيضًا: إلى مجلس حكماء المسلمين....
ومما لفت نظري في قراءة هذا الموضوع أنَّ الشاعر"أحمد شوقي" الملقب بصدق بأمير الشعراء كان من أشد الناس إيماناً بهذه المعلقات، ويُقال عنه أنه في إحدى رحلاته البحرية نسي هذه السلسلة الذهبية التي إعتاد أن يعلقها في رقبته،فما كان منه إلا أن عاد إلى بيته تاركاً حقائبه في السفينة المتجهة إلى فرنسا، ومما قيل في سلسلته الذهبية أنه مكتوبٌ فيها الآية القرآنية "فالله حافظاً وهو أرحم الراحمين".