بين التاسعة والحادية عشرة من ليل السبت – الأحد، كانت بيروت ومعها لبنان، يعيشان أجواء امتزج فيها القلق بالاطمئنان، على خلفية إلقاء القبض على عنصر من بقايا حركة أحمد الأسير، الموقوف قيد المحاكمة، والمرتبط نفسياً وربما تنظيمياً بتنظيم «داعش» في سوريا، قبل أن يفجر نفسه بحزام ناسف داخل احد مقاهي شارع الحمراء.
وبين الإعلان، بعيد العاشرة من ليل أمس الأوّل، وقبيل منتصف الليل، كان شارع الحمراء الرئيسي الذي يبدأ بمقهى «الكوستا» الذي كان يستهدفه الارهابي عمر العاصي، وينتهي بمجموعة من الفنادق والمطاعم، تعج بالساهرين من اللبنانيين والسيّاح، يمر بمخاض بين الاقفال واستئناف تقديم الخدمات للساهرين والرواد، بعدما أكدت القوى الأمنية، عبر معلومات مشتركة، أن شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي ومخابرات الجيش اللبناني تمكنتا بالتنسيق التام بينهما، وبمتابعة دقيقة وسرية تامة، ضمن خطة الحرب الاستباقية على الإرهاب، من احباط خطة الارهابي الموقوف، الذي شاهد مواطنون لبنان والرأي العام في لبنان والخارج صورته مصاباً برأسه في مستشفى الجامعة الأميركية قبل نقله إلى المستشفى العسكري في بدارو.
وكشفت مصادر أمنية (ا.ف.ب) أن الانتحاري الذي كان يرتدي حزاماً ناسفاً، تمّ رصده من قبل جنود كانوا يسيّرون منذ اسابيع دوريات في شارع الحمراء.
وأضافت أن الانتحاري اصيب خلال اعتقاله، عندما طرحه عدد من العسكريين ارضاً لمنعه من تفجير حزامه، ونقل إلى مستشفى مجاور للعلاج قبل استجوابه، وعلى الفور اغلق المقهى أبوابه مع عدد من المطاعم، وكذلك شارع الحمراء الذي اعيد فتحه امام المارة بعد نحو ساعة من عملية الاعتقال، خشية ان يكون هناك شركاء للارهابي عاصي يقومون بأية عملية.
وإذا كان كبار الرسميين والامنيين واكبوا هذه العملية التي وصفت بأنها من العمليات الأمنية الناجحة، والتي أكدت مرّة ثانية حرفية العناصر الأمنية اللبنانية، فإن اجواء من الاطمئنان عادت إلى نفوس المواطنين، فور اتضاح صورة ما حدث، والتأكد من ضمان احباط العملية الاجرامية التي كان مزمع تنفيذها.
الحريري في «الكوستا»
وفي خطوة لتبديد المخاوف، وتثبيت أجواء الاطمئنان، زار الرئيس سعد الحريري برفقة وزيري الداخلية نهاد المشنوق والدفاع يعقوب صرّاف مقهى «الكوستا» في الحمراء وصافح رواد المقهى وتحدث إليهم.
وكشف الرئيس الحريري انه «جاء ليقول للناس أن الخوف الذي يحاولون وضعه في قلوبهم مرفوض، وسنظل نرتاد المقاهي والمطاعم كالمعتاد».
واعتبر رئيس مجلس الوزراء أن البلد بخير في ظل وجود رئيس الجمهورية وعينه الساهرة على الأمن، وبوجود القوى الأمنية في وزارتي الداخلية والدفاع.
وأشار إلى انه «نتيجة تعاون كبير بين القوى الأمنية كما قرّر مجلس الدفاع الأعلى أتت هذه النتيجة من التعاون، وأكّد أن «التهديد موجود وأن الله يحمينا ويحمي البلد»، وانه «بفضل جهود المخابرات وشعبة المعلومات فالأمن سيكون مستتباً، وأعداؤنا هم الذين سيخسرون».
وهنأ الرئيس ميشال عون القوى الأمنية على نجاح العملية الاستباقية مما أنقذ المطعم من مجزرة محققة.
ولاحظ الرئيس نبيه برّي أن «العناية الالهية والأداء العالي للجيش اللبناني والقوى الأمنية هو من ضبط هذا الارهابي، وفي ذلك برهان جديد على ان لبنان هو من أهم دول العالم في مكافحة الارهاب».
ونفى مصدر عسكري معني لـ«اللواء» أن يكون قد تبلغ بإمكانية عقد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع، بحسب ما تردّد في بعض المعلومات للبحث في الوضع الأمني مجدداً، في ضوء إحباط عملية الاعتداء في مقهى «الكوستا»، وتجدد عمليات خطف الأبرياء في البقاع، ونجاح عملية الإفراج عن المخطوف سعد ريشا.
ورأى المصدر العسكري، أن إحباط الهجوم الارهابي في الحمراء يُؤكّد أهمية التنسيق بين الأجهزة الأمنية، وهو ما أكّد عليه الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع الذي انعقد في بعبدا.
كيف تمّ إحباط الهجوم؟
وإذا كانت التحقيقات مع الارهابي عاصي لم تبدأ فعلياً، بسبب عدم استقرار وضعه الصحي، فان الأجهزة الأمنية والمعنيين بتفكيك الخلفيات التي حملت هذه الارهابي على اتخاذ قرار بتفجير نفسه في المقهى، ولماذا أقدم على طلب فنجان القهوة والشيكولاته، وماذا إذا كان تردّد في تنفيذ عملية التفجير او انتظار وصول انتحاري آخر، ينتظرون مثوله امام القضاء المختص لكشف اسرار هذا اللغز.
وذكرت مصادر أمنية مطلعة لـ«اللـواء» (هيثم زعيتر ص 4) أنّ العاصي كان تحت مراقبة ومتابعة الأجهزة الأمنية التي توافرت لديها معلومات عن تكليفه بعمل انتحاري، ولاحقاً حُدّد الهدف من خلال متابعته بأنّه مقهى «كوستا» في شارع الحمراء، الذي استطلعه قبل يوم من محاولة تنفيذ العملية الانتحارية.
ونفت المصادر ما جرى تداوله في بعض وسائل الإعلام حول أنّه غادر منزله قبل يوم من تنفيذ مهمته إلى مخيّم برج البراجنة، حيث أمضى ليلته هناك، بأنّ مغادرته منزله في صيدا، كانت مساء السبت، حيث توجّه مباشرة إلى مقهى «كوستا» الذي وصله بُعيد العاشرة ليلاً، وجلس إلى إحدى الطاولات طالباً من نادل المقهى فنجان قهوة، ارتشفه، وقطعة من الشوكولا إلتهمها، وهو ما احتاج إلى بضع دقائق.
ولدى رفعه يده للضغط على زر تفجير الحزام الناسف، تحرّك رجال مخابرات الجيش وشعبة المعلومات – الذين كانوا يجلسون إلى طاولات بجواره بلباس مدني، ودون إشعاره بأي أمر، مُطلقين النار باتجاهه ومنقضّين عليه، مانعينه من تفجير الحزام الناسف ومقيّدينه قبل أنْ يخرجوه من المقهى.
وقدر الخبير العسكري، وفقاً لبيان مديرية التوجيه في الجيش اللبناني الحزام الناسف بأنه يحتوي على 8 كيلوغرامات من المواد المتفجرة بالإضافة إلى كمية من الكرات الحديدية.
وكشف البيان، ان قوة من الجيش داهمت المنزل الذي يسكنه الارهابي في شرحبيل في صيدا، حيث أوقفت 4 أشخاص من المشتبه بهم.
وفي المعلومات ان القوة صادرت جهاز الكمبيوتر الخاص به، واوقفت شقيقيه محمّد وفاروق واثنين من آل البخاري والحلبي كانا موجودين في المكان.
والارهابي عمر حسن عاصي من مواليد صيدا 1992، وكان ممرضاً خاصاً بالاسير وضمن فريق المسعفين الخاص بمسجد بلال بن رباح.
ورفضت فعاليات صيدا انتماء الارهابي إلى منطقتها مؤكدة الثقة بالجيش والقوى الأمنية، معلنة استنكارها بما كان يعتزم تنفيذه لجهة استهداف المواطنين الآمنين.
مجلس الوزراء
وهذا الإنجاز الأمني الذي ترافق مع الذكرى التاسعة لاستشهاد الرائد وسام عيد، سيكون حاضراً امام مجلس الوزراء الأربعاء، من مختلف جوانبه سواء ما يتعلق بوضع خطة أمنية للبقاع لإنهاء حوادث الخطف، أو تطوير التنسيق بين الأجهزة الأمنية.
وتناقش الجلسة التي ستعقد برئاسة الرئيس عون في بعبدا جدول أعمال من 63 بنداً، ليس من بينها تعيينات أو قوانين الانتخاب أو الموازنة، وإنما بنود منها ما يتعلق بسلامة المطار وتلزيمات استخراج النفط من المياه البحرية اللبنانية.
ومن أبرز البنود الـ63 ايضاً:
– طلب وزارة الاشغال العامة والنقل الموافقة على تأمين اعتماد بقيمة 42.405.731.000 ل.ل. لزوم اشغال تلزيم الأعمال والتجهيزات الأمنية والتقنية المطلوبة لمطار رفيق الحريري الدولي – بيروت.
– عرض وزارة الطاقة والمياه لتوصية إدارة قطاع البترول المتعلقة بإجراءات استكمال دورة التراخيص الأولى في المياه البحرية التي أطلقها مجلس الوزراء بموجب قراره رقم 41 تاريخ 27/12/2012.
– طلب وزارة الداخلية والبلديات تعديل قرار مجلس الوزراء 20/10/2016 المتعلق بالموافقة على تعيين 150 مفتشاً درجة ثانية متمرناً اختصاص معلوماتية لصالح المديرية العامة للأمن العام من العام 2017 وذلك لجهة زيادة العدد المقرّر تعيينه.
– طلب وزارة التربية والتعليم العالي الإجازة للمديرية العامة للتربية عقد صفقات بالتراضي لتأمين المطبوعات اللازمة لتأمين حسن سير العمل في الإدارة وخاصة المطبوعات التي تتعلق بالامتحانات الرسمية.
– طلب وزير الدولة لشؤون المرأة الموافقة على نقل اعتماد بقيمة 602.000.000 ل.ل. من احتياطي الموازنة العامة إلى موازنة رئاسة مجلس الوزراء لعام 2017 على أساس القاعدة الاثني عشرية (مساهمة لتغطية النفقات التشغيلية اللازمة لتمكين وزير الدولة لشؤون المرأة من ممارسة المهام المكلف بها).
– مشروع مرسوم يرمي إلى تعديل الفقرة الرابعة من البند أولاً من المادة الرابعة من المرسوم رقم 11244 تاريخ 25/10/2003 (تحديد مهام وملاك هيئة إدارة السير والاليات والمركبات) والجدولين رقم (1) ورقم (8) الملحقين به.
– طلبات تجديد الترخيص لمؤسسات الإعلام المرئي والمسموع بكل الفئات، فضلاً عن هبات وسفر.
وعلمت «اللواء» ان البنود المتصلة بالانتخابات النيابية لجهة تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات وطلب الاعتمادات المالية للعملية الانتخابية غير مدرجة على جدول الأعمال.
تجدر الإشارة إلى ان مرسوم تعيين عماد كريدية مديراً عاماً لهيئة «أوجيرو» سيصدر في الجريدة الرسمية الخميس، بعد ان يوقعه الرئيس عون غداً.
قانون الانتخاب
وبالنسبة إلى قانون الانتخاب، نقل زوّار الرئيس برّي عنه ان لا معطيات جديدة لديه، مؤكداً ان أي قانون جديد يلزمه توافق بين اللبنانيين، فيما نقل عنه النائب وائل أبو فاعور الذي كان في عداد وفد «اللقاء الديمقراطي» الذي زاره السبت في عين التينة، ان رئيس المجلس لن يسير بأي مشروع قانون لا يحظى بتأييد النائب وليد جنبلاط الذي عاد مساء أمس إلى بيروت قادماً من باريس.
ويزور الوفد غداً الرئيس الحريري في السراي للغاية نفسها، تمهيداً للقاء رؤساء الكتل النيابية.
من جهته، رأى مصدر نيابي في «كتلة المستقبل» انه لا يتوقع اجراء الانتخابات النيابية في موعدها إذا كان هناك قانون جديد للانتخاب ويمكن في هذه الحال، تأجيل هذه الانتخابات إلى ما بعد موعدها في أيّار لمدة أبعد من ثلاثة أشهر.
ولفت المصدر إلى ان قانون الستين يلائم الجميع، واصفاً الكلام عن النسبية وعن قانون جديد يؤمن التمثيل الصحيح وعدالته بأنه «مزايدة»
موفدون
في هذا الوقت، تتهيأ العاصمة اللبنانية، لاستقبال وفد وزاري سعودي، يتقدمه وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، ترجمة لما كانت أفضت إليه زيارة الرئيس عون للمملكة العربية السعودية من اتفاق على استكمال نتائجها ثنائياً عبر الوزارات المعنية.
وتسبق هذه الزيارة محطة بالغة الأهمية للممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية فيديريكا موغريني التي تصل إلى بيروت مساء الأربعاء للقاء كبار المسؤولين والبحث معهم في مختلف الملفات وأبرزها النزوح السوري، ودعم المجتمع الدولي للمرحلة الجديدة في لبنان ووجوب اجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
وقبل موغريني يصل إلى بيروت مساء اليوم الموفد الخاص لأمير الكويت الشيخ محمّد عبدالله المبارك الصباح حاملاً رسالة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى الرئيس عون، ويلتقي أيضاً الرئيسان بري والحريري، فيما يصل صباحاً المستشار الخاص لرئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني للشؤون الدولية حسين امير عبداللهيان، في زيارة هي الرابعة لمسؤول إيراني لبيروت منذ انتخاب عون رئيساً، وتأتي بعد 17 يوماً من المحادثات التي اجراها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي في بيروت عشية توجه عون إلى الرياض.
وتأتي كل هذه الزيارات، غداة مغادرة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري بيروت أمس، بعد محادثات أجراها مع الرؤساء الثلاثة، فيما كانت العاصمة تودع الامين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط، اتفق خلالها مع الرئيس عون أن تكون للرئيس اللبناني كلمة امام الجامعة العربية خلال زيارته للقاهرة قريباً.