بالأمس، كان لبنان على موعد مع العناية الإلهية التي حالت دون تمكين أحد شياطين الارهاب من تنفيذ عملية إنتحارية بين جمع من الأبرياء. لم تنجُ منطقة الحمراء من كارثة مُعدّة لها، ولا العاصمة بيروت من أن تصاب بمقتل في صميمها، بل نجا كل لبنان، الذي كان بالأمس أمام حقيقة انّ الارهاب ما زال كامناً له ومتربّصاً به، ويده على زناد الغدر وعمليات شيطانية بلا دين لضربه وقتل أبنائه من دون تمييز بين طوائفهم ومذاهبهم ومعتقداتهم، وتخريب أمنه واستقراره.
وكان لبنان ايضاً أمام حقيقة أكيدة بأنّ الاجهزة العسكرية والامنية حاضرة، وعيونها ساهرة، وجهوزيتها في أعلى طاقتها في مواجهة هؤلاء الشياطين المتستّرين بالدين، والذين لا يمتهنون سوى لغة القتل، ولا يرتوون إلّا على الجثث والدم.

هذان الحضور والجهوزية مَكّنا مخابرات الجيش وفرع العلومات في قوى الامن الداخلي من تحقيق إنجاز كبير بإحباط عملية إنتحارية كان المدعو عمر حسن العاصي يهمّ بتنفيذها في مقهى "كوستا" في شارع الحمراء، وقبضت عليه، في عملية وصفها بيان قيادة الجيش بأنها "نوعية ومشتركة بين مديرية المخابرات في الجيش وفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي" (التفاصيل صفحة 6)

مرجع أمني لـ"الجمهورية"

واذا كانت أجهزة امنية غربية قد سارعت في الساعات الماضية الى توجية التهنئة لأجهزة الامن اللبنانية على هذا الانجاز، الذي يتمثّل ليس فقط في إحباط عملية إنتحارية، بل في إلقاء القبض على الانتحاري بعد رصد ومتابعة دقيقة له، فإنّ العملية تنطوي من جهة على مخاطر كبيرة، خصوصاً أنها، كما أكّد مرجع أمني كبير لـ"الجمهورية"، "مُخطّط لها بعناية، ولها هدف محدد هو إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف المواطنين، وهو أمر ستكون له تداعيات وارتدادات على مستوى البلد كله وليس على مستوى المنطقة المستهدفة وحدها".

وأضاف المرجع الأمني: "إلّا انّ العلامة التي نعدّها شديدة الايجابية تتبدّى في التمكّن من إلقاء القبض على الانتحاري حيّاً قبل تفجير نفسه، وهذا أمر سيساهم حتماً في انتزاع الاعترافات منه، التي تُميط اللثام عن كل أبعاد هذه العملية وخفاياها. من أعطاه أمر الانتحار؟ ومن جهّزه وكيف؟ ومن حدّد له الهدف؟ وأيّ بيئة حاضنة له؟ هل في مخيمات النزوح السوري، هل في المخيمات الفلسطينية وتحديداً مخيم عين الحلوة؟ هل في بيئة خارج المخيم؟

بالاضافة الى معرفة ما اذا كان هذا الانتحاري وحده، ام انه كان واحداً من ضمن "خلية إنتحارية"؟ وهل انّ هذه العملية تشكّل إعلاناً من قبل "داعش" والمجموعات الارهابية أنها قررت ان تجعل لبنان ساحة للإرهاب؟

يتزامن كلام المرجع الأمني مع تكثيف "الاتصالات الأمنية" بين المراجع السياسية والامنية، لمزيد من التحصين الداخلي وبحث إمكان اتخاذ تدابير أكثر وقائية لتدارك حصول ايّ عمليات وأعمال إرهابية قد تكون الخلايا الارهابية بصدد القيام بها، وبَدا أكيداً انّ المراجع السياسية تتحرك في ضوء معلومات غزيرة توافرت لها، وذات بُعد إرهابي يقتضي إعلان الاستنفار السياسي والأمني لمواجهتها.

وفيما توافرت لـ"الجمهورية" معلومات عن تعقّب الاجهزة الامنية لإرهابيّين آخرَين، يرجّح أنهما كانا يشكلان مع الانتحاري الموقوف "خلية إنتحارية" تستهدف بعض الاماكن في العاصمة بالتزامن مع تنفيذ عملية إرهابية ضخمة في مناطق اخرى.

هذا الامر أكده مرجع سياسي بكَشفه معلومات يملكها تفيد بأنّ محاولات التفجير هذه، قد لا تكون أكثر من قنابل دخانية لصَرف الأنظار عن مناطق اخرى لها حساسيتها المذهبية والحزبية، ينفذ اليها إرهابيون آخرون بعمليات أكثر خطورة ودموية.

وتردد في هذا السياق خلال الاسبوع الماضي عن محاولة الارهابيين توجيه ثلاث سيارات مفخخة لتفجيرها في بعض مناطق الجنوب، ولكن تبيّن عدم صحة هذا الامر، وهذه الشائعة اعتبرها المرجع السياسي نفسه أنها ليست بريئة وأدرجها في سياق التمويه والتعمية عن الارهابيين الثلاثة والاعمال الاخرى التي تحضّرها خلايا إرهابية نائمة قد تستفيق في أيّ لحظة.

مجلس الوزراء: الملف الأمني

الى ذلك، قالت مصادر وزارية لـ"الجمهورية" انّ الملف الامني سيكون حاضراً على طاولة جلسة مجلس الوزراء، ولا سيما من بوابة الانجاز الأمني الذي تحقق في عملية الـ"كوستا" الإستباقية في الحمراء، وكذلك من باب تجدّد عمليات الخطف لقاء فدية في البقاع وآخرها خطف المواطن سعد ريشا، ودرس إعادة النظر او تفعيل الخطة الأمنية التي تنفّذ في تلك المنطقة.

وعُلم في هذا السياق انّ الرئيس نبيه بري إتصل بوزير الداخلية نهاد المشنوق، بعدما نجح المسؤول في حركة "أمل" بسام طليس في إطلاق ريشا من أيدي خاطفيه في بريتال، وقال له: إنّ هذا لا يجعلني أتراجع عمّا أكّدته لك بضرورة وضع خطة أمنية نهائية وحاسمة للبقاع من اجل إنهاء مثل هذه الاعمال، وكما قلت انّ أكثر المتضررين من هذه الاعمال هو البقاع وأهله".

أمّا في شأن اجتماع جديد للمجلس الأعلى للدفاع، فقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ"الجمهورية" انّ وزير الداخلية اقترح اجتماعاً من هذا النوع على رئيس الجمهورية الذي ينتظر نتائج المشاورات مع القيادات العسكرية والأمنية.

تنويه وإشادة

هذا الانجاز حرّك ردود فعل ومواقف مشيدة بجهود الاجهزة الامنية، لا سيما من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون الذي هنّأ مديرية المخابرات وفرع المعلومات على تنفيذ هذه العملية الاستباقية، والحؤول دون حصول مجرزة محققة.

وكذلك من بري الذي قال أمام زوّاره: "إنّ العناية الإلهية والكفاية والمهنية العالية للجيش والقوى الامنية أدّت الى ضبط الارهابي في شارع الحمراء، وهذا الأداء الامني يجعل لبنان في مصاف أهم دول العالم في مكافحة الارهاب".

وكذلك من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري الذي تفقّد المقهى المُستهدف برفقة المشنوق ووزير الدفاع يعقوب الصرّاف، وأكد الحريري انّ البلد بخير طالما الوحدة والتماسك بين الشعب اللبناني موجودة، وأشاد بعمل القوى الامنية والجهد الاستثنائي الذي تبذله وقال: "أتيتُ الى هنا لكي اقول للناس انّ الخوف الذي يحاولون وضعه في قلوبكم مرفوض، وسنظلّ نعيش حياتنا الطبيعية وسنستمر بحبّ الحياة ونرتاد المقاهي والمطاعم".

المطران خيرالله

وحَيّا راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله "نجاح الجيش والقوى الأمنية في إفشال مخطّط التفجير". وقال لـ"الجمهوريّة": "إننا ندين كل أشكال العنف والإرهاب في لبنان والعالم، وعلينا ان نَصطفّ حول قوانا المسلّحة الشرعية لأنها تبقي لبنان بمنأى عن حرائق المنطقة".

وشدّد على انّ "الوحدة الوطنية تشكّل صمّام أمان للبنانيين، فتكافلنا وتضامننا في مواجهة الموجة الإرهابية يسمح لنا بالبقاء خارج دائرة الخطر خصوصاً أنّ الأمن اللبناني يقوم بواجبه على أكمل وجه".

المطران رحّال لـ"الجمهوريّة"

وقال راعي أبرشية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك المطران الياس رحّال لـ"الجمهوريّة"، إننا "نبارك للجيش والقوى الأمنية إنجاز الحمراء و"الله يحميهم"، فهم من يحمون لبنان والوطن، خصوصاً أننا ذُقنا في البقاع الشمالي طعم التفجيرات الإنتحاريّة وقد هاجم 8 إنتحاريين القاع في يوم واحد".

ودعا رحّال الجميع الى الإيمان بالدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، "لكن على الدولة أن تتحرّك أيضاً في موضوع الخطف في البقاع الشمالي، فقد أطلق سعد ريشا، لكنّ الخاطفين ما زالوا فارّين!".

"القوات"

وقال مصدر في "القوات اللبنانية" لـ"الجمهورية": "إنّ الملف الأمني سيكون من الملفات الرئيسة التي سيتم بحثها في جلسة مجلس الوزراء المقبلة، خصوصاً لجهة انّ ممارسات الخطف التي كانت تتمّ من دون عقاب في المرحلة السابقة لا يمكن ان تستمر في المرحلة الحالية، لأنّ استمرارها كفيل بضرب عامل الثقة الذي نشأ مع انطلاقة العهد الجديد، كما انّ عملية خطف واحدة يمكن أن تؤدي الى نسف كل الإنجازات التي يمكن تحقيقها من أساسها. ومن هنا فإنّ مسؤولية كل القوى السياسية كبيرة من أجل حسم هذا الملف لمرة واحدة وسريعة ونهائية".

وأضاف المصدر: "انّ "القوات" ستكون الصوت الصارخ داخل الحكومة إلى جانب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكل القوى الحريصة على تحصين الاستقرار الأمني، خصوصاً انّ الأجهزة الأمنية أظهرت وتُظهر احترافية مشهود لها في عملياتها الاستباقية كما حصل أخيراً في أحد مقاهي شارع الحمراء، وبالتالي من غير المقبول تشويه الإنجازات الأمنية الرائعة بممارسات خطف تتطلّب قراراً سياسياً حاسماً".

شمعون لـ"الجمهورية"

وأكّد رئيس حزب "الوطنيين الأحرار" النائب دوري شمعون لـ"الجمهوريّة" انّ "إفشال عملية التفجير في الحمراء واستمرار نجاح الجيش والقوى الأمنية في مهمات كهذه يرفع معنويات العناصر الأمنية ويجعلهم ينشطون في مكافحة الإرهاب والانتصار عليه ويُطمئن اللبنانيين".

وتمنى على "حزب الله" وكل فصيل خارج عن الشرعيّة تسليم سلاحهم الى الجيش لأنه أثبت نجاحه في حماية لبنان، وثقة اللبنانيين بأدائه ترتفع.
السياسة... إنتخابات

سياسياً، مع تقدم الملف الامني، لم يكن للسياسة حضور نوعي أو يُشتَمّ منه أيّ تقدّم ولَو طفيف، خصوصاً في الملف الانتخابي. وفي هذا السياق قال بري أمام زواره، ردّاً على سؤال عن جديد الاتصالات: "تحصل لقاءات ثنائية وثلاثية، ولكن لا حصيلة بين أيدينا بعد في هذا الشأن.

وقد قلتُ وأكرر: إنّ قانون الانتخاب يحتاج الى توافق بين اللبنانيين". واضاف: "لو طَبّقوا الدستور لكنّا سلكنا طريق الحل من انتخاب مجلس نيابي وطني لا طائفي ومجلس شيوخ".

وفي السياق الانتخابي قال مصدر في "القوات" لـ"الجمهورية" انّ "القوات ستلجأ إلى كل ما يلزم من خطوات لإتمام الانتخابات وعلى أساس قانون جديد". ورأى انه "بعد عشر سنوات من البحث حان الوقت للاتفاق على قانون جديد او طرح مشاريع القوانين على التصويت داخل مجلس النواب للخروج بقانون جديد"، وقال: "واهِم من يعتقد انّ في إمكانه فرض الستين كقانون أمر واقع".

زوّار عرب وأجانب

على صعيد سياسي آخر، يصل الى بيروت اليوم وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير الدولة للشؤون البلدية الكويتي الشيخ محمد عبد الله مبارك الصبّاح موفداً من أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، ناقلاً رسالة خاصة منه تتضمن استعدادات الكويت لمعاونة لبنان في مختلف المجالات.

كما يصل غداً وفد وزاري سعودي يتقدمه وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، وبعد غد تصل الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية فيديريكا موغريني للقاء الرؤساء الثلاثة وبحث قضايا أمنية وميادين التعاون، وسبل التعاضد لمواجهة أزمة النازحين السوريين.