مرة أخرى اثبتت الاجهزة العسكرية والامنية اللبنانية انها تمسك بالمبادرة في مواجهة الارهاب، بل هي تكاد تتفوق في كفاءتها وجدارتها على العديد من الاجهزة المماثلة في دول اقليمية وغربية، تحظى بقدرات أكبر بكثير من تلك المتوافرة في لبنان.  
وإذا كان ارهابي ملهى «رينا» في مدينة اسطنبول قد صال وجال في المكان، ليلة رأس السنة، مرتكبا مجزرة رهيبة ضد رواده من دون ان يتمكن الامن التركي من توقيفه إلا بعد مرور قرابة اسبوعين على المذبحة، فانه يُسجل لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني ولفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي قدرتهما مرة أخرى على تحقيق «الامن الاستباقي» الذي أنقذ شارع الحمرا ليل  أمس الاول من تفجير انتحاري كان يستهدف مقهى الـ «كوستا».
وهذا الانجاز النوعي لم يكن وليد المصادفة، بل هو يأتي في سياق عمل تراكمي، ويعكس التطور المستمر في أداء القوى العسكرية والامنية التي استطاعت، نتيجة تفعيل الخبرات والامكانات، من الانتقال الى مرحلة متقدمة في صراعها مع الارهاب التكفيري، الخاضعة مجموعاته وخلاياه الى الرصد والمتابعة، من دون انقطاع وبطريقة حرفية عالية.
وبدا واضحا ان الاستراتيجية الوقائية المعتمدة في مواجهة الارهاب قد عطلت العديد من نقاط قوته، وحالت خلال المدة الاخيرة دون حصوله على فرصة لالتقاط أنفاسه، بحيث انه لا يكاد يستفيق من ضربة، حتى يتلقى أخرى.
والارجح، ان المخططين والمحرضين افترضوا ان الاجراءات الاحترازية المشددة التي اتخذت خلال فترة عيد رأس السنة، قد تراجعت الى حد ما وتسرب اليها الاسترخاء، فاختاروا هذا التوقيت لتوجيه ضربة الى شارع الحمرا، كان يمكن لتداعياتها ان تكون واسعة، ربطا بحيوية الموقع المستهدف من الناحيتين التجارية والسياحية.
وقالت مصادر عسكرية بارزة لـ «الديار» ان احباط الهجوم الانتحاري على شارع الحمرا يأتي في اطار القرار الاستراتيجي والحاسم المتخذ على أعلى المستويات في قيادة الجيش ومديرية المخابرات، والقاضي بشن حرب استباقية لا هوادة فيها على الارهابيين، بغية استئصالهم ومكافحة خطرهم على لبنان.
وتؤكد المصادر ان الجيش سيستمر في مطاردة الخلايا التكفيرية وتنفيذ العمليات الاستباقية ضدها، وسيواصل بذل أقصى الجهد الممكن لمنعها من شن الاعتداءات.
وتشير المصادر العسكرية، الرفيعة المستوى، الى ان القبض في وقت واحد تقريبا على ارهابيين اثنين (في شارع الحمرا والشمال)، كانا يسعيان الى تنفيذ هجومين انتحاريين، إنما يؤشر الى ان هناك محاولة للتركيز على استهداف الساحة اللبنانية في هذه المرحلة، «لكن الجيش يطمئن اللبنانيين الى ان تدابير الحماية المتخذة لدرء الخطر المحتمل هي في أقصى درجاتها، وليس هناك من داع للقلق او الهلع...».
وتكشف المصادر عن ان عملية احباط التفجير الانتحاري في «كوستا» كانت معقدة ودقيقة، لافتة الانتباه الى ان عناصر المخابرات في الجيش هم الذين تولوا الإطباق على الانتحاري عمر حسن العاصي وتوقيفه، واصفة هؤلاء بأنهم «استشهاديون»، لان احتمال ان يستطيع العاصي تفجير حزامه الناسف كان واردا في اي لحظة. 
وتوضح المصادر ان «فرع المعلومات» في قوى الامن قدم وقائع ومعلومات قيّمة، تقاطعت مع تلك التي كانت موجودة بحوزة المخابرات، ما ساهم في تأمين شروط نجاح المهمة الميدانية، مشيدة بالتنسيق الذي تم بين الجهازين.
وتوضح المصادر ان الاجهزة المختصة كانت من الصباح الباكر، أمس الاول، في أجواء احتمال حصول هجوم انتحاري، في مكان ما من بيروت، لكن لم تكن على علم دقيق وقاطع بالنقطة المستهدفة، لافتة الانتباه الى ان العمل التقني والبشري اللاحق أدى الى حصر الفرضيات، وبالتالي تقفي اثر الانتحاري حتى مقهى «كوستا».
وترجح المصادر ان يكون العاصي قد لاحظ لدى وصوله الى المقهى ان عدد رواده قليل، فقرر ان يؤجل التنفيذ الى حين اكتظاظه.
وتلفت المصادر العسكرية الانتباه الى ان الارهابي الذي أوقف في الشمال (بلال.ش) تولى هو، بمبادرة شخصية، الاتصال بقيادة «داعش» في الرقة وإبلاغها بنيته تنفيذ اعتداء انتحاري، معربة عن اعتقادها بان دافعه كان الانتقام وتفجير حقده بعدما قضى سنتين في السجن.
وتشدد المصادر على ان مخابرات الجيش والاجهزة الامنية الاخرى تلجأ باستمرار الى تطوير استراتيجيتها وأنماط عملها، لتستمر في أفضل جهوزية ولتبقى لها الارجحية في معركتها ضد الارهاب، على قاعدة ان افضل وسيلة للدفاع هي الهجوم.