بين المسيحي المختلف دينيا عن المسلم والمسيحي الصليبي، حكاية غذاها تعصّب بعض الحركات الاسلامية ليحاول تكريسها في وجدان البسطاء من المسلمين من أجل اضفاء الشرعية على نظرية المؤامرة.
يقول العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين حول العلاقة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين انه “بغض النظر عن كون المواطنة تشكل إطاراً جامعاً لأتباع الديانات والمذاهب وتمنحهم جميعاً الحقوق المتساوية والواجبات المتساوية، فإن الإسلام يصون ويحمي ليس المسيحيين فحسب، بل يحمي حقوق الناس جميعاً في أن يعيشوا بسلام وأمن وكل جدل حول هذه القضية هو جدل باطل ينبغي أن نتجاوزه، فكلّ حكم ضدّ أي أتباع ديانة مختلفة ينسب للإسلام وهو ليس من شريعته ولا من أخلاقه ولا من قيمه هو من أشدّ العدوان على هذا الدين الحنيف، وهو جزء واضح من هذه الموجة المتطرفة التي برزت في السنوات الأخيرة ووسمت نفسها بالأصولية الإسلامية ونشأت عنها حركات وتنظيمات ذات طابع متطرّف وعنيف أدناها وندينها ونعتبرها أخطر ما يصيب الاجتماع الإسلامي.”
ويوضح السيد الأمين: “في هذا المجال وفي استذكار الحروب الصليبية واعتبارها تأسيساً لصراع بين المسيحيين والمسلمين يجب العودة إلى التاريخ والبحث فيه بحثاً معمقاً، سوف يؤدي إلى الإدارات أن حروب دفعت إليه شهوة التوسع العربي الأوروبي، ولكي توفر لجيوشها دوافع دينية رفعت شعار الصليب وشعار استعادة بيت المقدس، وبالتالي فإنها كبقية الحروب التي انتهت بجلاء هؤلاء المحتلين عن بلادنا، ولم يعد لها آثار تستوجب قيام حروب إسلامية ضد المسيحيين بحجة الردّ على الحروب الصليبية.”
ويتشدّ السيد الأمين في عدائه لشعار “الحروب الصليبية” الذي يرفعه بعض الحركات الاسلامية التي تتهم الغرب بالتآمر ويقول: “إنني من الذين يدينون أي شكل من أشكال الحروب الدينية ولا أرى أين دين من الأديان يتضمن الدعوة إلى حرب المختلفين في الدين، وإني لأستمد هذا الاعتقاد من عقيدة الإسلام وشريعته، وأعتبر أن ما تقوم به حركات العنف الإسلامي اليوم هي أكثر ما تكون ضرراً على الإسلام نفسه الذي يفترض بموجب شريعته أن يكون دعوة للتعارف بين الشعوب، أي للحوار فيما بينها، والتركيز على ضرورة السلام بين الأمم والشعوب والمجتمعات”.
ونتيجة لهذا المبنى الفقهي التصالحي بين الأديان يقول السيد الأمين أن “المسيحيين ليسوا صليبيين بالمعنى الذي يعيدنا إلى الحروب التي شنت على الشرق من قبل المعسكر الغربي، وكما أشرت قبل قليل فإن هذه الحروب لم تكن صليبية، وبالتالي فإن مرور ما يقارب الألف سنة على مثل هذه الحروب لا يمكن استذكاره بقصد الثأر من الغرب أو بقصد الدفاع عن الإسلام والمسلمين ضدّ المسيحيين، إلاّ إذا كانت الأمم والشعوب تريد أن تستذكر صراعاتها التاريخية، فإن هذا سيؤدي إلى عنف عالمي شامل، فإن صفحات الحروب تفتح ثم تنطوي بعد فترة من الزمن، ولذلك فإنني لا أستطيع أن أصف هؤلاء الذين يرفعون شعار “الحروب الصليبية” من جديد للتحريض على المسيحيين إلا أنهم أكثر الناس جهلاً بالتاريخ وبالإسلام، وإنني لأجلّ العلماء المسلمين الحقيقيين أن يرفعوا مثل هذا الشعار وأن يثيروا مثل هذه الدفائن، وأطالب الحكماء من هؤلاء العلماء والمفكرين والمؤمنين أن يمارسوا تنمية الوعي الديني الحقيقي حتى لا يظلّ الدين سلاحاً بأيدي ذوي الأغراض السياسية وبأيدي ذوي الغرائز حتى لو كانت هذه الغرائز تغطي جنوحها وبشاعتها بالشعارات الغيرة الحرص على الدين”.
وينهي السيد الأمين حديثه بالقوال: “إن الصورة التي يجب أن نقدّمها للعالم كله عن الإسلام ينبغي أن تتواءم وتتلاءم مع مرتكزاً للدعوة إلى السلام والعدل والحرية وكرامة الكائن الإنسان، والله سبحانه وتعالى كرم الإنسان بوصفه إنساناً وقالفي كتابه العزيز: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البحر والبحر…” وهذا التكريم يشمل البشر كافة.