كيف ستكون التحالفات في الانتخابات النيابية المقبلة؟ مازال الجواب عن هذا السؤال مبكراً، في ظل عدم وضوح القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات. لكن الأكيد أن أموراً كثيرة ستتغير على صعيد الترشحيات والاصطفافات والتحالفات. بمعزل عن اجراء الاستحقاق وفقاً لقانون الستين النافذ، أو الستين معدلاً، أو على المختلط. ثمة تحالف سيخوض أول استحقاق انتخابي من نوعه بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وهذا ما سيؤسس لاختلافات بين الفريقين وحلفائهما القدامى. وأيضاً، فإن المشهد قد يتبدل في ظل التقارب بين القوات وحزب الله.
ستبقى الخلافات قائمة داخل ما يطلقون عليه "البيت الواحد". سواء على ضفة 8 آذار أم 14 آذار، وإن لم يعد لهذين التحالفين أي وجود. ستكون بيروت أم المعارك "التحاصصية". وإذا فشل منطق المحاصصة بخلاف ما جرى في الانتخابات البلدية، فإن المعركة ستكون حامية الوطيس، ولاسيما إذا ما تكرر الخلاف الذي بقي مخفياً في الانتخابات النيابية السابقة بين تيار المستقبل والقوات.
يفضل الرئيس سعد الحريري أن يحتفظ بحصته البيروتية، الأمر الذي لن يجاريه فيه حليفه سمير جعجع. وإن كان الحريري يريد تجنّب أي معركة في بيروت إلا أن أفرقاء آخرين يريدونها. وقبل الوصول إلى المعركة، فإن مشاورات بعيدة من الأضواء انطلقت لأجل التباحث في كيفية توزيع المقاعد، وخصوصاً المسيحية منها في دائرتي بيروت الأولى والثالثة. إذ إن مقاعد السنّة والشعية محفوظة وموزعة بلا أي خلافات. وتفيد مصادر لـ"المدن" بأن القوات لن ترضى بأن تبقى بلا نواب يمثلون العاصمة. وهي تريد تغيير الستاتيكو الذي اتبع في العام 2009 بحصر تمثيلها عبر حلفاء وأصدقاء في الدائرة الأولى (الأشرفية، الرميل والصيفي). وتكشف المصادر عن وجود مرشّحين للقوات هناك، وكذلك للتيار الوطني الحر، فيما المرشح الخامس من المفترض أي يكون لنائب صديق للطرفين ولتيار المستقبل، وهو الوزير ميشال فرعون.
لا شك في أن تحالف الثنائي المسيحي خلط الأوراق في تلك الدائرة، ولاسيما أن المعلومات تشير إلى عدم حفظ مقعد لحزب الكتائب الممثل بالنائب نديم الجميل. وكذلك بالنسبة إلى النائب نائلة تويني. أما فرعون فمقعده محفوظ وكذلك النائب سيرج طور سركيسيان، اللذين سارعا إلى تلقّف التقارب المسيحي من حسابات انتخابية لحفظ مقعديهما. أما بالنسبة إلى النائب جان أوغاسابيان فترشيحه ليس واضحاً بعد. ولن يتوقف الثنائي المسيحي عند هذا الحدّ، بل يريد لهذه الانتخابات أن تكون مقدّمة لتكريس توجه معين في دائرة بيروت الأولى، يصل إلى حدّ المطالبة مستقبلاً بمجلس بلدي خاص لها.
وإذا كان الحريري على استعداد للتفاوض بشأن بيروت الأولى، فمن المستحيل بالنسبة إليه أن يناقشه أحد في بيروت الثالثة. إلا أن المصادر تلفت إلى إمكانية مطالبة القوات بنائب من حصتها بدلاً من النائب عاطف مجدلاني. وبنائب آخر عن الأقليات، بدلاً من النائب نبيل دوفريج، باعتبار أن النائب باسم الشاب كان من السباقين لتأييد خيار انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. لكن هذا الأمر غير قابل للنقاش لدى الحريري. لذلك، فإن الاحتمالات مفتوحة على أكثر من صعيد، خصوصاً أن الرئيس الحريري يصرّ على تمثيل الكتائب في بيروت أيضاً.
ومن بيروت إلى طرابلس، حيث يبدو الخلاف قائماً أيضاً، في ظل رفض الحريري نقل المقعد الماروني من عاصمة الشمال إلى البترون. وهذا الخلاف قد يمتد ليصل إلى الكورة، ومن سيكون خلفاً لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي أعلن عزوفه عن الترشح. كما سيحصل خلاف حول النائب نقولا غصن. في البترون تجنّب النائب أنطوان زهرا أي خلاف محتمل مع الحلفاء السابقين واستبق أي تعاون مع الحلفاء الجدد. وبإعلانه العزوف عن الترشح، يريح ما تبقى من قوى 14 آذار في تلك المنطقة، التي ستجيّر أصواتها لمصلحة النائب بطرس حرب.
وتقول مصادر بترونية متابعة إن البترون تاريخياً يقسم انتخابياً إلى قسمين: الجرد، الوسط والساحل. وإذا كانت القوات تريد ترشيح الدكتور وليد حرب بدلاً من زهرا، فإن ذلك يحصر الصراع في الجرد داخل عائلة واحدة، أولاً لأن أنصار زهرا والبعيدين عن الإلتزام القواتي، ستصب أصواتهم لمصلحة النائب بطرس حرب، وكذلك فإن تيار المردة الذي كان يمنح أصواته للوزير جبران باسيل، سيصوت لمن سيترشح ضده. وهذا بناء على تفاهم بين المردة وحرب، وهذا ما يعطي المعركة حدّة أكبر في ذلك القضاء.
وسيمتد الاختلاف إلى عكار بين المستقبل والقوات، إذ إن الأخير يريد ترشيح العميد المتقاعد وهبي قاطيشا بدلاً من النائب نضال طعمة، وعلى المقعد الماروني بوجه النائب هادي حبيش. وإذا ما بقي هذا الخلاف على حاله، فإن الأمر سينعكس على طريقة الأصوات، في الكورة والبترون، التي تحتاج فيهما القوات إلى أصوات المستقبليين لتأمين فوز نوابها.
حتى الآن، تستمر عملية شد الحبال. والجميع يريد رفع سقف شروطه لتحصيل مكاسب أكثر. أما في النهاية، فإن الاتجاه قد يكون نحو حلف رباعي جديد، قوامه القوات والتيار الوطني الحر مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، فيما يكون حزب الله وحركة أمل شريكين مضاربين في هذا التحالف وإن كان من خارجه.