تعهد دونالد ترامب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة، بعيد ادائه اليمين، وضع الولايات المتحدة على طريق حقبة جديدة مبنية على "رؤية جديدة" ترفض العلاقات القديمة بين الطبقة السياسية التقليدية من الحزبين الجمهوري والديموقراطي في واشنطن والشعب الاميركي، واقامة علاقات مختلفة بين أميركا والعالم الخارجي مبنية على مبدأ " أميركا أولاً" من طريق اعتماد اجراءات حماية اقتصادية، وبناء تحالفات جديدة .
وقال ترامب في خطاب تنصيبه الذي كان مقتضباً وخارجاً عن المألوف ان ادارته سوف " تعزز الاحلاف القديمة وتنشئ احلاف جديدة" في اشارة ضمنية الى حلف شمال الاطلسي وربما الى ميله الى اقامة علاقات أشد وثوقاً مع روسيا. وقال: "سوف نوحد العالم المتحضر ضد الارهاب الاسلامي المتطرف، الذي سوف نمحوه كلياً عن وجه الارض"، كأنه يوحي بأن العالم المتحضر لا يشمل الدول العربية والاسلامية.
وجاء خطاب التنصيب وسط اجراءات أمنية لا سابق لها نتيجة المخاوف من حصول أعمال ارهابية، ونظراً الى الانقسامات الحادة في البلاد والتي أدت الى تنظيم تظاهرات ضخمة في واشنطن والمناطق المحيطة بمكان احتفال التنصيب أمام المبنى الرئيسي للكونغرس. وبينما كان ترامب يلقي خطابه، قام مئات من الملثمين الفوضويين المنظمين باعمال شغب، فرشقوا رجال الشرطة بالحجارة، وحطموا واجهات ومداخل المصارف والمحال التجارية وغيرها من رموز الرأسمالية. وتحدثت شرطة واشنطن عن اعتقال اكثر من مئة مشاغب. وقاطع الاحتفال 51 نائباً ديموقراطياً، احتجاجاً على مواقف ترامب وعلى تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية، وهي مسألة لا تزال قيد التحقيق.
وصرح الناطق باسم الرئيس الاميركي، بأن ترامب اتخذ أول إجراءاته الرسمية رئيساً للولايات المتحدة امس الجمعة اذ أرسل ترشيحاته الوزارية إلى مجلس الشيوخ ودعا إلى يوم للوطنية.
وقال الناطق شون سبايسر إن ترامب الذي أدى اليمين لتولي السلطة في وقت سابق وقع أيضاً استثناء قانونياً يسمح لجيمس ماتيس الجنرال المتقاعد في البحرية الأميركية بتولي منصب وزير الدفاع.

 

نبرة شعبوية
لكن أبرز ما في خطاب التنصيب للرئيس ترامب والذي صيغ بلغة مباشرة بعيدة من البلاغة الشعرية التي تميزت بها خطب تنصيب الرؤساء الاميركيين في العقود الاخيرة من خطاب الرئيس جون كينيدي الى خطاب الرئيس السابق باراك اوباما عام 2009، هو تنديده الصارخ بالتركة السياسية والاقتصادية لجميع الرؤساء الذين سبقوه الى البيت الابيض، بمن فيهم الذين حضروا تنصيبه وهم الرؤساء جيمي كارتر وجورج بوش الابن وطبعاً سلفه أوباما (الرئيس بوش الاب تخلف عن الحضور بسبب وعكة صحية). وهذا التنديد شمل أيضاً زعماء الحزبين الجمهوري والديموقراطي الذين حضروا الاحتفال ، وكأن الحقبة التي سبقته كانت فاسدة وأخفقت في تحقيق أمال الاميركيين وتطلعاتهم، وكأن المسؤولين عن الحياة السياسية في واشنطن في العقود الماضية كانوا أقلية أوليغارشية استغلت ثروات الشعب الاميركي لتغني نفسها على حسابه.
وتحدث ترامب بنبرة شعبوية، كأنه لا يزال مرشحاً لحزبه خلال الانتخابات التمهيدية، حين قال ان ما يجري حالياً في واشنطن ليس نقل السلطة من حزب الى آخر، "بل نقل السلطة من واشنطن واعادتها اليكم انتم الشعب الاميركي". واتهم ترامب " فئة صغيرة" من السياسيين الذين جنوا مكاسب السلطة وقت كان الشعب الاميركي يدفع الثمن، قائلاً: "السياسيون ازدهروا، لكن الوظائف غادرت البلاد، والمصانع اقفلت..." واضاف في تحذير للسياسيين :" لن نقبل بعد الان سياسيين كل ما يفعلونه هو الكلام من دون أي عمل، وهؤلاء يشكون دوماً لكنهم لا يفعلون شيئاً " لتغيير الاوضاع.
وخرج خطاب ترامب عن المألوف، لانه لم يتضمن أي اشارات شهمة أو وفاقية، كما يفعل الرؤساء الاميركيون خلال احتفالات تنصيبهم حيال منافسهم المهزوم أو المتقاعد وحزبه، فهو لم يذكر ولو بشكل عابر منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون التي كانت تبعد عنه بضعة امتار مع زوجها الرئيس سابقاً بيل كلينتون، كما لم يمد يد الوفاق الى الغالبية الاميركية التي صوتت لمنافسته كلينتون، وبدا كأنه يتحدث الى مؤيديه في مهرجان انتخابي عادي.
وتحدث ترامب بلغة غير مألوفة لثري ومقاول كان يتهرب من دفع الضرائب أو الوفاء بما يدين به للاخرين، وبدا كأنه زعيم شعبوي أو نقابي ، وهو يرسم صورة قاتمة لاميركا ولحال الكثير من الاميركيين وخصوصاً اولئك "المحاصرين في حال فقر في المدن، وهناك مصانع اصابها الصدأ منتشرة في انحاء البلاد وكأنها شواهد للقبور، وهناك نظام تعليمي يفتقر الى المال يترك شبابنا وطلابنا محرومين المعرفة، وهناك الجرائم والعصابات والمخدرات التي سرقت أرواحاً كثيرة وحرمت بلادنا تحقيق امكاناتها" وعلّق في عبارة صدمت كثيرين من المشاهدين: "هذه المذبحة الاميركية تتوقف هنا، وتتوقف الان".
وأوحى ترامب كأنه رئيس دولة صغيرة ومغبونة من دول ذات اقتصادات أكبر حين ادعى ان الولايات المتحدة تولت في السابق بالدفاع عن حدود دول اخرى "ورفضت الدفاع عن حدودنا " في اشارة الى الحدود مع المكسيك. وأضف ان أميركا جعلت الدول الاخرى غنية وقوية، بينما كانت ثقة اميركا بنفسها تنحسر، وتحسر على رحيل المصانع تاركة وراءها العمال الاميركيين.
وبعدما أعلن ان ادارته سوف تكون مبنية على مبدأين بسيطين "اشتروا البضاعة الاميركية ووظفوا الاميركيين"، قال: "سنسعى لاقامة علاقات صداقة وحسن نية مع دول العالم، لكننا سنفعل ذلك انطلاقا من مبدأ حق جميع الدول ان تضع مصالحها في المرتبة الاولى". وشدد على "اننا لا نسعى الى فرض نمط حياتنا على أحد، ولكننا نريد في ان نشعّ كمثال يتبعه الاخرون". وأضاف: "سنعزز الاحلاف القديمة، ونعمل على اقامة احلاف جديدة، وسنوحد العالم المتحضر ضد الارهاب الاسلامي المتطرف، والذي سنمحوه كليا عن وجه الارض".
ورأى ان على الاميركيين ان يتحدثوا بعقول مفتوحة، وان يتناقشوا ويختلفوا بصدق و" يجب ألا يكون هناك أي خوف، لاننا محميون..." وهو موقف مثير للاستغراب، لان ترامب خلال حملته استغل مشاعر الخوف لتعبئة قاعدته، وتحدث بنبرة عدائية عن منافسيه، وكان يحرض مؤيديه على وسائل الاعلام والصحافيين خلال مهرجاناته الانتخابية، كما واصل ترامب حملته على وسائل الاعلام والصحافيين بعد انتخابه، قاطع بعضهم وامتنع عن الاجابة عن اسئلتهم في مؤتمره الصحافي الاخير.

 
 

أول الإجراءات
وبعيد مراسم التنصيب (الوكالات)، صرح الناطق باسم الرئاسة الاميركية شون سبايسر بان ترامب اتخذ أول إجراءاته الرسمية رئيساً للولايات المتحدة بارسال ترشيحاته الوزارية إلى مجلس الشيوخ ودعا إلى يوم للوطنية.
وقال إن ترامب وقع أيضا استثناء قانونياً يسمح لجيمس ماتيس الجنرال المتقاعد في البحرية الأميركية بتولي منصب وزير الدفاع.
وجاء في بيان عن الموقف السياسي نشر في موقعه الالكتروني أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تنوي تطوير نظام دفاع صاروخي "متطور" للحماية من الهجمات من إيران وكوريا الشمالية.
ولم يورد البيان الذي نشر بعد دقائق من تنصيب ترامب تفاصيل عن إذا كان النظام سيختلف عن النظم الخاضعة للتطوير حالياً، أو عن كلفته وعن طريقة تمويله.