لا هوادة لدى التيار الوطني الحر في معركة إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية. حزب رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي أطلق «الثورة» ضدّ الستين وكلّ القوى التي تحاول فرضه كأمر واقع، يستمر في الضغط بغية التوصل إلى قانون يعتمد النظام النسبي بشكلٍ أو بآخر. أولى الخطوات «الهجومية» كانت في البيان الذي أصدره المكتب السياسي للتيار الإثنين الماضي، وهدّد فيه بـ»ثورة شعبية» ضدّ القانون النافذ.
ثمّ أتى كلام الوزير جبران باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح في اليوم التالي، مُصعّداً بأنه «في حال رفضت القوى إقرار القانون، يحق للمواطنين أن يثوروا». مسلسل الضغط العوني مُستمر، وواكبته أمس قناة «أو تي في» التي ذكّرت «بسلسلة الاستحالات الموهومة التي سقطت منذ نهاية أيار 2014 حتى اليوم»، بدءاً من استحالة اتفاق عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، مروراً باستحالة انتخاب عون رئيساً للجمهورية وصولاً إلى عدم الاتفاق على بعض البنود في البيان الوزاري. أرادت القناة البرتقالية من هذا السرد أن تؤكد أنّ استحالة الاتفاق على قانون انتخابي ستسقط أيضاً، «سيكون هناك قانون، وستكون هناك انتخابات. لا بل سيكون القانون شرطاً للانتخابات، وإلا فكل الخيارات متاحة ومفتوحة. الثابتة الوحيدة المسلم بها هي أنه لن يسمح في عهد ميشال عون بأن تغتصب الإرادة الشعبية، لأن الشعب لم يعد يتيماً». سبق لمصادر التيار أن أبلغت «الأخبار» أنّ «كل الخيارات مفتوحة أمامنا، إن كان التحركات في الشارع أو مقاطعة الانتخابات، لأنّ موضوع القانون هو مسك ختام الإصلاحات الميثاقية». ولكن تترك هذه المصادر هامشاً للتوافق السياسي، رغم أنّ الغداء بين الرئيس سعد الحريري والوزيرين علي حسن خليل وباسيل الثلاثاء، لبحث قانون الانتخابات، لم ينتج منه تطور إيجابي.
ليس التيار وحيداً في معركته الحالية. يُدعّم موقفه بتشدد رئيس الجمهورية لإقرار قانون جديد التزاماً منه بخطاب القسم. صحيح أنّ عون أخبر وفد اللقاء الديمقراطي أول من أمس أنه لا يتدخل في السجالات الحاصلة بشأن القانون، مجدّداً حرصه على طرح ما يؤمّن صحة التمثيل ومصلحة الوطن، ولكن حين تحدّث النائب غازي العريضي أمام عون عن وجود «خمسين بالمئة من النواب الدروز الثمانية خارج إطار قدرة الطائفة الدرزية على أن تختار ممثليها»، ردّ الرئيس بالقول إنّ «مصلحة الحزب الاشتراكي هي إذاً باعتماد النسبية التي تسمح له بانتخاب نوابه بقوته الشعبية».
وإضافة إلى تشدّد رئيس الجمهورية، يستند التيار الوطني الحر مجدداً إلى موقف حليفه، حزب الله، الذي لا يزال يرفع لواء النسبية «الكاملة غير المنتقصة». وللتذكير، فإن التيار تمكن من تحقيق هدف الرئاسة، «بفضل صلابة عون، ودعم الحزب» (والتعبير هنا لرئيس التيار) الذي وصل إلى حدّ تعطيل البلد سنتين ونصف سنة، قبل أن تنضم القوات اللبنانية وتيار المستقبل إلى هذا المعسكر. وبعد أقل من ثلاثة أشهر على انتخابه، يبدو عون في معركة قانون الانتخابات أيضاً سانداً ظهره إلى حارة حريك التي تُصرّ على اعتماد النظام النسبي.
التواصل لتحقيق الهدف لا يتم فقط على مستوى الأحزاب. فعون يُكرر في لقاءاته الموقف نفسه: «الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها وفق قانون يتوافق عليه اللبنانيون». هكذا أعلن أمس أمام وفد رؤساء البلديات والمخاتير في كسروان ــ الفتوح بحضور المرشح إلى الانتخابات النيابية العميد المتقاعد شامل روكز، ودعا إلى اختيار نواب «على انسجام بعضهم مع البعض الآخر، ليتمكنوا من تحقيق الإنجازات التشريعية والرقابية».
وفيما لا يزال التيار وحلفاؤه رافضين الإفصاح عن الخطوات التي يهدّدون بها، يقابل أبرز معارضي النسبية، تيار المستقبل، التهديدات ببرودة. وترى مصادر قريبة من الرئيس سعد الحريري أن الضغط العوني لن يؤدي إلى أي تغيير جدّي في قانون الانتخابات. ولا ترى المصادر في عدم التوافق على قانون جديد تهديداً للتفاهم بين التيار الوطني الحر والمستقبل، لافتة إلى أن الحريري لن «يتخلى عن صيانة العلاقة مع التيار الوطني الحر، لكن لسنا وحدنا المسؤولين عن هذا الامر». وتجدر الإشارة إلى أن اللقاء الأخير بين الحريري والوزيرين خليل وباسيل حمل دلالة ذات مغزى في هذا الإطار. فعندما دعا الحريري الوزيرين إلى بحث ملف الموازنة العامة، اشترط باسيل للمشاركة أن يكون قانون الانتخاب على جدول أعمال اللقاء. وكأن وزير الخارجية أراد إيصال رسالة إلى الحريري مفادها أن قانون الانتخاب مفتاح ما عداه في نظر التيار الوطني الحر.
وشهد يوم أمس إصدار وزير الداخلية نهاد المشنوق «البيان رقم واحد» في إطار التحضير للانتخابات، إذ وجّه كتاباً إلى المحافظين طالباً فيه الكشف على مراكز الاقتراع والتثبت من قدرة استيعابها لإجراء الانتخابات، وإيجاد أماكن ملائمة لتسهيل اقتراع المعوقين والإسراع في إنجاز هذه المهمة خلال مهلة لا تتجاوز عشرين يوماً. وقال المشنوق أمس إنه ملزم بإصدار لوائح الشطب ودعوة الهيئات الناخبة قبل 90 يوماً من إجراء الانتخابات، أي قبل 21 شباط المقبل. ولفت إلى أن الإعداد لإجراء الانتخابات وفق القانون النافذ لا يقفل الباب أمام إقرار قانون جديد، إذ يبقى هذا الباب مفتوحاً حتى يوم 20 أيار 2017، أي اليوم السابق لموعد إجراء الانتخابات.
على صعيد آخر، سُجّل أمس أول لقاء كتائبي ــ قواتي بين النائب سامي الجميل والوزير ملحم رياشي، بعد الخلاف الأخير بينهما، والذي بدأ على خلفية عدم دعوة مدير إذاعة صوت لبنان إلى الاجتماع التنسيقي الذي دعت إليه وزارة الإعلام. مصادر الطرفين أبلغت «الأخبار» أنهما تعاتبا «ولكن اتفقنا على وضع آلية عمل لبناء علاقة جديدة يتولاها، حتى إشعار آخر، رياشي من جانب القوات ويُنسّق مباشرة مع الجميّل». وكان وزير الإعلام قد صرّح بعد اللقاء بأنّ «زيارتي لرئيس الكتائب طبيعية جداً وتأتي في إطار تحريك ملف وزارة الاعلام وتحويلها الى وزارة التواصل والحوار... فنحن في صدد تسليمه مسودة لمشروع تحويل الوزارة، وطلبنا منه تكليف نائب من كتلة الكتائب لمساعدتنا في التخطيط لهذا الموضوع»، وقد سمّت الصيفي النائب سامر سعادة.