نحن على بعد أيام من انطلاق التفاوض في الآستانة بخصوص سوريا، هذه المفاوضات التي ستجمع وفداً للنظام يرأسه الجعفري وفي طياته ضباطا في الجيش لأول مرة، في المقابل يترأس محمد علوش وفد القوى الثورية، وهو الاجتماع الذي تعوّل عليه موسكو ليكون منطلقاً وأساساً لمفاوضات جنيف في التاسع من شباط فبراير المقبل.
النقطة الأولى التي يجب التركيز عليها هي طبيعة الوفد المعارض والأشخاص الذين تمت دعوتهم، حيث يبدو واضحا وجود الأغلبية العسكرية في هذا الوفد في مقابل اغلبية سياسية لوفد النظام، وهو ما يعتبر الفخ الأول الذي وضعته موسكو من خلال ضمان ضعف وفد المعارضة "وهنا لا اقصد التقليل من قيمة أحد من أعضاء الوفد ولكن اتحدث عن الجانب التقني البحت" حيث سيكون وفد النظام المتمرس سياسياً اقوى في هذه العملية نظرا لكون العسكري اقل كفاءة تفاوضية بالضرورة.
النقطة الثانية هي الانتباه الى محاولات موسكو لإطلاق منصة جديدة تقفز فوق المنصة الاصلية في جنيف تهدف الى الالتفاف حول قرارات الأمم المتحدة بخصوص سوريا ووضع أرضية جديدة للتفاوض بناء على منصة استانة وفرضها على المجتمعين في جنيف الشهر القادم، وهو الامر الذي يسحب عمليا كل المكاسب السياسية التي حصلت عليها المعارضة من خلال قرارات مجلس الامن ذوات الصلة.
النقطة الثالثة تتمثل باختيار الاستانة مكانا للتفاوض وهي عاصمة الدولة التي أقامت علاقات مميزة مع موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بمدة طويلة، والتي كانت موسكو تعتبرها جزءاً من روسيا، لكنها اتخذت الطريق البراغماتي معها ودعمت وجود الرئيس نزارباييف في السلطة برغم دكتاتوريته لكونه وافق على التعاون اللصيق مع موسكو وتقديم كل ما يمكن لخدمة مصالحها الاقتصادية في كازاخستان، في رسالة على ما يبدو لما تريده موسكو من أي حكم جديد في سوريا وفي تأكيد حتمي للعلاقة التي تريدها موسكو كنتيجة لأي تفاوض بين الوفدين.
النقطة الرابعة هي كمية الضغوط التي ستمارس على المفاوضين المعارضين والتي سيتم تمرير بعض النقاط خلالها لتخدم الطرف المقابل ومنها طرح قوائم الفصائل التي سيتم اعتبارها إرهابية والتي ستعني بجميع الأحوال إطلاق الحروب الداخلية في مناطق الثورة، بالإضافة الى تمرير ملفات أخرى من قبيل تعطيل المحاسبة وضمان المحاصصة على أسس طائفية او اثنية وهو المقتل الذي لا بد من الانتباه له بشكل أساسي وغيرها كثير من الملفات.
النقطة الخامسة تتمثل في تكريس عزل هيئة التفاوض والمنصات السياسية الأخرى في الرياض والقاهرة عن عملية التفاوض لتكريس فكرة النظام الأساسية ان الثورة هي ثورة مسلحة وكان لا بد من الخيار العسكري ما يعني شرعية كل العمليات العسكرية التي تمت واعتبار الجرائم أخطاء حرب مبررة في ظل حرب مدن عنيفة, وبالتالي الوصول الى مجلس عسكري حاكم يحقق مصالح موسكو ويكرس الدكتاتورية العسكرية في سوريا لعقود قادمة برعاية موسكو وفق المثال الكازاخستاني, وهو الامر الذي يحتاج الى صحوة من الكيانات السياسية لاستعادة زمام المبادرة والتأكيد على مرجعية جنيف وقرارات مجلس الامن ذوات الصلة.
إقرأ أيضًا: المنظومة الاخلاقية السورية .. التحوّل الكبير
النقطة السادسة تتمثل في إيران وطبيعة مشاركتها في هذه المفاوضات حيث ان قبول مشاركتها كراعي امر يجب ان يكون مرفوضا كونها طرف اصيل في الحرب ومسؤول مسؤولية كاملة عن الجرائم التي تم ارتكابها منذ آذار 2011 من خلال وجودها الفيزيائي على الأرض مع ضرورة لعب وفد الثورة على وتر الخلاف الروسي الإيراني الذي طفا على السطح بالأمس من خلال تصريحات لافروف بأن نظام الأسد كان على وشك السقوط لولا تدخل روسيا وهو الامر الذي يمكن البناء عليه من خلال مخاطبة الرأي العام الروسي, ومحاولة التأثير على الحاضنة الشعبية المؤيدة للنظام, وبالتالي تعميق الشرخ ما بين موسكو وطهران وصولا الى قطيعة تساهم في تخفيف الخطر الإيراني عن الشرق الأوسط وهو الامر الذي يجب ان تشارك به بشكل أساسي الرياض والقاهرة لكونهما القوتان العربيتان الوحيدتان القادرتان على التأثير دوليا وبالتالي إيجاد مشروع عربي قادر على الصمود يكون جاهزاً على الطاولة عند أي مرحلة.
النقطة السابعة تختص هيئة التفاوض ومنصة الرياض ومنصة القاهرة، حيث ان عدم دعوة هذه القوى لا يعني انعدام دورها، حيث ان دورها بات اقوى عند هذه المرحلة وأكثر قدرة على التأثير نتيجة لانعدام الضغط الشعبي والدولي المتوجه حتما نحو استانة، ما يجعل الملعب امامها كبيرا للتواصل مع الدول المختلفة وبناء مشاريع وتسويقها ومحاولة الحصول على مكاسب سياسية في فترة انشغال الآخرين.
بالتأكيد نحن امام مرحلة مفصلية يمكن لها إطلاق المخاض المخلص للشعب السوري، وهذا يتوقف على مدى قدرة قوى المعارضة والثورة على استغلال اللحظة والتعامل بذكاء مع المعطيات المتغيرة في كل لحظة، كما انها اللحظة المؤاتية لمشروع عربي خاص بسوريا من خلال عودة التقارب المصري السعودي حول سوريا وإيجاد مقاربة مشتركة تلتحق بها الدول العربية تباعا تكون حاملة لإعادة احياء جامعة الدول العربية وتكريس لاعب جديد على الخارطة السياسية الدولية.
واهم من يظن أن ثورة شعب يمكن أن تهزم, نعم تنحني للريح, نعم تأخذ مسارات سياسية او عسكرية لكنها في حقيقتها قناعة راسخة وممارسة سانحة لكل مفاصل الحياة وتفصيلاتها لها خط بياني يرتفع وينخفض ويواكب سيرورة الحياة, فهي بهذا المعنى فعل مستمر وشامل ينتقل من مرحلة الى مرحلة بعد ان يستفيد من خبرات المراحل السابقة وبعد ان يتخلص من كل عوائقها, حصر الثورة بأهداف مرحلية يفرغها تماما من مضمونها, ويجعلها انتفاضة او "هوشة عرب", تستمد الثورات أخلاقياتها من المنظرين المخلصين ومن فهم طبيعة كل مرحلة وتحديد أعدائها, الهدف الأول لأي ثورة هو هدف أخلاقي انساني, ثم تأتي الأهداف السياسية والاقتصادية وغيرها, صعود البعض على الثورة يؤثر مرحليا فقط حيث أن الثورة قادرة على التكيف والتأقلم مع أي ظرف وهو ميزة الثورات الشعبية التي لا قائد واضح لها, امتلاك الأدوات يجعل زمام المبادرة بيد الشعب دائما, لكن وجود هذه الأدوات بيد الغير جديرين أو الأطراف الخارجية يجعل كوابح العمل أقوى.