دبّت الحيوية في الجسم السياسي، ودقّ جرس النزول الى الحلبة الانتخابية والمبارزة بين الخصمين اللدودين: قانون الستين والنسبية. الواضح جلياً انّ المعركة ما زالت حتى الآن متكافئة، في ظل تمترس كل طرف حول الصيغ الانتخابية التي لا تتضارب او تضرب مصالحه وتؤثّر في حجم تمثيله. ويبدو من مواقف القوى السياسية المختلفة انّ المعركة لن تكون سهلة بل هي صعبة حتماً. وتِبعاً لذلك لا يمكن التنبؤ مُسبقاً بالمدى الذي ستبلغه او بالوقت الذي ستحسم فيه نتائجها إن لناحية تغليب «الستين» او أي قانون مرادف له على النسبية سواء أكانت موسعة او جزئية، او العكس، او لناحية بلورة صيغة وسطى تخلط بين الاثنين في قانون يرضي الجميع ولا يكسر احداً او يشعر احد بأنه مهمّش سياسياً او محجّم نيابياً. وعلمت «الجمهورية» أن اجتماعاً على مائدة الغداء جمع أمس كل من رئيس الحكومة سعد الحريري، وزير المال علي حسن خليل، رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل، تم خلاله التطرق الى مختلف المواضيع وعلى رأسها قانون الإنتخاب.
على الحلبة المجلسية الموازية، تنطلق اليوم الورشة التشريعية مع الجلسة الرباعية التي سيعقدها المجلس النيابي اليوم وغداً بجولات نهارية ومسائية لدرس وإقرار ما يزيد عن 70 بنداً.
على انّ الأنظار تتجه الى مرحلة ما بعد الجلسة، خصوصاً لناحية التصدي للهَمّ البيئي المُستجدّ مع عودة تراكم النفايات في الشوارع مع ما يحمله ذلك من مخاطر جسيمة على البيئة والصحة العامة، وكذلك لناحية دخول البلد في المرحلة التحضيرية للاستحقاق الانتخابي أواخر الربيع المقبل.
واذا كان ملف النفايات يفرض على أولي الأمر السياسي نوعاً من الاستنفار على كل المستويات، وخصوصاً من قبل الحكومة لبلورة حلول جذرية تطوي هذا الملف وتمنع تفاقمه، وتخرجه من دائرة الالتباسات وما يتردد عن صفقات وعناصر منفعية، فإنّ الملف الانتخابي فرض نفسه كعنوان ساخن ومفتوح على شتى الاحتمالات، ربطاً بالفرز الواضح الذي أحدثه في الوسط السياسي بين قوى حسمت موقفها لناحية التمترس خلف قانون الستين وعدم التخلي عنه والسعي الحثيث لبناء حائط صلب أمام أي محاولة لإنتاج قانون بديل.
وهنا يبرز موقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بالتناغم مع تيار «المستقبل» وربما مع «القوات اللبنانية»، وبين قوى رفعت البطاقة الحمراء في وجه «الستين» لطرده من الحلبة الانتخابية، وعبّر عن هذا التوجّه صراحة كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله».
وفي هذا السياق أكمل عون ما بدأه «التيار الوطني الحر» بالتلويح بثورة شعبية ضد إبقاء «الستين»، فأكد امام السلك الديبلوماسي على «تنظيم انتخابات نيابية وفق قانون جديد يؤمّن التمثيل الصحيح لكافة شرائح المجتمع اللبناني، ما يوفّر الاستقرار السياسي».
ورأى انّ «تخوّف بعض القوى من قانون نسبي هو في غير محلّه، لأنّ النظام الذي يقوم على النسبية وحده يؤمّن صحة التمثيل وعدالته للجميع. وعليه، قد يخسر البعضُ بعضَ مقاعدهم ولكننا نربح جميعاً استقرار الوطن».
وشدد عون في الوقت ذاته على انّ ارادته كرئيس لبنان، هي «تكريس هذا الموقع حاضناً للصيغة اللبنانية الفريدة، القائمة على التعددية» و«تأمين الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي» و«حماية سيادة الدولة وصيانة الوحدة الوطنية ومنع استجرار الفتن الى ساحتنا الداخلية»، و«مؤسسات قادرة وفاعلة وشفافة تعيد ثقة المواطن بدولته، فيتعاون معها، وتكون له المرجع والسند».
وأطلّ عون على الازمة السورية من باب تداعياتها، وأبرزها النزوح السوري الكثيف إلى لبنان. مطالباً الدول بمؤازرة جهودنا للتوصّل إلى حلّ لأزمة النازحين السوريين. وإذ رحّب بكل مبادرة من شأنها أن تؤدّي إلى حلّ سلميّ سياسيّ للأزمة في سوريا، إنتقد ما سمّي «الربيع العربي» متسائلاً: هل الربيع بهدم الكنائس والمساجد والحضارات؟».
واعتبر أنّ السياسات الدولية هي التي أوصلت الوضع في منطقة الشرق الأوسط إلى ما هو عليه، وإطفاء الحرائق صار حاجة عملية ومصلحة في آن، لأنّ النيران بدأت تحرق أصابع مَن صنعها». واذ أكّد «انّ الإرهابُ إرهابٌ أينما ضرب»، شدّد على انّ «المسار الصحيح يُرسم عبر إرادة دولية راغبة حقاً بإنقاذ العالم من الإرهاب وإرساء السلام».
صدى إيجابي
خطاب عون كان له صدى شديد الايجابية في عين التينة، حيث عبّر بري عن ترحيبه وإشادته بكل مندرجاته، وخصوصاً في الشق الانتخابي. وبادَر الى الاتصال هاتفياً برئيس الجمهورية مهنئاً على خطابه وما تضمّنه من مواقف حول مختلف القضايا.
فيما غرّد الرئيس نجيب ميقاتي عبر «تويتر» معتبراً انّ خطاب عون «قاربَ الملفات المطروحة برؤية واضحة، ولا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومطالبته بالضغط لتنفيذ القرارات الدولية». وأيّدَ دعوة عون «الى اعتماد النسبية في الانتخابات لتأمين صحة التمثيل وعدالته للجميع»، قائلاً: «ننوّه بتشديده على العمل لإعادة ثقة المواطن بدولته».
بري: أين الحكومة؟
ولاقى بري عون بالتأكيد على الإسراع في إعداد القانون الانتخابي الذي يريح البلد ويضع الحياة السياسية في البلد على سكّة الانتظام، لا أن نبقى في ظل قوانين تبقي الحياة السياسية والبلد معها في حال اهتزاز وعدم انتظام.
واكّد انّ كرة البحث عن القانون الانتخابي الذي يُلائم البلد ليست في ملعب النواب والقوى السياسية فقط، بل هي في ملعب الحكومة. وقال أمام زوّاره: «بعد الذي جرى في شأن قانون الانتخاب حتى الآن، وصلت الى حدود اليأس من البعض.
وعلى ايّ حال فقد حاولتُ في الحوار وقبله وبعده ان نَصل الى الصيغة الانتخابية التي تخرجنا من أزمتنا، فلتتفضّل الحكومة وتنفّذ ما التزمَت به في بيانها الوزاري وتضع مشروع قانون انتخاب جديد».
وعن الحوار الانتخابي بين القوى السياسية، قال بري: «سبقَ وتناقشنا مع «التيار الوطني الحر» وكانت نظرتنا متفقة، كما دخلنا في حوار بين حركة «أمل» و«حزب الله» و«المستقبل»، وايضاً دخلنا كحركة في حوار مع الحزب التقدمي الاشتراكي، ولكن هناك مَن حَوّل موقف جنبلاط حائط مبكى لتبرير تمسّكه الضمني بـ«الستين» أو رفضه لقانون جديد».
وأكد بري ارتياحه لانطلاق الورشة التشريعية، وقال: «سننجز بنود جدول أعمال الجلسة، واذا استوجب ذلك عقد جلسات إضافية سأبادر الى ذلك بلا إبطاء».
قاسم: لا لـ«الستين»
وفي هذا السياق، أكد نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم «انّ قانون الستين يشكّل مشكلة كبيرة للبلد، لا بل انّ بقاءه يؤدي الى هدم الهيكل اللبناني، ونحن نتوجّه الى الجميع للعمل على المحافظة على هذا الهيكل وحمايته ومنعه من السقوط».
وقال قاسم لـ«الجمهورية»: «المشكلة في طريقة نقاش قانون الانتخاب تكمن في الاختلاف بين منهجين؛ منهج يعتبر انّ القانون يجب ان يراعي التمثيل الشعبي الصحيح لتكون السلطة الناتجة عن الانتخاب قادرة على تمثيل كل شرائح المجتمع، وعلى المحاسبة.
وفي آن معاً ان يتمكن المواطنون من محاسبتها في الدورة التالية عندما يفشل بعضهم في أدائه، وهذا له تطبيق واحد فقط هو النسبية لأنها تشكّل الاختيار العادل بحسب نسبة التأييد الشعبي لهذا الطرف أو ذاك».
أضاف: «امّا المنهج الثاني، فهو يريد قانون الانتخاب معبراً لتكريس سلطته بصرف النظر عن مستوى التأييد الشعبي له وعن وجود أطراف وقوى اخرى لها الحق في ان تتمثّل في المجلس النيابي، وهذا المنهج يؤدي بأصحابه الى أن يخترعوا قوانين انتخاب على طريقة «من كل وادي عصا»، ليأخذوا شرعية التمثيل بطريقة مزوّرة وعبر قانون مفصّل على قياس زعاماتهم. للأسف، إنّ غالبية القوى السياسية تناقش من خلال المنهج الثاني، ولذلك نرى العسر في ان يصدر قانون الانتخاب العادل».
وقال: «نحن كـ«حزب الله» أعلنّا مراراً وتكراراً انّ دولة المؤسسات والقانون تبدأ بقانون انتخاب على قاعدة النسبية، وكلما ابتعدنا عن النسبية ابتعدنا عن دولة المؤسسات والقانون وكرّسنا الخيار الطائفي والمذهبي الذي يُباعِد بين اللبنانيين، فيما يؤدي قانون النسبية الى تعزيز المواطنة».
ورداً على سؤال، اجاب قاسم: «نحن مع إجراء الانتخابات في موعدها، ولسنا مع التمديد بل ضده، وآن الاوان لتنتظم المؤسسات الدستورية مع العهد الجديد بشكل تكاملي. وأعتقد انّ الاجواء السياسية مساعدة لعدم التأجيل ولعدم التمديد».
ورداً على سؤال آخر، قال: «سنسعى كـ«حزب الله» وبكل جهد للاستفادة من الوقت المتاح لقانون جديد، ولكن لا نستطيع ان نجزم من الآن ما اذا كان بعض الاطراف سيقف مع مثل هذا القانون العادل او الذي يميل الى العدالة. لذا، نحن سنسعى وسنستمر بالسعي ولا نتنبّأ بالنتائج، إلّا أنّ الامر لا يخلو من صعوبات حقيقية. لكن أقول في نهاية الأمر انّ من أراد المواطنة عليه بالنسبية».
«الوفاء للمقاومة»
وجددت كتلة «الوفاء للمقاومة» تأكيدها على اعتماد النسبية الكاملة مع الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسّعة، وعلى رفضها «الستين» والتمديد. ولفتت الى «انّ وضع قانون جديد للانتخاب هو تعهّد التزمَته الحكومة في بيانها الوزاري على رغم معرفتها المسبقة بالفترة المتاحة لها من أجل إنجازه، وإنّ الاخلال بهذا التعهد سيؤثر حكماً على الثقة بحكومة «استعادة الثقة».
«التكتل»
وجَدّد تكتل «التغيير والاصلاح» رفضه التمديد الثالث لمجلس النواب والسّير بالستين، وأعلن انّ لديه الكثير من الخيارات السياسية والشعبية لمنع فرض أيّ أمر واقع محتوم باعتماد الستين.
وقال رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل: «نحن أمام طروحات قوانين جدية، إن كنّا نريد أن نكون أمام نظام طائفي فالقانون الارثوذكسي يعكس التمثيل الصحيح، أمّا إذا أردنا نظاماً علمانياً فالنسبية هي الحل. وعندما وجدنا أنّ الطرحين غير مقبولين ذهبنا لدراسة القانون المختلط، وهذا دليل على التضحية التي يقدّمها «التيار الوطني الحر».
وأشار باسيل الى انّ جنبلاط «يعرف إيماننا بوحدة الجبل، ونحن لا نريد فرض قانون أو أن يفرض علينا أحد البقاء في الوضع الحالي، فلا يمكن الجمع بين اتفاق الطائف وقانون الستين». واعتبر انّ الحريري «سيعطي البلد الآن، كما أعطاه من قبل. ونحن هنا لتقويته، وليس لإضعافه. نحن مع الحريري في الانتخابات عندما يعطي البلد، كما أعطاه في السابق».
«المستقبل»
ودعَت كتلة «المستقبل» الجميع الى العمل من أجل التوصّل إلى إقرار قانون انتخابي جديد «يرتكز على النظامين الأكثري والنسبي مع استمرار التمسّك والالتزام بضرورة أن تتمَّ الانتخابات في موعدها من دون أيّ تأخير».
«الإشتراكي»
الى ذلك، يبدأ وفد وزاري نيابي من «اللقاء الديموقراطي» جولته على المسؤولين لشرح وجهة نظره من قانون الانتخاب وتَمسّكه بالنظام الأكثري، فيستهلّها بزيارة عون قبل الظهر على أن يزور لاحقاً بري والحريري والكتل النيابية.
«الكتائب»
وأبدى مصدر مسؤول في حزب الكتائب «ارتياحاً حذراً للأجواء السياسية التي أعقبت المؤتمر الصحافي لرئيس الحزب النائب سامي الجميّل، الذي ساهم في تحريك المياه الراكدة». لكنه رأى «انّ الأمور في خواتيمها».
وقال لـ«الجمهورية» انّ الحزب سيبقي على اتصالاته وعلى كل الخطوط مفتوحة لإعطاء الدفع المطلوب لآلية إنتاج قانون جديد للانتخابات، وفي الوقت نفسه سيكثّف من لقاءاته المعلنة وغير المعلنة مع القيادات الحزبية والشخصيات السياسية المستقلة والمجتمع المدني لقطع الطريق على ايّ محاولة للعب على عامل الوقت وصولاً الى فرض قانون الستين كأمر واقع».
وأكّد أنّ الكتائب «باتت في صلب العملية الانتخابية، وهي تعدّ العدّة للتعاطي مع كل السيناريوهات المحتملة بما تتطلبه من سياسات وتقنيات وتفاهمات وتنسيق».
العلاقات اللبنانية- الخليجية
وفي استمرار للتواصل اللبناني- الخليجي، التقى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أمس سفراء دول مجلس التعاون الخليجي، وعرض معهم لآخر المستجدات في لبنان والمنطقة والعلاقات بين لبنان والدول الخليجية.
كنعان
على صعيد آخر، تنتظر الأوساط السياسية شروع الحكومة في درس مشروع موازنة العام الجاري، بعدما رفعه إليها وزير المال علي حسن خليل.
وفي انتظار تخصيص جلسات للحكومة حول الموازنة، قال رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية»: «انّ الموازنة كقانون الانتخاب من أهم التشريعات التي تتحدّد من خلالها إمكانية الاصلاح في تكوين النظام ومكافحة الفساد والهدر في الانفاق، إنما مضمون هذه التشريعات يبقى هو الأساس حيث من المفروض ان يتضمن إصلاحات جذرية تُخرج لبنان من أزماته السياسية والمالية والاقتصادية.
فلا أيّ موازنة أو أيّ قانون انتخاب هو الحل، لأنهم في الماضي أقرّوا موازنات وقوانين انتخابية كان لها التأثير السلبي لا بل المُدمّر بعض الاحيان للديموقراطية والمالية العامة.
لذلك، نركّز على إصلاح هذه التشريعات إحتراماً لعقولنا وعقول الناس وحرصاً منّا على عدم إضاعة فرصة انتخاب رئيس ميثاقي استثنائي كالرئيس عون».
على انّ الأنظار تتجه الى مرحلة ما بعد الجلسة، خصوصاً لناحية التصدي للهَمّ البيئي المُستجدّ مع عودة تراكم النفايات في الشوارع مع ما يحمله ذلك من مخاطر جسيمة على البيئة والصحة العامة، وكذلك لناحية دخول البلد في المرحلة التحضيرية للاستحقاق الانتخابي أواخر الربيع المقبل.
واذا كان ملف النفايات يفرض على أولي الأمر السياسي نوعاً من الاستنفار على كل المستويات، وخصوصاً من قبل الحكومة لبلورة حلول جذرية تطوي هذا الملف وتمنع تفاقمه، وتخرجه من دائرة الالتباسات وما يتردد عن صفقات وعناصر منفعية، فإنّ الملف الانتخابي فرض نفسه كعنوان ساخن ومفتوح على شتى الاحتمالات، ربطاً بالفرز الواضح الذي أحدثه في الوسط السياسي بين قوى حسمت موقفها لناحية التمترس خلف قانون الستين وعدم التخلي عنه والسعي الحثيث لبناء حائط صلب أمام أي محاولة لإنتاج قانون بديل.
وهنا يبرز موقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بالتناغم مع تيار «المستقبل» وربما مع «القوات اللبنانية»، وبين قوى رفعت البطاقة الحمراء في وجه «الستين» لطرده من الحلبة الانتخابية، وعبّر عن هذا التوجّه صراحة كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله».
وفي هذا السياق أكمل عون ما بدأه «التيار الوطني الحر» بالتلويح بثورة شعبية ضد إبقاء «الستين»، فأكد امام السلك الديبلوماسي على «تنظيم انتخابات نيابية وفق قانون جديد يؤمّن التمثيل الصحيح لكافة شرائح المجتمع اللبناني، ما يوفّر الاستقرار السياسي».
ورأى انّ «تخوّف بعض القوى من قانون نسبي هو في غير محلّه، لأنّ النظام الذي يقوم على النسبية وحده يؤمّن صحة التمثيل وعدالته للجميع. وعليه، قد يخسر البعضُ بعضَ مقاعدهم ولكننا نربح جميعاً استقرار الوطن».
وشدد عون في الوقت ذاته على انّ ارادته كرئيس لبنان، هي «تكريس هذا الموقع حاضناً للصيغة اللبنانية الفريدة، القائمة على التعددية» و«تأمين الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي» و«حماية سيادة الدولة وصيانة الوحدة الوطنية ومنع استجرار الفتن الى ساحتنا الداخلية»، و«مؤسسات قادرة وفاعلة وشفافة تعيد ثقة المواطن بدولته، فيتعاون معها، وتكون له المرجع والسند».
وأطلّ عون على الازمة السورية من باب تداعياتها، وأبرزها النزوح السوري الكثيف إلى لبنان. مطالباً الدول بمؤازرة جهودنا للتوصّل إلى حلّ لأزمة النازحين السوريين. وإذ رحّب بكل مبادرة من شأنها أن تؤدّي إلى حلّ سلميّ سياسيّ للأزمة في سوريا، إنتقد ما سمّي «الربيع العربي» متسائلاً: هل الربيع بهدم الكنائس والمساجد والحضارات؟».
واعتبر أنّ السياسات الدولية هي التي أوصلت الوضع في منطقة الشرق الأوسط إلى ما هو عليه، وإطفاء الحرائق صار حاجة عملية ومصلحة في آن، لأنّ النيران بدأت تحرق أصابع مَن صنعها». واذ أكّد «انّ الإرهابُ إرهابٌ أينما ضرب»، شدّد على انّ «المسار الصحيح يُرسم عبر إرادة دولية راغبة حقاً بإنقاذ العالم من الإرهاب وإرساء السلام».
صدى إيجابي
خطاب عون كان له صدى شديد الايجابية في عين التينة، حيث عبّر بري عن ترحيبه وإشادته بكل مندرجاته، وخصوصاً في الشق الانتخابي. وبادَر الى الاتصال هاتفياً برئيس الجمهورية مهنئاً على خطابه وما تضمّنه من مواقف حول مختلف القضايا.
فيما غرّد الرئيس نجيب ميقاتي عبر «تويتر» معتبراً انّ خطاب عون «قاربَ الملفات المطروحة برؤية واضحة، ولا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومطالبته بالضغط لتنفيذ القرارات الدولية». وأيّدَ دعوة عون «الى اعتماد النسبية في الانتخابات لتأمين صحة التمثيل وعدالته للجميع»، قائلاً: «ننوّه بتشديده على العمل لإعادة ثقة المواطن بدولته».
بري: أين الحكومة؟
ولاقى بري عون بالتأكيد على الإسراع في إعداد القانون الانتخابي الذي يريح البلد ويضع الحياة السياسية في البلد على سكّة الانتظام، لا أن نبقى في ظل قوانين تبقي الحياة السياسية والبلد معها في حال اهتزاز وعدم انتظام.
واكّد انّ كرة البحث عن القانون الانتخابي الذي يُلائم البلد ليست في ملعب النواب والقوى السياسية فقط، بل هي في ملعب الحكومة. وقال أمام زوّاره: «بعد الذي جرى في شأن قانون الانتخاب حتى الآن، وصلت الى حدود اليأس من البعض.
وعلى ايّ حال فقد حاولتُ في الحوار وقبله وبعده ان نَصل الى الصيغة الانتخابية التي تخرجنا من أزمتنا، فلتتفضّل الحكومة وتنفّذ ما التزمَت به في بيانها الوزاري وتضع مشروع قانون انتخاب جديد».
وعن الحوار الانتخابي بين القوى السياسية، قال بري: «سبقَ وتناقشنا مع «التيار الوطني الحر» وكانت نظرتنا متفقة، كما دخلنا في حوار بين حركة «أمل» و«حزب الله» و«المستقبل»، وايضاً دخلنا كحركة في حوار مع الحزب التقدمي الاشتراكي، ولكن هناك مَن حَوّل موقف جنبلاط حائط مبكى لتبرير تمسّكه الضمني بـ«الستين» أو رفضه لقانون جديد».
وأكد بري ارتياحه لانطلاق الورشة التشريعية، وقال: «سننجز بنود جدول أعمال الجلسة، واذا استوجب ذلك عقد جلسات إضافية سأبادر الى ذلك بلا إبطاء».
قاسم: لا لـ«الستين»
وفي هذا السياق، أكد نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم «انّ قانون الستين يشكّل مشكلة كبيرة للبلد، لا بل انّ بقاءه يؤدي الى هدم الهيكل اللبناني، ونحن نتوجّه الى الجميع للعمل على المحافظة على هذا الهيكل وحمايته ومنعه من السقوط».
وقال قاسم لـ«الجمهورية»: «المشكلة في طريقة نقاش قانون الانتخاب تكمن في الاختلاف بين منهجين؛ منهج يعتبر انّ القانون يجب ان يراعي التمثيل الشعبي الصحيح لتكون السلطة الناتجة عن الانتخاب قادرة على تمثيل كل شرائح المجتمع، وعلى المحاسبة.
وفي آن معاً ان يتمكن المواطنون من محاسبتها في الدورة التالية عندما يفشل بعضهم في أدائه، وهذا له تطبيق واحد فقط هو النسبية لأنها تشكّل الاختيار العادل بحسب نسبة التأييد الشعبي لهذا الطرف أو ذاك».
أضاف: «امّا المنهج الثاني، فهو يريد قانون الانتخاب معبراً لتكريس سلطته بصرف النظر عن مستوى التأييد الشعبي له وعن وجود أطراف وقوى اخرى لها الحق في ان تتمثّل في المجلس النيابي، وهذا المنهج يؤدي بأصحابه الى أن يخترعوا قوانين انتخاب على طريقة «من كل وادي عصا»، ليأخذوا شرعية التمثيل بطريقة مزوّرة وعبر قانون مفصّل على قياس زعاماتهم. للأسف، إنّ غالبية القوى السياسية تناقش من خلال المنهج الثاني، ولذلك نرى العسر في ان يصدر قانون الانتخاب العادل».
وقال: «نحن كـ«حزب الله» أعلنّا مراراً وتكراراً انّ دولة المؤسسات والقانون تبدأ بقانون انتخاب على قاعدة النسبية، وكلما ابتعدنا عن النسبية ابتعدنا عن دولة المؤسسات والقانون وكرّسنا الخيار الطائفي والمذهبي الذي يُباعِد بين اللبنانيين، فيما يؤدي قانون النسبية الى تعزيز المواطنة».
ورداً على سؤال، اجاب قاسم: «نحن مع إجراء الانتخابات في موعدها، ولسنا مع التمديد بل ضده، وآن الاوان لتنتظم المؤسسات الدستورية مع العهد الجديد بشكل تكاملي. وأعتقد انّ الاجواء السياسية مساعدة لعدم التأجيل ولعدم التمديد».
ورداً على سؤال آخر، قال: «سنسعى كـ«حزب الله» وبكل جهد للاستفادة من الوقت المتاح لقانون جديد، ولكن لا نستطيع ان نجزم من الآن ما اذا كان بعض الاطراف سيقف مع مثل هذا القانون العادل او الذي يميل الى العدالة. لذا، نحن سنسعى وسنستمر بالسعي ولا نتنبّأ بالنتائج، إلّا أنّ الامر لا يخلو من صعوبات حقيقية. لكن أقول في نهاية الأمر انّ من أراد المواطنة عليه بالنسبية».
«الوفاء للمقاومة»
وجددت كتلة «الوفاء للمقاومة» تأكيدها على اعتماد النسبية الكاملة مع الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسّعة، وعلى رفضها «الستين» والتمديد. ولفتت الى «انّ وضع قانون جديد للانتخاب هو تعهّد التزمَته الحكومة في بيانها الوزاري على رغم معرفتها المسبقة بالفترة المتاحة لها من أجل إنجازه، وإنّ الاخلال بهذا التعهد سيؤثر حكماً على الثقة بحكومة «استعادة الثقة».
«التكتل»
وجَدّد تكتل «التغيير والاصلاح» رفضه التمديد الثالث لمجلس النواب والسّير بالستين، وأعلن انّ لديه الكثير من الخيارات السياسية والشعبية لمنع فرض أيّ أمر واقع محتوم باعتماد الستين.
وقال رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل: «نحن أمام طروحات قوانين جدية، إن كنّا نريد أن نكون أمام نظام طائفي فالقانون الارثوذكسي يعكس التمثيل الصحيح، أمّا إذا أردنا نظاماً علمانياً فالنسبية هي الحل. وعندما وجدنا أنّ الطرحين غير مقبولين ذهبنا لدراسة القانون المختلط، وهذا دليل على التضحية التي يقدّمها «التيار الوطني الحر».
وأشار باسيل الى انّ جنبلاط «يعرف إيماننا بوحدة الجبل، ونحن لا نريد فرض قانون أو أن يفرض علينا أحد البقاء في الوضع الحالي، فلا يمكن الجمع بين اتفاق الطائف وقانون الستين». واعتبر انّ الحريري «سيعطي البلد الآن، كما أعطاه من قبل. ونحن هنا لتقويته، وليس لإضعافه. نحن مع الحريري في الانتخابات عندما يعطي البلد، كما أعطاه في السابق».
«المستقبل»
ودعَت كتلة «المستقبل» الجميع الى العمل من أجل التوصّل إلى إقرار قانون انتخابي جديد «يرتكز على النظامين الأكثري والنسبي مع استمرار التمسّك والالتزام بضرورة أن تتمَّ الانتخابات في موعدها من دون أيّ تأخير».
«الإشتراكي»
الى ذلك، يبدأ وفد وزاري نيابي من «اللقاء الديموقراطي» جولته على المسؤولين لشرح وجهة نظره من قانون الانتخاب وتَمسّكه بالنظام الأكثري، فيستهلّها بزيارة عون قبل الظهر على أن يزور لاحقاً بري والحريري والكتل النيابية.
«الكتائب»
وأبدى مصدر مسؤول في حزب الكتائب «ارتياحاً حذراً للأجواء السياسية التي أعقبت المؤتمر الصحافي لرئيس الحزب النائب سامي الجميّل، الذي ساهم في تحريك المياه الراكدة». لكنه رأى «انّ الأمور في خواتيمها».
وقال لـ«الجمهورية» انّ الحزب سيبقي على اتصالاته وعلى كل الخطوط مفتوحة لإعطاء الدفع المطلوب لآلية إنتاج قانون جديد للانتخابات، وفي الوقت نفسه سيكثّف من لقاءاته المعلنة وغير المعلنة مع القيادات الحزبية والشخصيات السياسية المستقلة والمجتمع المدني لقطع الطريق على ايّ محاولة للعب على عامل الوقت وصولاً الى فرض قانون الستين كأمر واقع».
وأكّد أنّ الكتائب «باتت في صلب العملية الانتخابية، وهي تعدّ العدّة للتعاطي مع كل السيناريوهات المحتملة بما تتطلبه من سياسات وتقنيات وتفاهمات وتنسيق».
العلاقات اللبنانية- الخليجية
وفي استمرار للتواصل اللبناني- الخليجي، التقى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أمس سفراء دول مجلس التعاون الخليجي، وعرض معهم لآخر المستجدات في لبنان والمنطقة والعلاقات بين لبنان والدول الخليجية.
كنعان
على صعيد آخر، تنتظر الأوساط السياسية شروع الحكومة في درس مشروع موازنة العام الجاري، بعدما رفعه إليها وزير المال علي حسن خليل.
وفي انتظار تخصيص جلسات للحكومة حول الموازنة، قال رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية»: «انّ الموازنة كقانون الانتخاب من أهم التشريعات التي تتحدّد من خلالها إمكانية الاصلاح في تكوين النظام ومكافحة الفساد والهدر في الانفاق، إنما مضمون هذه التشريعات يبقى هو الأساس حيث من المفروض ان يتضمن إصلاحات جذرية تُخرج لبنان من أزماته السياسية والمالية والاقتصادية.
فلا أيّ موازنة أو أيّ قانون انتخاب هو الحل، لأنهم في الماضي أقرّوا موازنات وقوانين انتخابية كان لها التأثير السلبي لا بل المُدمّر بعض الاحيان للديموقراطية والمالية العامة.
لذلك، نركّز على إصلاح هذه التشريعات إحتراماً لعقولنا وعقول الناس وحرصاً منّا على عدم إضاعة فرصة انتخاب رئيس ميثاقي استثنائي كالرئيس عون».