يذهب الباحثون في الّلغة وتأريخ وضع المعاجم إلى إنّ أوّل محاولة أسست لشكليّة المعجم الّلغوي بصيغته الحاليّة هي محاولة الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفّى سنة: "175هـ" في معجمه "العين"؛ إذ سعى من خلالها لحصر ألفاظ الّلغة العربيّة في إطار نظام منهجيّ واضح، يحمل أسساً وقواعد مضبوطة. وقد اعتمدت هذه المحاولة في كتابتها على الرواية عن الأعراب؛ والشّعر؛ والقرآن؛ والحديث النبوي؛ والمأثور من كلام العرب. كما قد تنوّعت آليّة الاستفادة من هذه المصادر؛ فكان بعضها مصدراً للاستقراء المعجمي كالرواية عن الأعراب والشّعر، وكان الآخر أقرب للاستشهاد من كونه مصدراً كالقرآن والحديث النبوي والمأثور من كلام العرب.
وفي القرن الرّابع الهجري جاءت المحاولات الّلغويّة لتقتفي إثر المصادر الّتي اعتمدها الفراهيدي في معجمه؛ فها هو أبو منصور الأزهري المتوفّى سنة: "370هـ" صاحب معجم "تهذيب الّلغة" ينصّ على إنّه لم يودع في معجمه من كلام العرب سوى ما صحّ له منهم سماعاً؛ أو رواية عن ثقة؛ أو حكاية عن خط ذي معرفة ثاقبة. كما أكّد ذلك الجّوهري صاحب معجم "تاج الّلغة وصحاح العربيّة" المتوفّى سنة: "398هـ"؛ إذ قرّر على إنّه وضع في كتابه ما صحّ عنده من هذه اللغة، بعد تحصيلها من العراق رواية؛ وإتقانها دراية ومشافهة مع العرب العاربة في البادية.
ومن البيّن الواضح: إنّ منزلة الدّراية والمشافهة مع الأعراب في القرن الرّابع الهجري ليست هي بنفس منزلتهما في القرن الثّاني الهجري حينما اعتمد الفراهيدي عليها؛ وذلك لتضاؤل البداوة وانحسارها بعد تقادم الزمان وتطور الحضارة والعمران، أضف إلى ذلك: دخول الّلغة العربيّة فيما بعد ذلك مرحلة جديدة؛ فتداول الكتّاب لغة علمية في مقابل الّلغة الأدبيّة، فظهر الجاحظ "255هـ" والكندي "256هـ" وأبو بكر الرازي "313هـ" وأبو حيّان التوحيدي "414هـ" وغيرهم من كتّاب اللغة العلميّة.
وهكذا توالت عمليّة النقل بعد الأزهري حتى صارت الوسيلة المتّبعة عند جميع من بعده باستثناء الجوهري؛ فهذا ابن فارس المتوفّى سنة: "395هـ " ينصّ على أخذه جلّ مادته من خمسة مصادر وهي: كتاب العين وغريب الحديث ومصنّف الغريب لأبي عبيد وكتاب المنطق لابن السكيت والجمهرة لأبي بكر بن دريد، وما بعد هذه الكتب محمول عليها وراجع إليها؛ كما ينبّه ابن منظور "711هـ" في مقدمة لسان العرب على اعتماده خمسة مصادر أيضاً، وهي: التهذيب للأزهري والصحاح للجوهري والمحكم لأبن سيده "458هـ" والحواشي على صحاح الجوهري لابن بري "582هـ" والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير "606هـ". [لاحظ في هذا الصدد: مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق: ج78، ج1].
ما دعانا لذكر هذه المقدّمة المختصرة هو: ضرورة التزام المراجع الثبت والأساسيّة في تفسير المفردات الّلغويّة؛ فإن المعاجم اللغويّة التي كتبت بعد كتاب "العين" كان بعضها لا يصف المستعمل الزماني للمفردات العربيّة في حين استعمالها في أيّام النزول بقدر ما تصف المستعمل الآني في وقتها، ومن هنا: فلا يمكن الاعتماد عليها في حالة مخالفتها للمعاجم الأمّ التي استقت المواد منها، هذا فضلاً عن عدم صحّة الاعتماد على المصادر التي كتبت في القرن التاسع عشر والعشرين ممن طغت عليها الرؤية المذهبيّة المسيحيّة اليسوعيّة، أمثال محيط المحيط وأقرب الموارد والمنجد...وغيرها من المعاجم المعاصرة كما يظهر ذلك في كلمات بعض الفقهاء المعاصرين للأسف الشّديد.
بعد وضوح هذه المقدّمة الضّروريّة سنتناول في الحلقة القادمة مفردات الغنم والغنيمة والمغنم... لنرى هل إنّها تشمل الخمس الشّيعي كما يصرّ على ذلك معظم فقهاء الشّيعة، أم إنّها ليست كذلك، تابعونا ولكن مع أخذ السّطور المتقدّمة بعين الاعتبار.
ميثاق العسر