أنهى حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية جدلا واسعا، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين تحسنا نوعيا نتيجة وساطات من دول إقليمية نافذة، مما يفتح الباب لخيارات مختلفة للتعامل مع الأزمة.
 
وأصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر الاثنين حكما نهائيا ببطلان توقيع الاتفاقية التي تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للسعودية.
 
وأثارت الاتفاقية التي وقعها البلدان في أبريل الماضي، على هامش زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة، احتجاجات في مصر وسط اتهامات من جماعات معارضة للحكومة بالتنازل عن الجزيرتين مقابل تدفق المساعدات السعودية.
 
وطوال هذه الفترة حافظت السعودية على هدوء كبير وسط جدل سياسي صاخب في مصر، ولم تعقب على حكم سابق أصدرته محكمة القضاء الإداري (الدرجة الأولى) في يونيو الماضي ببطلان الاتفاقية.
 
لكن الحكومة المصرية طعنت في حكم المحكمة الإدارية، قبل أن ترفض المحكمة العليا الطعن الاثنين.
وقال القاضي أحمد الشاذلي في منطوق حكمه إنه “قد وقر واستقر في عقيدة المحكمة أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها، وأن دخول الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية ما انفك راجحا رجحانا يسمو لليقين، ذلك كأثر لسيادتها المستقلة”.
 
وكثرت الشكوك مؤخرا بشأن نية مصر نقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية.
 
وقالت مصادر في القاهرة لـ”العرب” إن بعض الوثائق التي تقدمت بها هيئة قضايا الدولة (الممثلة للحكومة) أمام المحكمة ضعيفة، وبعضها يثبت مصرية الجزيرتين، على عكس توجه الحكومة.
 
وعلى سبيل المثال قدم ممثل الحكومة، خلال إحدى جلسات نظر القضية أمام المحكمة الإدارية، وثيقة من جلسة مجلس الأمن في 15 فبراير 1954 لإثبات أحقية السعودية بالجزيرتين.
 
لكن الوثيقة قالت أيضا إن القوات المصرية كانت متمركزة عليهما أثناء الحرب العالمية الثانية وأنهما كانتا محتلتين من قبل القوات المصرية منذ عام 1906، أثناء ترسيم الحدود بين مصر والدولة العثمانية. ومنذ انتهاء علاقة مصر بالإمبراطورية العثمانية أصبحت الجزيرتان “حصريا مصريتين”، بحسب الترجمة التي تقدم بها محامي الحكومة.
كما قال عصام الإسلامبولي، عضو هيئة الدفاع عن مصرية الجزيرتين، خلال مرحلة التقاضي الأولى “هاتفني من كان يعمل بمكتب اللواء عمر سليمان (رئيس المخابرات العامة الراحل) وسلمني مذكرة مرسلة من رئيس المخابرات، تؤكد مصرية الجزيرتين، كما حصلنا على كتاب المخابرات رقم 1949، ومذكرة بملف الخارجية تؤكد أحقيتنا بهما”.
 
ويقول مراقبون إن الحكومة واجهت صعوبات في إقناع قطاعات واسعة من المجتمع المصري بتمرير الاتفاقية، خشية اندلاع احتجاجات تهدد الاستقرار الداخلي.
 
ويقول محامو الحكومة إن الاتفاقية من أعمال السيادة ولا تقع تحت سلطة القضاء ودفعوا بعدم اختصاص القضاء الإداري.
 
لكن القاضي الشاذلي قال في جلسة الاثنين إن المحكمة خلصت إلى أن نظر الدعوى “عمل يدرج تحت مفهوم المنازعة الإدارية. ومن ثم رفضت الدفع بعدم اختصاصها”.
 
وقال المحامي خالد علي، وهو أحد المحامين الذين يختصمون الحكومة في القضية، إن “هذه المحكمة المختصة هي الوحيدة وهي أعلى محكمة مختصة بالقرارات الإدارية والقرار نهائي لا رجعة فيه”.
 
وأضاف أن “اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا لن يلغي حكم القضاء الإداري واللجوء إلى مجلس النواب باطل”.
 
ويقول محمود كبيش، عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة سابقا، إن “المحكمة الدستورية ستقول رأيها فقط عمّا إذا كانت تلك الاتفاقية من أعمال السيادة أم لا، لكن ذلك لا يعني إلغاء حكم القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية”.
 
وأضاف كبيش لـ”العرب” أن “مناقشة البرلمان للاتفاقية يضاعف الأزمة ولا يحلها، لأن الحل لم يعد في يد البرلمان ولا القضاء، بل في البحث عن مخرج بعيدا تماما عن صدام السلطتين التشريعية والقضائية”.
وسيؤثر الحكم على العلاقات بين مصر والسعودية حتما، وسيزيد من نسب البرود في علاقات البلدين والتي أخذ التعبير عنها أشكالا متحفظة.
 
وسيحتاج فشل الحكومة المصرية في الالتزام بالاتفاقية إلى مخرج مناسب لوقف البرودة التي طالت العلاقات بين البلدين.
 
وقال مصدر سياسي في القاهرة لـ”العرب” إن هناك ثلاثة خيارات للتعامل مع الأزمة؛ إما بتجميد الاتفاقية مع إقامة مشروعات مشتركة بين البلدين على الجزيرتين، أو إعادة التفاوض من جديد ببنود مختلفة، أو لجوء السعودية إلى التحكيم الدولي.
 
ويقول مراقبون إن على البلدين إعادة قراءة علاقاتهما المقبلة متجاوزين قضية الجزر، وعليهما اعتبار الأمر ملفا يجب إقفاله وبناء سياسة مشتركة دون ولوج هذا الملف.
 
لكن الحكم يعيد المخاوف بشأن تعميق الخلافات حول ملفات إقليمية في اليمن أو سوريا، أو في ملف العلاقة مع إيران.
 
ومع ذلك فإن سيناريوهات متعددة تطرح متناولة ملفات التعاون بين البلدين والقطاعات المشتركة لا سيما تلك المتعلقة بالاستثمارات والعمالة والسياحة والمبادلات التجارية التي يمكن أن تتأثر من أي توتر إضافي، رغم أن المؤشرات الأولى توحي بأن البلدين سيسعيان مع ذلك إلى التعايش رغم نقاط التباين ونقاط الخلاف.