هذا البعبع الذي إسمه "ستين" لم يعد في الظاهر مخيفًا، أقله بالنسبة إلى الأطراف التي تعتبر نفسها مستهدفة بالنسبية، وقد أصبح في نظرها من الماضي، أو بالأصح يصلح لمجتمع غير المجتمع اللبناني، الذي لا تزال الطائفية متحكمة بمفاصل حياته اليومية، في الأمور الصغيرة كما الكبيرة، على حدّ سواء.
 
 
ولأن النسبية لا تناسب الكثيرين من الأفرقاء السياسيين، لألف سبب وسبب، وفي طليعتها الخوف على بعض المكتسبات الحسابية والعددية، بات الحديث عن إعتماد قانون "الستين" بوجه تجميلي يأخذ أبعادًا مغايرة لما كان تنادي به أغلبية القوى السياسية، باستثناء أولئك الذين يتطلعون إلى تمثيل حقيقي وعادل لمختلف شرائح المجتمع، والذين لا يمكن تأمين الحدّ الأدنى لتمثيلهم إلاّ عبر قانون عصري نسبيًا يستطيع من خلاله كل طامح للعمل العام الوصول إلى "الجنّة" النيابية، التي لا تزال حكرًا على فئة معينة من القوى السياسية، التي يناسب "الستين" وضعيتها الراهنة.
 
فكل الكلام الذي قيل في ما يمكن أن تكون عليه وضعية لبنان من خلال قانون النسبية، وإن بنسب متواضعة كمرحلة أولى، ذهب أدراج الريح، وقد محاه الكلام المباح، ليعود الحديث مجدًدا إلى المربع الأول، وإلى مندرجات القانون الذي رذله الجميع وصوروه على أنه "بعبع" تبين لاحقًا وبالوقائع أنه المرتجى، وأنه مجرد "بعبع" من ورق.
فهذه الإزدواجية في المقاربات وفي التعاطي بخفة في شأن على جانب كبير من الأهمية قد تكون من بين الثغرات التي يحاول العهد تلافيها، وذلك منعًا لما يمكن أن يستتبعه من هوامش تأثيرية سلبية على إنطلاقته التي يريدها على اسس واضحة وشفافة لا تشوبها شائبة ولا تواكبها دعسات ناقصة، يمكن أن تبدأ صغيرة وتكبر مع مرور الزمن ككرة الثلج.
 
وفي الكواليس السياسية همس لا يلبث أن يتمظهر مواقف واضحة، وخلاصته أن لا إنتخابات نيابية في مواعيدها إن لم يكن "الستين" عنوانها، على أن يكون التبرير لمخارجه أن الظروف غير مؤاتية بعد للسير بقانون النسبية، الذي سيحال باكرًا على التقاعد، وهو لا يزال برعمًا، مع أن المنطق يقول أن العكس هو الصحيح، وأن قانون "الستين" هو الذي يجب أن "يرتاح" ويحال على التقاعد.
 
فالمؤشرات حتى هذه الساعة تشير إلى أن أبن "الستين" هو من سيفوز في سباق المئة متر، في غياب الضوابط وفي غياب رؤية مستقبلية تأخذ في الإعتبار شريحة واسعة من الشباب، التي تجد فرصة سانحة في القانون النسبي لإيصال صوتها إلى البرلمان، كمقدمة ضرورية ولازمة لإصلاح حقيقي في النظام اللبناني عبر المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها السلطة التشريعية.
وعلى رغم الكلام "الإيحائي" بأن هامش الخيارات أصبح ضيقًا، وأنه لم يعد في الميدان سوى حديدان "الستين"، فإن ما يمكن أن يقوم به الحراك المدني، مدعومًا هذه المرّة من بعض القوى السياسية المؤثرة، قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ويعيد بالتالي خلط الأوراق بما يفضي على الأقل إلى إدراج مبدأ النسبية على أجندة البحث عن بدائل مقبولة لقانون "الستين"، الذي يعتبره الجميع تقريبًا، وإن في الظاهر، قانونًا بدائيًا لا يصلح حتى أن يكون مادة للبحث في المنتديات السياسية.
 
اندريه قصاص: لبنان24