15 كانون الثاني 1986. 18 كانون الثاني 2016. ثلاثون عاماً بين الموعدين التاريخيين بالنسبة إلى المسيحيين اللبنانيين. الأول كان موعد الإتفاق الثلاثي برعاية سورية، والثاني هو موعد الإتفاق الثنائي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. والموعد الثاني في ذكراه السنوية الأولى، مرشّح ليصبح إتفاقاً أوسع برعاية حزب الله، بدلاً من النظام السوري، مع بعض الاختلاف في الوقائع والظروف.
انطوى الإتفاق الثلاثي، 1986، على تعديلات دستورية وقانونية في أساس النظام. وكان إيلي حبيقة هو الطرف المسيحي الوحيد فيه. أما ما يشبه الإتفاق اليوم، والذي بدأ بخطوات تقاربية بين مختلف القوى، وآخرها ما يحكى عن تواصل بين القوات وحزب الله، فإن العمل بموجبه يبقى تحت سقف الطائف. وإن تغيّرت الظروف، إلا أن الأهداف تتشابه، والقوى لا تزال هي نفسها، مع تغيّر في أدوارها. فقد حلّ حزب الله، بفعل قوته، بدلاً من النظام السوري، الراعي لكل الإتفاقات. ومثّل ميشال عون وسمير جعجع دور حبيقة. فيما الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لا يزالان في موقعيهما وعلى موقفيهما من المعادلة. بالإضافة إلى حضور تيار المستقبل بشكل أوسع، رغم الضعف الذي يعيشه، وكأنه في وضع المرابطون في تلك الفترة.
منذ موافقة الجميع على معادلة انتخاب عون رئيساً للجمهورية، كرّس حزب الله معادلة في لبنان، بأنه قادر على أخذ الجميع إلى ما يريد. قرأ جعجع موازين القوى، واستبق أي قرار مرّ قد يجبر على تجرّع كأسه، بالمصالحة المسيحية، ودعم ترشيح عون إستباقياً، مرفقاً ذلك بحملة إعلامية ودعائية لإقناع الشارع بتلك الخطوة، وبأنها على طريق تحقيق ما يريده المسيحيون.
في ظل الحديث عن بداية حوار بين حزب الله والقوات، فإن القراءة الواقعية لموازين القوى أيضاً، تفيد بأن الغلبة تميل للحزب. والجميع يريد الحفاظ على علاقة معه أو على الأقل على ربط نزاع، مثلما حاصل الآن بين الطرفين، المتفقين على وقف التصعيد الإعلامي أولاً. أمام هذه التطورات، ثمة من يطرح سؤالاً مفاده: "لماذا رفض المسيحيون الإتفاق الثلاثي، وهم يدخلون اليوم في إتفاق أسوأ منه، أو يشبهه؟".
مع تسجيل الإختلاف في الحالة والظروف، لا بد من الإشارة إلى أن الفارق بين الإتفاق الثلاثي وإتفاق الطائف، هو أن الأول كان محلياً وبرعاية وضغط سوريين، ودفعت قراءة حبيقة لموازين القوى إلى اعتبار أن هذا الإتفاق هو الأفضل في تلك الوضعية، وقدم تنازلات لطالما رفض المسيحيون تقديمها. وفشله الأساسي كان عدم وجود دعم عربي وإقليمي ودولي لهذا الإتفاق. أما الطائف فحظي باجماع ودعم دوليين. لكن المنطق الغالب اليوم، هو النزول من بروج "الثورة" و"الإصلاح" إلى أرض الواقعية. لربما حالة اليأس هي التي تدفع إلى ذلك. وحالة التشابه تكمن في أن الإتفاق الثلاثي كان تحاصصياً بين ثلاثة أفرقاء. والفارق اليوم أن ليس هناك معارضة، بل الأفرقاء كافة انخرطوا في منطق المحاصصة.
لم يستطع حبيقة تسويق رأيه مسيحياً، بعد ما جرى، من صبرا وشاتيلا إلى حرب الجبل. فهو مقاتل في حزب الكتائب اللبنانية، ولم يملك أي شرعية مسيحية تخوله السير في هكذا اتفاق، فانتفضت عليه الشرعية الحزبية المتمثلة حينها برئيس الجمهورية أمين الجميل ووريث حزب الكتائب وسمير جعجع. فشل سجعان قزي في التسويق الداخلي، وكذلك ميشال سماحة بالتسويق الخارجي. أما اليوم وفي ظل اختلاف الأوضاع، صادر عون بشخصه الجبهة اللبنانية، وانضمت القوات إليه، وبما أنهما يحظيان بالشرعية المسيحية، ويعملان على تسويق أي خطوة يقومان بها على أنها لمصلحة المسيحيين وتقويتهم. وبالتالي، يصبح تمرير أي خطوة سياسية يتخذانها أسهل من السابق.
من حيث الشكل، اعترف الجميع بقوة حزب الله، وسلطته، بمعزل عن بعض التمسك بمواقف من هنا ومبادئ من هناك. وبعد سابقة مسار العلاقة بين القوات والتيار الوطني الحر، لم يعد في الإمكان تقدير ما سيؤول إليه مسار العلاقة بين القوات وحزب الله. في حينها اعتبر عون الإتفاق إنه ورقة تفاهم وليس ورقة تحالف، وجعجع اعتبر أن الإتفاق للمصالحة وليس إتفاقاً سياسياً، ليتبين أنه تحالف لا تهزه ريح. هي الواقعية التي تقتضي ذلك. والجميع يريد التقارب مع القوة "العظمى" القادرة على تطويع الجميع، وهي حزب الله، الذي يمتاز بقوة تفوق قوة كل القوى.