مذبحة النورس مستمرّة فوق مكبّ الكوستابرافا وروائحِه الكريهة سياسياً ومالياً و«صفقاتيا»، فيما تطلّ أزمة النفايات من جديد، لتضَع لبنان مجدداً أمام هذه الآفة، وترمي على المواطن اللبناني كلّ الاحتمالات السلبية والخطيرة على الصحة والبيئة، بما يضع مجدداً الدولة أمام التحدي وإعلان حال الاستنفار لمواجهة هذا الخطر جدّياً ولمرّة أخيرة، بما يتطلبه من علاجات جذرية وليس بالمسكّنات. أمّا في السياسة، فعلى رغم دخول البلد في الزمن الانتخابي، يبدو الوسط السياسي العام في حالِ استرخاء، ومنهمكاً في صخبٍ سياسي وإعلامي بعناوين انتخابية بلا ترجمة على أرض الواقع. على أنّ اللافت للانتباه كان ارتفاع نبرة عين التينة بتحذير رئيس مجلس النواب نبيه بري «مِن الشرَّين» أي قانون الستين والتمديد، بالتوازي مع موقف عالي النبرة ينطوي على دلالات كثيرة، أطلقَه «التيار الوطني الحر» واستعجَل إقرارَ قانون جديد وإجراءَ الانتخابات في موعدها، معتبراً أنّ التأخير يعني وقفَ المسار الميثاقي، وملِحّاً بمواجهة هذا التأخير بما له من قوّة سياسية وشعبية.
تبدو رائحة قانون الستّين هي العابقة وحدها في الأوساط السياسية على اختلافها، في ظل ما يتردد عن حراك انتخابي خجول، لا بل غير مرئي، بين بعض الاطراف المعنية، توصّلاً لصيغ انتخابية جديدة تحظى بتوافق الاطراف حولها.

وإذا كان رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط قد حسم موقفه رفضاً لصيغة النسبية، ويستعدّ لجولة «إقناع» للقوى السياسية بموقفه، خصوصاً وأنه يلمس تفهّماً شاملاً لهواجسه من كل الاطراف، فإنّ ايّ خطوة جدّية لم تظهر بعد على السكة الانتخابية تؤشر الى إمكانية الولوج الى صيغة جديدة في المدى المنظور، خصوصاً وأنّ القوى المعنية بالملف الانتخابي ما زالت تسبح في المدار الاعلامي والدعائي لا اكثر، وتدور حول ثوابتها ومسَلماتها.

«التيار الوطني»... سنواجه

في هذا السياق، دعا المجلس السياسي لـ»التيار الوطني الحر» الى «إقرار قانون جديد وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لأنّ التمادي في التأخير يعني وقفَ هذا المسار الميثاقي، وهو ما لن يقبل به «التيار»، وسيواجهه بما له من قوة سياسية وشعبية».

وأكد رفضَه «هذه المماطلة، خصوصاً أنّ القوانين المتداولة التي يدور حولها النقاش أصبحت معروفة ومحصورة، وبالتالي اصبَح لزاماً على الجميع إعطاء الاجوبة والموقف الواضح من الصيَغ المطروحة، إذ لا يمكن ان يقبل «التيار» ان يَمتثل الشعب اللبناني وكلّ التيارات السياسية لرغبة البعض ممّن يريد إجراءَ الانتخابات وفق قانون الستين أو يريد التمديد للمجلس الحالي للمرة الثالثة. إنّ هذا الأمر سيولّد رفضاً وثورة شعبية مبرّرة، و»التيار» سيكون مِن أوّل روّادِها».

الجميّل

وتمنّى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل عبر «الجمهورية» على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استعمالَ صلاحياته الدستورية المنصوص عنها في الفقرة العاشرة من المادة ٥٣ من الدستور، بتوجيه رسالة الى مجلس النواب يضع فيها النوابَ امام مسؤولياتهم بضرورة إقرار قانون جديد للانتخاب قبل حلول موعد المهَل الدستورية للانتخاب.

وكان الجميّل قد ذكّرَ في مؤتمر صحافي أمس بأنّ قوانين الانتخابات كانت تأتي تاريخياً بدفعٍ من رئيس الجمهورية، وقال: «لا أحد يقنِعنا بأنّ صحة تمثيل المسيحيين تتأمّن بتحالفٍ ما، لأنّ التحالفات ظرفية، والأشخاص ليسوا أبديّين».

واعتبَر « أنّ إصلاح الشراكة يبدأ بإقرار قانون جديد للانتخابات»، وقال: «إذا كان الهدف صحة التمثيل وتأمين الشراكة الحقّة فيجب الإتيان بقانون جديد، وكلّ شيء موقّت، أمّا ما يبقى فهو القانون»، معتبراً أنّ الضمانة ليست بالاشخاص إنّما بالمؤسسات والقوانين.

«المستقبل»

وأكدت اوساط تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» أنّه «مع كلّ ما يؤدي الى بَلورة صيغة توافقية بين الاطراف جميعاً، لكي تجري الانتخابات النيابية في مواعيدها.

وأشارت الى انّ موقف «التيار» معلن بكلّ صراحة ووضوح ولا لبسَ فيه، ويترجَم في المشروع المقدّم من كتلة «المستقبل» النيابية مع الحزب التقدمي الاشتراكي، ومع «القوات اللبنانية»، والذي نراه المشروعَ الملائم الذي يجب ان تجري الانتخابات على اساسه، علماً أنّ خطوط التواصل على هذا الصعيد لم تتوقّف، بل هي مفتوحة مع الجميع».

حوار «الحزب» ـ «المستقبل»

وكان الملف الانتخابي محلّ بحثٍ في جلسة الحوار الـ 39 التي عقِدت مساء امس بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بحضور: المعاون السياسي للامين العام للحزب حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كذلك حضر وزير المال علي حسن خليل.

وأعلن المجتمعون في بيان بعد الجلسة أنّهم ناقشوا»ضرورة الإسراع بإقرار قانون جديد للانتخابات يلبّي طموحات اللبنانيين. كما جرى عرض لنتائج الاتصالات والمشاريع المطروحة، واتّفق المجتمعون على تكثيف التواصل خلال الايام المقبلة لتذليل العقبات».

خليل

وقال خليل لـ«الجمهورية»: «إنّ نقاشات جلسة الحوار كانت هادئة جداً وكان هناك إصرار من الاطراف المشاركة على ضرورة بذلِ جهدٍ استثنائي من اجل الوصول الى قانون انتخابي جديد منسجم مع العهد الجديد».

وفي إشارة الى الموازنة، قال: «للمرّة الأولى نشعر بأنّ هناك نوعاً من الجدّية في نيّة إقرار الموازنة داخل مجلس الوزراء وإحالتها الى مجلس النواب لإقرارها، وهذا نتيجة أجواء التوافق القائم. والتوجّه هو لموازنة متواضعة في الإنفاق وجدّية في إرساء قواعد المعالجة للوضع المالي».

برّي .. حذارِ

وكانت أجواء عين التينة قد عكسَت مزيداً من التصلب في موقف بري «اعتراضاً على قانون الستين، ومِن الإصرار على ضرورة الولوج الى قانون انتخابي جديد يُحدث صدمة إيجابية في الواقع الداخلي، ويَرسم الطريق نحو استقرار داخلي نتمنّى ان يكون طويل الأمد لا بل دائماً، وليس استقراراً هشّاً قابلاً للاهتزاز عند ايّ محطة، كما تشهد على ذلك تجارب السنوات الماضية».

ولذلك، وبحسب هذه الاجواء، فإنّ بري يؤكد مجدداً «أنّ هناك سبيلاً وحيداً للإنقاذ الداخلي، يبدأ وينتهي عند ذهابنا واحتكامنا الى الدستور، فالدستور يحدّد خريطة الخلاص. تحدّث عن إنشاء مجلس للشيوخ وعن مجلس نيابي على اساس وطني، فأقرب الطرق الى ذلك هي الالتزام بالدستور لا اكثر ولا أقلّ».

وتعكس أجواء عين التينة ايضاً ملاحظة بري بــ»أنّ هناك من يحاول ان يضع اللبنانيين امام الحائط مخيّراً إياهم بين شرَّين، وكلاهما شر مطلق، اي قانون الستين والتمديد لمجلس النواب الذي اخرجَه بري من التداول ويَرفض حتى مجرّد الإتيان على ذكره، إذ إنّ التمديد قد حصل مرّة، ولكنّه لن يحصل مرة ثانية على الإطلاق».

وبحسب هذه الأجواء، فإنّ بري «يعتقد أنّ طريق إنتاج قانون جديد ما زال مفتوحاً وثمّة إمكانية لبلوغ هذا الهدف، والمطلوب من كلّ الاطراف وضعُ الصيغة التي تلائم استقرار البلد والأجيال المقبلة، وثمّة فرصة متاحة يمكن ان تتعزّز إذا ما تمّت الاستفادة من الرغبة التي عبّر عنها في إنتاج قانون جديد».

وفي هذا السياق، قال بري امام زوّاره «إنّ محاولة الإبقاء على قانون الستين تؤثر سلباً على البلد، ويتضرّر منها الجميع وفي مقدّمهم عهد الرئيس ميشال عون، مشيراً إلى انه ما زال ينتظر ما سيؤول اليه الحال في هذا الملف، ربطاً بحركة الاتصالات حوله. وردّاً على سؤال، قال بري: «إذا كان الستّين سيئاً، وهو كذلك، فإنّ التمديد للمجلس هو الأسوأ، وبالتالي لا يفكرَنّ أحد في طرح هذه المسألة معي».

وحول ما يتردّد حول عمليات تجميلية يخضع لها قانون الستين، قال: «كلّ ما يُحكى عن نقلِ مقاعد من هنا وهناك أو محاولات تجميل لن أمشيَ فيه على الإطلاق، ففي ذلك ضرب للمؤسسات ولبنان في آنٍ معا».

الحريري يتحدّث مساءً

على صعيد آخر، يتحدّث الحريري مساء اليوم في حفلِ العشاء الذي يقيمه في السراي الحكومي على شرف رئيس وأعضاء مجلس أمناء وإدارة الجامعة الأميركية في بيروت لإطلاق حملة «بكلّ جرأة: سعياً إلى الريادة والابتكار والخدمة».

وعلمت «الجمهورية» أنّ الحريري سيحدّد نظرته الى الوضع التربوي والمستوى الجامعي تحديداً في لبنان، ويتحدث عن رؤيته ومفهومه لتشجيع مشاريع الريادة والابتكار والخدمة ومفاهيمها التربوية والاجتماعية والاقتصادية ودور الجامعة الأميركية والجامعات الأخرى في هذا الاتجاه.

كذلك سيتحدّث عن تطورات المنطقة وسيشدّد على مبدأ مواجهة الجهل والسعي الى التطور واكتساب العلم في هذه المرحلة بالذات لتجاوزِ التحديات التي تواجه لبنان واللبنانيين.

وسيشدّد الحريري ايضاً على مواجهة التطرّف الديني الذي يعيق التقدّم، وسيدعو إلى الحوار والاعتدال في مواجهة الساعين الى تزكية التعصّب والتزمّت الديني، رافضاً لبعض المفاهيم السائدة التي لا تمتّ إلى الأديان السماوية جميعها بصِلة.

وفي جانب من كلمته سيتناول الحريري التطورات التي رافقت الجولة الرئاسية الخارجية وما حققته من انفتاح لا بدّ منه لتعزيز علاقات لبنان مع هذه الدول، وسيجدّد الدعوة الى وقفِ التدخّل في شؤونها الداخلية حمايةً لمصلحة لبنان قبل ايّ مصلحة أخرى.

الاتّحاد الاوروبي

وفي المواقف، رحّب الاتحاد الأوروبي بالتطورات الإيجابية الأخيرة في لبنان، ودعا «إلى إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها هذه السنة وضمان عملية سلِسة وشفّافة، تمسّكاً بالتقليد الديموقراطي العريق للبنان». وأبدى استعداده لتقديم الدعم لهذه العملية. كذلك رحّب «بعزمِ الأطراف السياسية اللبنانية كلها على متابعة العمل بالروحية البنّاءة نفسِها وفي جوّ من الوحدة الوطنية».

وفي مسألة اللاجئين السوريين أعاد الاتحاد احترامَه بكامل التزاماته التي قطعها في مؤتمر لندن في شباط 2016، واعلنَ انه «يتطلع إلى متابعة تعاونِه مع الحكومة الجديدة لضمان تقدّمِ العمل في تحسين أوضاع اللاجئين وحقوقهم وحمايتهم، وكذلك المجتمعات المضيفة المعوزة، ودعا الشركاء الإقليميين والأسرة الدولية إلى تعزيز دعمِها للسلطات اللبنانية الجديدة».

الأمم المتّحدة

على صعيد متصل، أبلغَت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة سيغريد كاغ رئيسَي الجمهورية والحكومة دعمَ الامم المتحدة للبنان، والحفاظ على امنه واستقراره» ولفتَ الرئيس عون كاغ الى انّ الدعم الدولي للبنان يتزامن مع الجهود التي تبذلها الدولة اللبنانية لتعزيز الأمن والاستقرار في البلاد وإطلاق خطة نهوض شاملة بعد انتظام العمل في المؤسسات الدستورية إثر انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة ونَيلها الثقة.

أمّا الرئيس الحريري فأثار مسألةَ اللاجئين السوريين في لبنان، وقال: «نحن ننظر إلى المنظمات التابعة للأمم المتحدة كشريك أساسي لنا في تحمّلِ هذه الأعباء، ونعتمد عليها من أجل التمكّن من مواجهة هذه التحديات. والمطلوب كخطوة أولى، أن يكون لدينا مسحٌ شامل لتواجدِ اللاجئين السوريين وأثرِهم على الاقتصاد اللبناني الفعلي من مختلف الجهات؛ المالية والخدماتية والبنى التحتية.

درباس لـ«الجمهورية»

إلى ذلك، ذكّر الوزير السابق للشؤون الاجتماعية رشيد درباس بأنّ الحكومة اللبنانية أقرّت سياسة عامة تجاه اللجوء السوري نهاية عام 2014 ويجري تنفيذها بدقّة منذ 5/1/2015.

وقال لـ«الجمهورية»: لقد أنشأتُ برنامجاً لرصد التحركات السكانية الطارئة، والقصد من هذا ان تكون للدولة اللبنانية قاعدة بياناتها الخاصة المستقلة عن قاعدة بيانات المنظمة الدولية. وهذا البرنامج يستهدف ايضاً دراسةَ الأثر الذي يتركه اللجوء على الدولة اللبنانية والمجتمعات المضيفة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ولقد كانت هناك مفاوضات مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتمويل هذا البرنامج ولكنّها توقّفت مع اعتبار الحكومة مستقيلة، وأتمنى ان تستأنف هذه المفاوضات من أجل إنجاز هذا البرنامج، علماً أنّ عدداً كبيراً من المتعاقدين تمّ تدريبهم للقيام بمهامّهم على أحسن وجه»