بحضور أكثر من سبعين دولة ومنظمة عقد في باريس مؤتمر السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وأعلن المؤتمر تمسكه بحل الدولتين في محاولة جديدة للمجتمع الدولي لفرض واقع جديد على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قبل أيام من تسلم الإدارة الاميركية الجديد.
أكدت الدول المشاركة في المؤتمر أن المجتمع الدولي لا يزال متمسكاً بحل الدولتين، ولن يعترف بأي قرارات احادية الجانب تتعلق بمسائل الحدود والقدس.
وفي مقابل الترحيب الفلسطيني بالبيان الختامي للمؤتمر الذي خرج بتأكيد ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي حسب بيان صادر عن منظمة التحرير الفلسطينية، اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن هذا المؤتمر الدولي وقرارات الامم المتحدة تبعد فرص السلام.
البيان الختامي للمؤتمر حثّ الفلسطينيين والإسرائيليين على "إظهار الالتزام بحل الدولتين والامتناع عن أية خطوات أحادية الجانب تستبق نتيجة المفاوضات، خصوصا بشأن الحدود والقدس واللاجئين". إلا أن بريطانيا أعربت عن "تحفظاتها" ورفضت التوقيع على البيان الختامي.ورحبت منظمة التحرير الفلسطينية بالبيان، في حين اعتبرت إسرائيل أنه "يبعد فرص السلام".
وأكد البيان أنه في حال اتخذت خطوات من هذا النوع فإن المشاركين في المؤتمر "لن يعترفوا بها".
ويتزامن عقد مؤتمر باريس مع وصول حل الدولتين إلى المأزق بسبب تكثيف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أنه ينعقد قبل خمسة أيام من تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سلطاته، وهو الذي كان قد أدلى خلال حملته الانتخابية بتصريحات مؤيدة تماما لإسرائيل.
وتجنب البيان الختامي الإشارة إلى كلام ترامب عن عزمه على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلا أنه تضمن "رسالة ضمنية إلى إدارة ترامب" حسب دبلوماسي فرنسي.
وفي حال اتخذ ترامب قرار نقل السفارة إلى القدس يكون قد تخلى عن موقف تاريخي للولايات المتحدة بهذا الشأن، كما يكون قد اتخذ موقفا يتعارض بشكل كامل مع قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد أن الأراضي الفلسطينية ومن بينها القدس الشرقية هي أراض محتلة.
وذهب وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت إلى أبعد من البيان الختامي عندما قال في مؤتمر صحافي في ختام المؤتمر إن نقل السفارة إلى القدس سيكون "استفزازا".
وقال إيرولت لدى اختتام أعمال المؤتمر في إشارة إلى القرارات الدولية التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة منذ حرب العام 1967 "من المفيد التذكير بالأساس، والأساس هو حدود العام 1967 وقرارات الأمم المتحدة الأساسية".
من جهته أشاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالبيان الختامي الذي وصفه بـ"المتوازن".
إلا أنه أوضح أيضا في تصريح صحافي أن الدبلوماسيين الأمريكيين أصروا على تضمين البيان لغة قوية تدين التحريض والهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين.
وأضاف "لقد أتينا إلى هنا وقاومنا من أجل تعديل ما اعتقدنا أنه غير متوازن أو أنه لا يعبر عن نوع من الاتحاد الذي تحدثت عنه".
وتابع "لم نخفف منه (البيان). فعلنا ما هو ضروري لكي يكون متوازنا. وإذا نظرت إليه فإنه يتحدث إلى الجانبين بطرق إيجابية وليست سلبية".
وأكد كيري أنه تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال اجتماع باريس لطمأنته.
إلا أن بريطانيا أعربت عن "تحفظاتها" ورفضت التوقيع على البيان الختامي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن بريطانيا كانت لها "تحفظات معينة" حول عقد المؤتمر في غياب ممثلين فلسطينيين وإسرائيليين "قبل أيام من تنصيب رئيس أمريكي جديد"، وبالتالي فإن بريطانيا شاركت في المؤتمر بصفة مراقب فقط.
من جهتها رحبت منظمة التحرير الفلسطينية بالبيان الختامي لمؤتمر باريس "الذي أكد ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي"، بحسب ما صرح أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة صائب عريقات.
ودعا عريقات المؤتمر الذي استضافته فرنسا إلى "الاعتراف الفوري بدولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
هولاند وهدف الدولتين
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أكد في كلمته أمام المؤتمر أن حل الدولتين "ليس حلما ويبقى هدف المجتمع الدولي".
وقال هولاند "إن حل الدولتين ليس حلم نظام مر عليه الزمن. إنه لا يزال هدف المجموعة الدولية".
وأضاف هولاند في رد مباشر على انتقادات إسرائيل لعقد هذا المؤتمر "من غير الوارد فرض معايير التسوية على الطرفين (...) وحدها المفاوضات المباشرة يمكن أن توصل إلى السلام، ولا يمكن لأحد أن يقوم بذلك مكانهما".
وقبل هولاند حذر وزير خارجيته إيرولت من تنفيذ ما قاله ترامب حول نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
وقال إيرولت في تصريح للقناة الفرنسية الثالثة إن "أي رئيس أمريكي لم يسمح لنفسه باتخاذ قرار كهذا"، مضيفا "ستكون لذلك عواقب خطيرة (...) حين يكون المرء رئيسا للولايات المتحدة لا يمكن أن يكون موقفه حاسما وأحاديا إلى هذا الحد بالنسبة إلى قضية مماثلة، يجب السعي إلى تأمين شروط السلام".
وتعكس هذه التصريحات قلق المجتمع الدولي حيال إستراتيجية ترامب حول الملف الفلسطيني الإسرائيلي.
وتميز ترامب باتخاذ قرارات منحازة جدا للدولة العبرية خصوصا بشأن القدس. ويشكل موقفه من نقل السفارة الى القدس، خطا أحمر لدى الفلسطينيين الذين يهددون بالتراجع عن اعترافهم بإسرائيل في حال حدث ذلك.
ويندرج مؤتمر باريس في إطار مبادرة فرنسية أطلقت قبل عام لتعبئة الأسرة الدولية من جديد وحض الفلسطينيين والإسرائيليين على استئناف المفاوضات المتوقفة منذ سنتين.
ويرتدي هذا الاجتماع أهمية مع تراجع فرص حل الدولتين بسبب الوضع على الأرض الذي يشهد استمرارا للاستيطان الإسرائيلي وهجمات فلسطينية وتشددا في الخطاب وتزايد الشعور بالإحباط.
وجدد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأحد انتقاده لمؤتمر باريس للسلام ووصفه بأنه "عبثي".
وقال نتانياهو في مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته في القدس "المؤتمر الذي يعقد اليوم في باريس هو مؤتمر عبثي تم تنسيقه بين الفرنسيين والفلسطينيين بهدف فرض شروط على إسرائيل لا تتناسب مع حاجاتنا الوطنية".
وأضاف "هذا المؤتمر يبعد السلام أكثر عنا لأنه يجعل المواقف الفلسطينية أكثر تشددا ويبعد الفلسطينيين أكثر عن إجراء مفاوضات مباشرة بدون شروط مسبقة".
واجتماع باريس هو المحطة الأخيرة في سلسلة من المبادرات حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي التي كان أهمها القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في 23 كانون الأول/ديسمبر 2016.
فقبل شهر من مغادرتها السلطة، امتنعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن التصويت على قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي، للمرة الأولى منذ 1979. أثار هذا الموقف غضب ترامب الذي كان دعا واشنطن إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد النص.
وبعد أيام، ألقى وزير الخارجية الأمريكي، خطابا أقرب إلى شهادة سياسية، أدان فيه الاستيطان وعدد مبادىء حل للنزاع.
وفيما يلي نص البيان:
1- التقى المشاركون في باريس يوم 15-1-2017 ليؤكدوا دعمهم لحل عادل ودائم وشامل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. واكدوا ان حلا تفاوضيا لدولتين هما اسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا الى جنب بسلام وامن هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام الدائم.
واكدوا على أهمية أن يعيد الطرفان التزامها بهذا الحل لأخذ خطوات عاجلة من اجل عكس الواقع السلبي على الارض بما في ذلك استمرار اعمال العنف والنشاط الاستيطاني للبدء بمفاوضات مباشرة وهادفة.
واكدوا على ان حل الدولتين التفاوضي يجب ان يلبي طموحات الطرفين بما فيها حق الفلسطينيين بالدولة والسيادة وانهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 بشكل كامل، وتلبية احتياجات اسرائيل للأمن، وحل جميع قضايا الحل النهائي على اساس قرار مجلس الامن 242 لعام 1967، وقرار 338 لعام 1973 وقرارات مجلس الأمن الاخرى ذات العلاقة.
وشددوا على اهمية مبادرة السلام العربية لعام 2002 كاطار شامل لحل الصراع العربي الاسرائيلي وعليه المساهمة في تحقيق السلام والامن في المنطقة.
ورحبوا بالجهود الدولية للمضي قدما بالسلام في الشرق الاوسط بما في ذلك تبني قرار مجلس الامن رقم 2334 يوم 23-12-2016، الذي يدين بوضوح النشاط الاستيطاني والتحريض وكافة اعمال العنف والارهاب، ويدعو الطرفين لأخذ خطوات للتقدم بحل الدولتين على الارض، وتوصيات اللجنة الرباعية 1-7-2016، ومبادئ وزير الخارجية الأميركي لحل الدولتين يوم 28-12-2016.
واشاروا إلى أهمية معالجة الوضع الانساني والامني الخطير في قطاع غزة، ودعوا إلى اتخاذ خطوات سريعة لتحسين الوضع في القطاع.
واكدوا على أهمية التزام الاسرائيليين والفلسطينيين بالقانون الدولي، والقانون الدولي الانساني، وقانون حقوق الانسان.
2- اكدوا على امكانية تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للطرفين، الذي يمكن تحقيقه من خلال اتفاقية السلام، وعبروا عن جاهزيتهم لبذل الجهود اللازمة من اجل تحقيق حل الدولتين والمساهمة بشكل كبير في الترتيبات الضرورية لاستدامة مفاوضات اتفاقية السلام وتحديدا في مجالات الحوافز السياسية والاقتصادية وتعزيز قدرات الدولة الفلسطينية وحوار المجتمع المدني الذي يمكن ان يشمل اضافة الى اشياء اخرى، ما يلي:
- مشاركة اوروبية متخصصة ورفيعة المستوى، وحوافز سياسية واقتصادية، ومشاركة أوسع في الاستثمار في القطاع الخاص، ودعم مزيد من الجهود من قبل الاطراف لتحسين التعاون الاقتصادي والاستمرار بالدعم المالي للسلطة الفلسطينية لبناء البنية التحتية لاقتصاد فلسطيني قابل للحياة.
- دعم وتعزيز الخطوات الفلسطينية لممارسة مسؤوليات الدولة من خلال تعزيز مسؤولياتها وقدراتها المؤسسية بما في ذلك تقديم الخدمات.
- جَمع منتديات المجتمع المدني الاسرائيلية والفلسطينية من اجل تعزيز الحوار بين الاطراف واعادة احياء الرأي العام وتعزيز دور المجتمع المدني لدى الجانبين.
3- بالتطلع إلى المستقبل، المشاركون:
- يدعون الجانبين إلى تأكيد التزامهم بحل الدولتين من خلال النأي بأنفسهم عن الاصوات الرافضة لهذا الحل.
- يدعون كل من الجانبين إلى إبداء التزام حقيقي بحل الدولتين من خلال السياسات والأفعال والامتناع عن أية خطوات احادية الجانب تقوض نتائج المفاوضات على قضايا الحل النهائي بما فيها القدس والحدود والأمن واللاجئين...
- يرحبون بأفق التعاون بين الرباعية الدولية وأعضاء الجامعة العربية واي طرف ذي علاقة لدفع اهداف هذا الاعلان إلى الامام.
متابعة لهذا المؤتمر، الاطراف المشاركون يعبرون عن استعدادهم لمتابعة التقدم واللقاء مرة أخرى قبل نهاية هذا العام لدعم الجانبين في المضي قدما بحل الدولتين من خلال المفاوضات.
وستُعلم فرنسا كافة الاطراف عن دعم المجتمع الدولي الجماعي والمساهمة الملموسة لحل الدولتين المحتواة في هذا التصريح المشترك.