الظاهر على السطح حركة سياسية ونيابية، خصوصاً مع انطلاق التشريع الأربعاء والخميس المقبلين، ولكن تحت هذا السطح تساؤلات حول نتائج هذه الحركة التي ميّزت انطلاقة العهد والحكومة، تستند إلى الملفات التي فتِحت أو واجهتهما منذ وصولهما نتيجة عقبات عدة، منها: التشكيك في مرسومَي النفط، الخلاف بين مكوّنات الحكومة حول مناقصة الميكانيك، عودة ملف النفايات من باب طيور «النورس»، في ضوء معلومات عن محاولةٍ لنقلِ مطمر الكوستابرافا إلى مكان آخر، ما يثير الشبهات عن وجود صفقات جديدة. وإلى كلّ هذا، كانت التحذيرات التي وجّهتها دول أوروبية وعربية للبنان في شأن سلامة الطيران المدني، فضلاً عن ملفّ اللاجئين السوريين الذي بدا تصرّفُ الحكومة إزاءَه وكأنّها تنطلق من الصفر، غيرَ آخذةٍ بالدراسات والتحضيرات التي أعدّتها الحكومة السابقة، علماً أنّ المطروح اليوم ليس الحدّ من تدفّقِهم إلى لبنان، بل إعادتهم إلى سوريا. وكان اللافت في خضمّ هذه التطورات بروزُ تناقض بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزارة الخارجية حيال «مؤتمر الشرق الأوسط في باريس»، فرحّب الأوّل بالبيان الختامي لهذا المؤتمر، فيما اعترضت الثانية عليه. إلّا أنّ كلّ هذه الملفات ستفرض على الحريري المبادرة إلى لملمتها لئلّا تظهر تداعياتها في جلسة مجلس الوزراء المقبلة.
في إحياءٍ لحدثٍ سنوي غابَ لأكثر من عامين عن قصر بعبدا بسبب الشغور الرئاسي، استُكملت الاستعدادات للّقاء السنوي التقليدي غداً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع أعضاء السلك الديبلوماسي العرب والاجانب المعتمدين في لبنان.

ومن المقرر ان يلقي السفير البابوي غابريال كاتشيا كلمة السلك مهنئاً لبنان بانتخاب رئيس الجمهورية ومتمنّياً للّبنانيين عاماً سعيداً مليئاً بالإنجازات بعد اكتمال عقدِ المؤسسات الدستورية. وسيردّ عون بكلمةٍ وصِفت بأنّها «مهمّة وشاملة» يتناول فيها التطورات من زوايا عدة.

وعلمَت «الجمهورية» انّ الخطاب سيتناول في الفصل الأول منه التطورات الداخلية التي اعقبَت الاستحقاقَ الرئاسي مقارباً لعدد من الملفات الحيوية المطروحة للبحث على كلّ المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والوطنية، وسيركّز على أهمية إنجاز الاستحقاق الانتخابي النيابي الذي يشكّل رسالة لبنان الديموقراطية في تداولِ السلطة على اساس من المساواة بين اللبنانيين، كذلك بالنسبة الى حِرص العهد على مقاربة ملفات الإدراة من جوانبها المختلفة ومكافحة مظاهر الفساد، بالإضافة الى ملفات البيئة والأمن واستخراج الثروة النفطية الوطنية.

وسيتناول عون ايضاً الشؤون الإقليمية والدولية، ويؤكّد مجدداً الثوابتَ اللبنانية منها، بدءاً من الأزمة السورية وضرورة التوصّل الى الحلول السياسية التي تحفظ وحدة الأراضي السورية ومواجهة قضايا النازحين وانعكاساتها على لبنان ودول الجوار، مكرراً المطالبة بمساعدة لبنان على التخفيف من الترددات السلبية للأزمة وحجمها الملقى عليه في مختلف وجوه الحياة اللبنانية، المالية والاقتصادية والأمنية والتربوية والصحّية والاجتماعية.

كذلك سيتناول رئيس الجمهورية عناوين السياسة الخارجية المعتمدة بخطوطها العريضة وعلاقات لبنان مع الدول العربية والغربية والمؤسسات الدولية، ويتوقف امام بعض المحطات والقضايا الدولية الكبرى، محدّداً موقفَ لبنان منها.

السعودية تنتظر 4 مؤشّرات

وفي هذه الأجواء، علمت «الجمهورية» أنّ المملكة العربية السعودية تنتظر اربعة مؤشّرات لتحديد مصير إعادة مساعداتها العسكرية وغيرها الى لبنان، إذ بعد «جوجلة» كلّ ما رافق الزيارة الرئاسية وأعقبَها، تبيّن انّ المملكة أبدت امام رئيس الجمهورية استعداداً جدّياً لتنشيط علاقاتها مع لبنان على كلّ الأصعدة، إلّا أنّها تتريّث ريثما تتأكّد من «استقلالية العهد»، فلا يحاول أطراف لبنانيون وضعَ اليدِ على مساره الذي يبشّر حتى الآن بإيجابيات، خصوصاً أنّ الاتصال المباشر بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وبين الرئيس عون «كان جيّداً».

أمّا المؤشرات التي تنتظرها الرياض قبل ترجمة نيّاتها حيال لبنان فهي:

1ـ سلوك إيران و«حزب الله» في الأشهر المقبلة على الساحة اللبنانية، خصوصاً أنّ مفاوضات التسوية في سوريا بدأت في موازاة استمرار الحرب فيها.

2ـ إجراء الانتخابات النيابية في لبنان لكي تعرف السعودية ما إذا كان الحريري سيبقى رئيساً للحكومة، أم أنّ ترؤسَه لها حالياً هو مرحلي. وقد جاء لتأمين انتخاب عون.

3ـ إستطلاع مصير قيادة الجيش اللبناني بعد تسريب أخبار غير مؤكدة عن تغيير معيّن، علماً أنّ الإنجازات التي حقّقتها المؤسسة العسكرية اخيراً بقيادة العماد جان قهوجي تفرض تثبيتَ القيادة لا المسّ بها قبل انتهاء ولايتها.

4ـ مصير حاكميّة مصرف لبنان، حيث إنّ الهبات السعودية السابقة او المقبلة تتمّ من خلال مصرف لبنان المركزي الذي تربط المملكة بحاكمه رياض سلامة علاقات ثقة. غير أنّ المسؤولين السعوديين تلقّوا معلومات الاسبوع الماضي من رئيس الحكومة مفادُها أنّ سلامة باقٍ حرصاً على سلامةِ النقد اللبناني.

برّي

إنتخابياً، يُنتظر ان تنشط الاتصالات في الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات في ايار المقبل، في محاولةٍ للتوافق على قانون انتخابي جديد، علماً انّ المؤشرات تدلّ الى انّ البعض يعمل لفرض قانون الستّين أمراً واقعاً.

وفي هذا السياق قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره امس: «المسألة ليست اكثرية تؤيّد هذا الطرح أو ذاك، وإنّما هي وجوب تطبيق الدستور، والدستور واضح. هناك مجلس شيوخ ومجلس نيابي على اساس وطني لا طائفي، فليطبّقوا الدستور لا أكثر ولا أقلّ».
وعن الاقتراحات الانتخابية المطروحة للدرس، قال بري: «لا يوجد ايّ نقاش حول ايّ صيغة اكثرية».

وعن مشاريع القوانين المختلطة والتأهيل، قال بري: «الآن لم يعُد يجري النقاش، ويبدو «الشغل» على الستّين وفرضِه أمراً واقعا».
وعن سُبل تحرّكِ رئيس الجمهورية لمواجهة المحاولات لعدم الوصول الى قانون انتخابي جديد، قال بري: «صار معلوماً أنّني والرئيس متّفقان قبل الرئاسة وبَعدها. ولكنّ المشكلة ليست هنا، بل في مكان آخر، عند الذين ينضجون طبخة (قانون) الستين».

وأكّد بري أنه ما زال «متفهّماً جداً» لهواجس النائب وليد جنبلاط، وقال: «كان هناك تواصل، ولم ينقطع الأمل، ولكن عندما تدخّلَ المزايدون دفعوا جنبلاط الى قول ما قاله».

وأكد أنّ التمديد لمجلس النواب مجدداً ليس وارداً يوماً واحداً، وليكن هذا معلوماً للجميع ولمرّة أخيرة».

وتمنّى بري «أن تنطلق الورشة التشريعية للمجلس بفعالية كبيرة». وأملَ في «إقرار الموازنة العامة للدولة في وقتٍ قريب»، وقال: «وزير المال رَفع مشروع الموازنة الى مجلس الوزراء، ونتمنّى ان يُصار الى إقرارها سريعاً وإحالتها الى مجلس النواب للبتّ بها»، مشيراً إلى «أنّها تنطوي على قضايا مهمّة، ولعلّ الأبرز فيها هو سلسلة الرتب والرواتب التي تلحَظ هذه الموازنة إيراداتها».

شهيّب لـ«الجمهورية»

في هذا الوقت، يستعدّ وفد من «اللقاء الديموقراطي»، يضمّ النواب غازي العريضي وأكرم شهيّب ووائل أبو فاعور وهنري حلو، للانطلاق في جولةٍ شرَح أهدافَها شهيّب لـ«الجمهورية» قائلاً: «إنّ الهدف هو إبراز رأينا الكامل والواضح في موضوع قانون الانتخاب النيابي بالتأكيد على أساس النظام الاكثري، كون أنّ القانون على أساس النظام النسبي له مستلزمات ومقوّمات غير متوافرة في لبنان».

وأضاف: «إنّ «اللقاء» ينتظر تحديدَ المواعيد للقيام بالجولة التي ستَشمل فخامة رئيس الجمهورية ودولةَ رئيس مجلس النواب ودولة رئيس الحكومة والكتلَ النيابية الأساسية».

الراعي

مِن جهته، انتقد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المماطلة في الاتفاق على قانون انتخاب جديد، فرَبط في أول عظةٍ له بهذه النبرة، بين «الفساد والسرقة وعدم الاتفاق على القانون»، فقال: «نحتاج إلى تغيير في الذهنيات، وعندما يتأمّن هذا التغيير يمكن القضاء على الفساد المستشري في المؤسسات العامة، وضبط أموال الدولة ومالها العام وحمايتها من الهدر والسلب».

وأشار إلى أنه «يمكن عندئذ الاتفاق على سَنّ قانون جديد للانتخابات، يكون على قياس لبنان والشعب اللبناني، لا على قياس أفراد وفئات، وهي محاولة ترجع الى سنة 2005، ولم يظهر هذا القانون، لأنّ كلّ واحد يريده على قياسه.

فإذا كان القانون على قياس لبنان والشعب اللبناني، حينئذ يضمن التجدّد في النخَب النيابية، ويعطي قيمةً لصوت الناخب، الذي يبقى له حق المساءلة والمحاسبة تجاه الشخص الذي انتدبَه ليمثّله تحت القبة البرلمانية، وفقاً للدستور».

مصادر كنَسية

وأكّدت مصادر كنَسية لـ«الجمهوريّة» أنّ موقف الراعي واضح، فهو لا يريد العودة الى قانون «الستين» وهو ضدّه لأنه لا يؤمّن صحّة التمثيل، فمِن جهة يسبّب غبناً للمسيحيين، ومن جهة أخرى يلغي فئات كثيرة، سواء كانت شبابية أو من المجتمع المدني، ويمنعها من ان تتمثّلَ في المجلس النيابي وتحدثَ التغيير».

وشدّدت المصادر على أنّ «موقف الراعي والكنيسة مبدئي، فمسار الأمور يدلّ على «أنّ قانون «الستّين» بات أمراً واقعاً برضى غالبية السياسيين حتى لو اعترَض البعض، لذلك فإنّ الطبقة السياسية تعيد إنتاجَ ذاتها وتمدّد لنفسِها لأنّ العودة الى ذاك القانون هي تمديد مقنّع».

«الكتائب»

ورأى مصدر مسؤول في حزب الكتائب «أنّ التطورات الخاصة بقانون الانتخاب ومراسيم النفط وأزمة مكبّ «الكوستابرافا» والطيور التي تهدّد الطيران المدني وملفّات الفساد في مختلف الإدارات، تُثبت صوابيةَ خيارِ المعارضة، الذي اتّخذه الحزب».

وقال لـ«الجمهورية»: «على الرغم من الحرب النفسية والإعلامية التي تشَنّ علينا لتشويه صورتِنا وترهيبِنا سياسياً، فإنّنا سنستمرّ في المعارضة وفقاً للأصول السياسية والبرلمانية لإنقاذ الديموقراطية المهدّدة بالصفقات وتقاسُم الحصص».

وشدّد المصدر نفسُه «على انّ الكتائب لم تكن يوماً ضد التفاهمات الوطنية التي ترسّخ الاستقرار وتثبتُ التعدّدية وتحمي التنوّع السياسي والفكري والثقافي، ولكنّها تحرص في الوقت ذاته على التمييز بين التفاهمات الوطنية الضرورية لإعادة بناء الدولة وإنتاج السلطة على أسُس صحيحة وبين المحاصصات السلطوية التي تقضي على ما تبَقّى من ميزات لبنان وأسس الدولة ومؤسساتها».

«الحزب»

وإلى ذلك، جدّد «حزب الله» تمسّكَه بالنسبية الكاملة مع الدائرة الواحدة التي اعتبرَها رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد بأنّها الصيغة التي تحقّق العدالة والفاعلية في التمثيل النيابي.

ورأى عضو «الكتلة» النائب علي فياض أنه «إذا أعيدَ إنتاج قانون الستّين ووضِعت العوائق والذرائع أمام اعتماد النظام الانتخابي النسبي، فإنّنا نتوقع أن نكون أمام كآبةٍ أو إحباطٍ جامع عابر للطوائف».

بدوره، اعتبَر عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق أنّ الذي يعترض مسار انطلاقة العهد الجديد، هو قانون الستّين الذي ما زال حيّاً يرزَق، واعتمادُه مجدّداً هو أقصر الطرقِ للحكم على تجربة الحكومة الجديدة بالفشل».