أكدت أكثر من سبعين دولة ومنظمة شاركت في مؤتمر باريس حول النزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ان المجتمع الدولي لا يزال متمسكاً بحل الدولتين، ولن يعترف بأي قرارات احادية الجانب تتعلق بمسائل الحدود والقدس.

ومقابل الترحيب الفلسطيني بالبيان الختامي للمؤتمر الذي خرج بتأكيد «ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي» حسب بيان صادر عن منظمة التحرير الفلسطينية، اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن «هذا المؤتمر الدولي وقرارات الامم المتحدة تبعد فرص السلام».

وكان المؤتمر مناسبة لكل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الفرنسي جان مارك آيرولت عبّرا فيه عن انتقادهما لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وذلك حسبما كان تقدم من وعود انتخابية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي سوف ينتقل إلى البيت الأبيض خلال أيام. 

ففي البيان الختامي للمؤتمر الذي نوقش بدقة فائقة، حث المشاركون في المؤتمر الفلسطينيين والاسرائيليين على «اظهار الالتزام بحل الدولتين والامتناع عن اية خطوات احادية الجانب تستبق نتيجة المفاوضات خصوصا بشأن الحدود والقدس واللاجئين».

وأكد البيان انه في حال اتخذت خطوات من هذا النوع فإن المشاركين في المؤتمر «لن يعترفوا بها». وقال البيان إن الأطراف المعنية ستلتقي من جديد قبل نهاية العام.

ورحّب الرئيس الفلسطيني محمود عباس ببيان مؤتمر باريس قائلاً انه «أكد وثبت جميع المرجعيات الدولية وبما فيها مبادئ وركائز القانون الدولي، ورفضه لجميع الإملاءات والاستيطان وفرض الوقائع على الارض وبما فيها في القدس»

ورحبت منظمة التحرير الفلسطينية بالبيان الختامي لمؤتمر باريس «الذي أكد ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي»، بحسب ما صرح امين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة صائب عريقات، الذي دعا المؤتمر الذي استضافته فرنسا الى «الاعتراف الفوري بدولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».

وفي المقابل اعتبرت اسرائيل ان مؤتمر باريس «يبعد» فرص السلام. وقالت الخارجية الاسرائيلية في بيان «ان هذا المؤتمر الدولي وقرارات الامم المتحدة تبعد فرص السلام لأنها تشجع الفلسطينيين على رفض المحادثات المباشرة مع اسرائيل»، كما عبرت بريطانيا عن «تحفظاتها» ورفضت توقيع البيان الختامي.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ان بريطانيا كانت لها «تحفظات معينة» حول عقد المؤتمر في غياب ممثلين فلسطينيين واسرائيليين «قبل ايام من تنصيب رئيس اميركي جديد»، وبالتالي فإن لندن شاركت في المؤتمر بصفة مراقب فقط.

وجدّد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو انتقاد مؤتمر باريس للسلام ووصفه بانه «عبثي».

وقال نتانياهو في مستهل الاجتماع الاسبوعي لحكومته في القدس «المؤتمر الذي يعقد في باريس هو مؤتمر عبثي تم تنسيقه بين الفرنسيين والفلسطينيين بهدف فرض شروط على إسرائيل لا تتناسب مع حاجاتنا الوطنية».

وتزامن عقد مؤتمر باريس مع وصول حل الدولتين الى المأزق بسبب تكثيف الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، كما انه ينعقد قبل خمسة ايام من تسلم الرئيس الاميركي المنتخب سلطاته وهو الذي كان ادلى خلال حملته الانتخابية بتصريحات مؤيدة تماما لإسرائيل.

وتجنب البيان الختامي الاشارة الى كلام ترامب عن عزمه على نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، الا انه تضمن «رسالة ضمنية الى ادارة ترامب» حسب ديبلوماسي فرنسي.

وفي حال اتخذ ترامب قرار نقل السفارة الى القدس يكون قد تخلى عن موقف تاريخي للولايات المتحدة بهذا الشأن، كما يكون قد اتخذ موقفا يتعارض بشكل كامل مع قرارات الامم المتحدة التي تؤكد ان الاراضي الفلسطينية ومن بينها القدس الشرقية هي اراض محتلة.

وذهب وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت الى ابعد من البيان الختامي عندما قال في مؤتمر صحافي في ختام المؤتمر ان نقل السفارة الى القدس سيكون «استفزازا». 

ونبه آيرولت على ان مشروع ترامب بنقل السفارة الاميركية في اسرائيل من تل ابيب الى القدس قد تكون له «عواقب خطيرة».

وصرح للقناة الفرنسية الثالثة «اعتقد انه سيستحيل على (ترامب) القيام بذلك»، مضيفاً «ستكون لذلك عواقب خطيرة(...) حين يكون المرء رئيسا للولايات المتحدة لا يمكن ان يكون موقفه حاسماً واحادياً الى هذا الحد بالنسبة الى قضية مماثلة، يجب السعي الى تأمين ظروف السلام». 

وقال ايرولت لدى اختتام اعمال المؤتمر في اشارة الى القرارات الدولية التي تدعو اسرائيل الى الانسحاب من الاراضي المحتلة منذ حرب العام 1967 «من المفيد التذكير بالأساس، والاساس هو حدود العام 1967 وقرارات الامم المتحدة الاساسية».

واشاد وزير الخارجية الاميركي جون كيري بالبيان الختامي الذي وصفه بـ»المتوازن»، الا انه اوضح ايضا في تصريح صحافي ان الديبلوماسيين الاميركيين اصروا على تضمين البيان لغة قوية تدين التحريض والهجمات الفلسطينية على الاسرائيليين.

واضاف «لقد اتينا الى هنا وقاومنا من اجل تعديل ما اعتقدنا انه غير متوازن او انه لا يعبر عن نوع من الاتحاد الذي تحدثت عنه«، وتابع «لم نخفف منه (البيان). فعلنا ما هو ضروري لكي يكون متوازناً. واذا نظرت اليه فإنه يتحدث الى الجانبين بطرق ايجابية وليست سلبية».

واكد كيري انه تحدث مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال اجتماع باريس لطمأنته. 

وقال إن إدراج أي إشارة إلى خطط إدارة ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس في البيان الصادر عن اجتماع باريس بشأن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين كان سيصبح أمراً غير ملائم. وقال كيري للصحافيين بعد اجتماع 70 دولة لبحث إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني في باريس، «نوقش الأمر (نقل السفارة) علانية في الداخل وهذا ليس له صلة بالمحافل الدولية في هذا التوقيت. هذا غير مناسب.»

وقال كيري للصحافيين إن الاجتماع «دفع الكرة إلى الأمام. ويؤكد أن هذا ليس فقط وجهة نظر إدارة واحدة فهذا يتشارك فيه المجتمع الدولي بشكل واسع.»

وتعكس هذه التصريحات قلق المجتمع الدولي حيال استراتيجية ترامب حول الملف الفلسطيني - الاسرائيلي.

وتميز ترامب باتخاذ قرارات منحازة جدا للدولة العبرية خصوصا بشأن القدس. ويشكل موقفه من نقل السفارة الى القدس، خطا احمر لدى الفلسطينيين الذين يهددون بالتراجع عن اعترافهم بإسرائيل في حال حدث ذلك.

وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اكد في كلمته امام المؤتمر ان حل الدولتين «ليس حلما ويبقى هدف المجتمع الدولي». وقال «ان حل الدولتين ليس حلم نظام مر عليه الزمن. انه لا يزال هدف المجموعة الدولية».

واضاف هولاند في رد مباشر على انتقادات اسرائيل لعقد هذا المؤتمر «من غير الوارد فرض معايير التسوية على الطرفين (...) وحدها المفاوضات المباشرة يمكن ان توصل الى السلام، ولا يمكن لأحد ان يقوم بذلك مكانهما».

ويندرج مؤتمر باريس في اطار مبادرة فرنسية اطلقت قبل عام لتعبئة الاسرة الدولية من جديد وحض الفلسطينيين والاسرائيليين على استئناف المفاوضات المتوقفة منذ سنتين.

ويرتدي هذا الاجتماع اهمية مع تراجع فرص حل الدولتين بسبب الوضع على الارض الذي يشهد استمرارا للاستيطان الاسرائيلي وهجمات فلسطينية وتشددا في الخطاب وتزايد الشعور بالإحباط.

واجتماع باريس هو المحطة الاخيرة في سلسلة من المبادرات حول النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي التي كان اهمها القرار الذي تبناه مجلس الامن الدولي في 23 كانون الاول 2016.

فقبل شهر من مغادرتها السلطة، امتنعت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما عن التصويت على قرار يدين الاستيطان الاسرائيلي للمرة الاولى منذ 1979. واثار هذا الموقف غضب ترامب الذي كان دعا واشنطن الى استخدام الفيتو ضد النص.

وبعد ايام، القى وزير الخارجية الاميركي، خطابا اقرب الى شهادة سياسية، دان فيه الاستيطان وعدّد مبادئ حل للنزاع.