بغض النظر عن الاتفاقيات بين المتحالفين أو المتفاهيمن وبغض النظر عن صحة ما فيها أو خطأ ما ورد عنها تبقى زيارة الرئيس ميشال عون للسعودية وقطر فاتحة مطلوبة لباب أغلق منذ ازدياد الخلاف مع إيران وحزب الله وارتفاع نبرة الخطابات والتصريحات بوتيرة عالية غير دبلوماسية شحنت النفوس وضاعفت من الويل والثبور وعظائم الأمور بين المؤيدين والمنتمين للمملكة والجمهورية، وقد دفع لبنان أثمان هذا الخلاف باهظاً وعلى المستويات كافة.
ربح الرئيس ميشال عون أولى جولاته عندما توجه بنية لبنانية لترميم العلاقة مع بلدين مؤثرين ولهما أدواراً بارزة في سياسته نتيجة إرتباط تيارات سياسية وشعبية وإسلاموية بهما كما أن للدولتين التأثير الكامل على الحرب السورية وارتباط لبنان المباشر بمسار ومصير الحرب الدائرة بشراسة دفع اللبنانيون فيها أغلى ما عندهم .
هذه الخطوة الرئاسية بشرت اللبنانيين بأن الرئيس ليس جهة مقابل جهة أو طرفاً مقابل طرف أو مصطفاً في محور ضدّ محور وأن ما يعنيه هو إنقاذ لبنان وتوفير مستلزمات الانقاذ وتأمين الحماية له سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، وأكدّ على الخيار العربي في أمّة معنية بوحدتها باعتبارها خشبة الخلاص الوحيدة لها كيّ تكون موجودة فعلياً ولتأخذ دورها المتقدم في عالم لا يحترم الاّ الأقوياء في شعوبهم وعقولهم وقوّة نظامهم السياسي والاقتصادي باعتماد الديمقراطية والتخلي عن الاستبداد وسياسات القهر وعصا العسكر ضد الناس الباحثين عن حقوقهم الضائعة في أوطانهم .
قد يعتبرها البعض من هواة الطائفية البغيضة أنها إنتصار لطرف على طرف كما قد يعتبرها الناقص الأخر أنها نقطة لصالح تيّار على حزب، شأن اللبنانيين في تخريب بيوتهم لكثرة الأولاد في شوارع الأحزاب وزواريب الطوائف الاّ أنها في الحقيقة ومن ضمن الحسابات اللبنانية ضرورة لقيام لبنان من كبوة الفقر وسماكة الاسمنت السياسي والأمني المرتفع بين اللبنانيين، وهي تشجع الدول على فتح حساب سياسي جديد في البلد بعد أن تعطل كل شيء منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا يكتمل بناء الصرح في لبنان الاّ من خلال التعاطي المماثل مع إيران شرط أن يعبر الجميع من بوابة الدولة خاصة وأن السلطة منذ زمن هي بيد حلفاء هذه الدول فما المانع من أن تكون العلاقة قائمة بطريقة مشروعة ؟
إقرأ أيضًا: مات الخميني الثاني في إيران
طبعاً احاول هنا أن أكون مثالياً في بلد يضحك فيه الناس على المثاليين لأنهم أدمنوا على خلافاتهم وباتوا أسارى العداوة التي يعتاشوا عليها وينعموا بآتونها ويستلذون بنارها التي تكوي جنوبهم وتحرق يباسهم لأنهم عشقوا الحروب وما أتاحته لهم من نتائج أشبعتهم كرهاً وبغضاً وانتقاماً حتى من أنفسهم إذا لم يجدوا أحداً لملاقاته في عداوتهم لقد ورثنا ميراثاً كبيراً قد يكون أولى بركاته الحرب الأهلية وقد يرجع الى بداية التاريخ الاسلامي وما فيه من صراعات اسلامية – اسلامية وإسلامية – مسيحية إضافة الى حقبات أخرى من تاريخ منطقتنا الحافل بالثروات الهائلة من قتل ودمار وذبح على الهويات .
إقرأ أيضًا: سكر خطك وافتح تمك
ربما حاول وسيحاول الرئيس أن يفعل شيئا لبلد يحتاج فيه الى كل شيء كي يكون بلداً وأوّل شيء أن يكون هناك شعب متمسك بوطنه لا بأوطان الأخرين وأن يؤمن كل فرد فيه بحرية الآخر من قبل أن يؤمن بحريته لأن الحرية ميزان العدل وأن ينتشر الوعي بواسطة المعرفة كيّ نخفف من وباء الجهل ونغلق أفواه السموم من أناس لا يرفون الا لغة الشتم واللعن والقتل والتهوين والتخوين ومع ذلك يدّعون البراءة من داعش والتفرغ لقتاله والنيل من أفكاره التكفيرية .
كان الله معه حيث أراد ان يكون لبنان متعاف من أمراض المنطقة لأنه السبيل الوحيد لجعله خارج المحرقة.