ليس من الحكمة حسم النتائج التي انتهت اليها جولة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى دول الخليج من البوابة السعودية في الساعات التي أعقبتها. فما تحقّق بالغ الأهمية ويسهل الإنتقال الى مرحلة جديدة في شكل ومضمون العلاقات بين لبنان وهذه الدول. ويمكن القول إنّ الجولة فكّت الحصار الخليجي عن لبنان وما على اللبنانيين سوى البناء على ما تأسّس. فهل يتقنون البناء؟بتفاؤل كبير لا يرقى الى مرحلة الإدّعاء بأنّ كلّ ما رغب او حلم به قد تحقّق، عاد عون من جولته الخارجية الأولى على المملكة العربية السعودية وقطر بصيد مهم ومتقدم في اعادة ترتيب العلاقات التي اهتزّت مع الخليج العربي وصولاً الى ما يمكن اعتباره إعادة تأسيس لها على مختلف المستويات المالية والإقتصادية والعسكرية بعد الديبلوماسية، بعد النجاح في فكّ الحصار الخليجي الذي كان مضروباً على لبنان من كلّ الجهات وعلى كلّ المستويات.
ولا يخفي المراقبون للتطورات الإشارة الى سلسلة المزايدات التي رافقت التخطيطَ للزيارة الخارجية الأولى. فتوقفت عند بعض منها أطلقه أطراف كانوا يرغبون في إغراقها بسيل من الأوهام ـ لأسباب ليست بريئة ـ فحاولوا إعطاءها أبعاداً غير طبيعية وغير منطقية. فيما كانت هناك فئة أخرى راحت بعيدا ـ وعن حسن نيّة ـ في التنظير لما يمكن أن تؤدي اليه تعبيراً عن غيرة ومحبة زائدة وغير محدودة.
وما بين الفئتين أبقى العهد على مقاربته المنطقية والواقعية للزيارة. فسعى منذ اللحظة التي بوشر فيها بوضع جدول أعمالها وترتيباتها اللوجستية والسياسية والديبلوماسية على دعوته الى انتظار ما يمكن أن تشهده الزيارة من مناقشات ليقول كلمته في النتائج التي يمكن أن تحققها بعيداً من الرهانات التي سيقت في الإتجاه الإيجابي أو السلبي.
على هذه الأسس بنت المراجع التي واكبت الزيارة قراءتها لحصيلتها، فاكتفت في المرحلة الراهنة بالإشارة الى أنّ ما تحقق يدعو اللبنانيين الى العمل من اليوم وصاعداً لترجمة سلسلة من التفاهمات التي تمّ التوصل اليها وبُنيت على قراءة جديدة لموقف المملكة من العهد الجديد في لبنان.
فقد أظهرت القيادة السعودية جملةً من الإشارات الإيجابية تجاه لبنان في خلال اللقاءات في الرياض وانسحبت إيجابيات مماثلة في قطر وعلى كلّ المستويات. فلبنان كان على ثقة بأنّ الدخول مجدّداً الى دول مجلس التعاون الخليجي لا بدّ من أن يكون من البوابة السعودية. فالمملكة هي المعبر الرئيس الى كلّ دول الخليج وإماراته وهو ما أثبتته وقائع الزيارة وما ترجمته المواقف التي أُطلقت خلالها وبعدها.
وحرص أحد اعضاء الوفد الرئاسي على الإشارة الى مجموعة من المعطيات التي يجدر التوقف عندها لتأكيد أهمية ما حققته الزيارة بلا زيادة أو نقصان. فأشار الى أنّ ما سمعه الوفد من العاهل السعودي من مواقف يشير الى ولادة «سند جديد» للبنان على كلّ المستويات، فهو عبّر عن توجّه جديد يلغي مفاعيل مرحلة «العقوبات» التي فُرِضت على لبنان على أكثر من مستوى.
ولذلك توقف عضو الوفد عند ما أوصى به الملك سلمان القياديين السعوديين والأمراء والوزراء لجهة فتح صفحة جديدة مع لبنان كلّ في مجال اختصاصه سواءٌ كانوا من المستثمرين أو الراغبين العودة الى لبنان للإصطياف أو للقيام بأيّ عملٍ آخر بلا حذر، ملامساً في توجيهاته ما عبّر عنه البعض منهم على انفراد عن الرغبة في العودة الى لبنان وجهتهم الخارجية المحبّبة في أي وقت ولأيّ غرض كان.
كذلك توقف عضو الوفد عند الإشارات التي أعطاها الملك سلمان ومختلف المسؤولين الذين التقى بهم الوفد اللبناني لجهة احترامهم لرئيس الحكومة سعد الحريري على نحوٍ فاجأ بعض أعضاء الوفد المرافق لرئيس الجمهورية، وخصوصاً أولئك الذين كانوا يسألون عن سبب عدم مرافقته في الزيارة من دون أن يتوافر لهم الجواب، فكان الحريري «الغائب الحاضر» في الوفد اللبناني في مختلف اللقاءات التي عُقدت وعلى كلّ المستويات وصولاً الى مرحلةٍ كشف فيها أحدهم وهو الذي رافق رؤساء سابقين الى المملكة أنه لم يسمع شبيهاً لما سمعه عن الحريري في لقاءات وقمم أخرى لبنانية ـ سعودية.
هذا في الشكل، أما في المضمون فهناك كلام آخر يمكن التوقف عنده فقد لمس الوفد وجود قرار سعودي جدّي بالعودة الى تزخيم الإستثمارات في لبنان وإحياء مشاريع سابقة نامت في ادراج مؤسساتهم وشركات لبنانية منذ سنوات أعقبت حربَي اليمن وسوريا وما رافقهما من توتر في العلاقات بين بيروت والرياض.
وعليه فقد شهدت اللقاءات على ما يُثبت وجود قرار اتُخذ على أعلى المستويات لرفع مستوى المساعدات السعودية للبنان لتشمل، بالإضافة الى النازحين السوريين، المجتمعات اللبنانية المضيفة التي تكبّدت خسائر تفوق قدراتها المادية والمؤسسات التي أنهكها النزوح السوري على أكثر من مستوى تربوي وصحّي واجتماعي وخدماتي.
أما بالنسبة الى مصير الهبة العسكرية، فقد كان واضحاً التوجّه لدى للمملكة الى إعادة النظر في شكلها وليس في المضمون. وفي انتظار عودة وزير الدفاع السعودي الى بلاده سيكون هناك توجّه جديد للتعاطي في شأنها لا يخرج في إطاره عن برنامج الدعم للجيش وخصوصاً أنّ الفرنسيين انتهوا من تصنيع كمية كبيرة من الأسلحة موضوع الهبة وسيُصار الى التفاهم في شأن تسليمها للبنان. مع الإشارة الى أنّ أولى دفعاتها ستكون في بيروت قبل الصيف المقبل وهو ما يتناسب والبرنامج الموضوع سابقاً للتسليم.
وثمّة مَن يعتقد أنّ ما تمّ التفاهم في شأنه هو حبر على ورق، فيما كلّ المؤشرات تدلّ أنّ ما انجزته الزيارة شكّل محطةً للخروج من نفق العقوبات المفروضة على لبنان وفكّ الحصار الخليجي الذي ستقتدي به دول أخرى غير قطر. فالإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والبحرين على خطّ المفاوضات، وربما لا تُستثنى الكويت منها، والأشهر المقبلة ستشهد على ما قد ينفَّذ.