هدأت الساحة الداخلية نسبياً، فلا صخب سياسياً يعكّر المزاج العام، فيما فرَضت سلامة الطيران المدني نفسَها في مقدّمة الأولويات وشغَلت مستويات الدولة على اختلافها، في محاولةِ درءِ خطرِ النورس على الملاحة الجوّية وكيفية إيجاد العلاج اللازم، ومعالجة السبب المتأتّي من مكبّ النفايات في الكوستابرافا بالقرب من المطار.
إلى جانب هذا الهمّ الذي تحمله طيور النورس، يُنتظر ان يفتح الاسبوع المقبل، على ما سمّاه مسؤول كبير بـ«اسبوع العمل» بدءًا بمقاربة الهموم الاخرى على اختلافها، ربطاً بالورشة السياسية التشريعية التي ستتوّج بداية مع الجلسة التشريعية التي سيعقدها المجلس ربما خلال الاسبوع المقبل، وذلك بالتوازي مع وضع الموازنة العامة للدولة على سكّة الإحالة الى مجلس النواب، ومع الشروع جدياً في رحلة إعداد القانون الانتخابي الجديد التي لن يكون امدها طويلاً، وفق ما اكّدت مصادر معنية بهذا الملف لـ«الجمهورية»، التي تلاحظ الهدوء الذي يسود الجبهات السياسية على اختلافها، معربةً عن الامل ألّا يكون هذا الهدوء موقّتاً وقابلاً للاشتعال على الجبهة الانتخابية.

وإلى جانب ذلك، ينتظر المشهد الداخلي ترجمة المناخات الإيجابية، التي أرخَتها الجولة الرئاسيّة الى كلّ من السعودية وقطر، والتي يُنتظر ان تُستكمل بزيارة قريبة يقوم بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى مصر.

وعلمت «الجمهورية» انّ القاهرة كان يفترض ان تكون المحطة الثالثة خلال جولة رئيس الجمهورية الاولى التي قادته الى الرياض والدوحة، إلّا انّها ارجِئت نظراً لانشغالات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمواعيد مسبَقة حالت دون إتمام الزيارة اثناء الجولة. وأكد الجانب المصري حرصَه على إتمام الزيارة في اقرب وقت ممكن، وهو ما سيَحصل، على ان تحدّد بالتوافق بين الرئاستين اللبنانية والمصرية.

وقالت المعلومات إنّ القاهرة، هي محطة قريبة في اجندة عون لأسباب كثيرة، وخصوصاً الوجود اللبناني فيها، حيث ينتظر ان تكون لهذه الزيارة عند حصولها محطاتٌ مصرية ولبنانية. امّا ما يقال عن زيارات له الى دول اخرى حالياً فهو من قبيل التحليل لا اكثر، ولا اساس له.

العدّ العكسي الانتخابي

في هذا الوقت، يمكن القول انّ العدّ العكسي الانتخابي قد بدأ فعلياً، وسط تأكيدات المعنيين بالملف بأنّ الوقت صار داهماً وضاغطاً، خصوصاً في اتجاه إعداد قانون جديد للانتخابات.

واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري ان ليس امام القوى السياسية ايّ عذرٍ في الشروع بمقاربة هذا الملف سريعاً. وأكد امام زوّاره انّه لا يستطيع ان يعطي صورةً مسبقة او استنتاجاً مسبَقا لِما سيؤول اليه الحال على هذا الصعيد، إلّا انّه يرى بأمّ العين توجّهات القوى السياسية ومحاولات البعض الحثيثة لتغليبِ قانون على ما عداه.

وأمام هذا الواقع وإمكانية الوصول الى قانون انتخابي توافقي يحقّق الحد الادنى من العدالة وصحة التمثيل على انقاض قانون الستين، يبدو بري، اقربَ الى التشاؤم منه الى التفاؤل. وكتعبير عن هذه الحال، قالَ بشيء من الحدّة، ردّاً على سؤال عن قانون الانتخاب: «لا تسألوني عن هذا القانون».

معلومات بعبدا

عملياً تبدو القوى كلها امام امتحان القانون الانتخابي، والخطاب العلني ايجابي بمجمله، لكن تبقى العبرة في ترجمته. وفي هذا السياق، اكّدت معلومات بعبدا لـ«الجمهورية» على الموقف الثابت لرئيس الجمهورية الذي اعلنَه بالامس بأنه سيكون هناك قانون انتخابي جديد.

وهذا الموقف كرّره في كل احاديثه، حتى في لقاءاته الصحافية مع وسائل اعلام عربية، مما يُعتبَر بحدّ ذاته دفعاً منه للوصول الى قانون. كذلك عُقدت لقاءات جانبية على هامش زيارة السعودية وقطر بين وزراء في الوفد الرئاسي يمثّلون كلّ الكتل الاساسية، وهذا مؤشر آخر الى التوجه الصادق والجدي للوصول الى قانون جديد وإلى رغبة الرئيس بدفعِ القوى السياسية الى الاتفاق على هذا القانون».

العريضي لـ«الجمهورية»

وقال عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب غازي العريضي لـ«الجمهورية»:»موقفنا نعلِنه بشكل دائم، فنحن مع الاكثري وأن يكون الشوف وعاليه دائرة انتخابية واحدة».

وهل لا يزال يتلمّس وجود محاولات لإلغاء الدروز او تحجيمِهم؟ فأجاب: «الأمور مرهونة بخواتيمها، فإلى ان تستقرّ الامور على ما يُطمئن، نستطيع ان نقول إنّنا تَجاوزنا محاولات التهميش والإلغاء والإقصاء، إنّما حتى الآن ليس هناك شيء».

فيّاض لـ«الجمهورية»

وأكّد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض لـ«الجمهورية» انّ المباحثات «لا تزال قائمة بين مختلف القوى على مستوى ثنائي وثلاثي، وهناك اتصالات تجري بين يوم وآخر للوصول الى توافق حول قانونٍ ما، والاكثر مداولةً بين القوى صيغة التأهيل مع انتخابات نسبية على مستوى المحافظة، وهناك نقاش تقني في نسبة التأهيل وفي حجم المحافظة».

وإذ توقّع فياض «ان تنشَط في الايام المقبلة حركة الاتصالات بين القوى المعنية»، اكّد انّ الامل لم ينقطع بعد من إمكانية الوصول الى قانون انتخابي جديد».

عون

وأكد عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون لـ«الجمهورية» انّ الرئيس عون وقّع على فتح عقدٍ إستثنائي لمجلس النواب ليحضّ الحكومة على التعجيل في إنجاز الموازنة وإقرارها من جهة، وليحضّ مجلس النواب على التصويت على قانون الانتخابات في أسرع وقت من جهة أخرى.

وهو بذلك، يرسل إشارةً إضافية حول حِرصه على عدم إضاعة الوقت، كما دأبَ منذ لحظة انتخابه وحين باشر سريعاً في إجراء الاستشارات ومِن ثم التكليف والتأليف. فالرئيس حريص على عودة الحيوية الى المؤسسات وانتظام عملها، وهذا يمرّ بشكل أساسي عبر إقرار موازنة تضع السقوف والضوابط لكلّ الإدارات والوزارات في عملها وإنفاقها».

وحول كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق عن صعوبة إقرار قانون جديد للانتخابات، قال عون:» لم نققد الأمل بعد في أن يحصل خرق ما حول قانون الانتخابات، على رغم واقعية الوصف الذي قدّمه وزير الداخلية. فوضعنا أمام خيارَي السيّئ أي قانون الستّين، والأسوأ، أي التمديد الذي سيكون بمثابة ضربة لكلّ الطبقة السياسية ولآمال اللبنانيين أن نكون فعلاً انطلقنا بمرحلة سياسية جديدة وواعدة».

حوري لـ«الجمهورية»

وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب عمّار حوري لـ«الجمهورية»: «هناك نقاشات ثنائية ونقاشات متنوّعة، لكن حتى هذه اللحظة لا تَفاهم محسوماً على قانون انتخابي معيّن».

أضاف: «الفرصة قائمة، وأعتقد انّها مناصفة ما بين الوصول وعدم الوصول الى قانون انتخابي جديد».

شمعون

وأعلنَ رئيس «حزب الوطنيين الاحرار» النائب دوري شمعون انّه ليس متفائلاً كثيراً بإمكانية الوصول الى قانون انتخابي جديد، وقال لـ«الجمهورية»: أعتقد انّ لدى كثيرين مصلحة بالإبقاء على قانون الستين، وسيضيّعون بعض الوقت بمحاولة تقديم دراسات وعروض جديدة، لكن لا أرى انّ هناك نيةً جدّية بالوصول الى قانون جديد، بل أعتقد انّهم سيَسيرون بالستين مع بعض التعديلات «لَما يزَعّلو ناس كتير».

اضاف: «لو كان هناك رأي موحّد لَكان الوصول الى قانون جديد سهلاً، لكن كلّ طرف يريد ان يفصّل على قياسه، والوقت يداهم وسنصل الى مرحلة سيقولون فيها: حاوَلنا ولم نستطيع، فلنَسر بالستين مع بعض التحسينات».

«الكتائب»

وأوضَح مصدر مسؤول في حزب الكتائب بأنّ الحزب متشائم من المسار الذي يَسلكه قانون الانتخاب، وقال لـ«الجمهورية»: «بعدما رفع شعار «الأولوية لقانون الانتخاب» ها إنّ جلسات مجلس الوزراء التي انعقَدت حتى الآن لم تأتِ على ذكر القانون الجديد، كما أنّ هيئة مكتب مجلس النواب أقرّت جدول أعمال الجلسة المقبلة من دون أن تأتي على ذكر القانون.

وحذّر المصدر «من بوادر صفقة جديدة تتمثّل بالإبقاء على القانون الحالي أو بتطيير الانتخابات بحجّة عدم الاتفاق على قانون جديد». وذكّر بأنّ الحزب سبقَ له أن قدّم رؤيته لقانون الدائرة الفردية الذي يُعتبر شكلاً من أشكال النسبية ويَمنع المحادل ويقطع الطريق على أيّ محاولات للتفرّد بالتمثيل»، وأكد أنّ الحزب «الذي يؤمن بالتعددية ويناضل للحفاظ على التنوّع في المجتمع اللبناني لا يمكن أن يكون جزءاً من أيّ صفقة سياسية تحدّ من هذين التنوّع والتعددية، سواء كان ذلك على الساحة المسيحية أو الإسلامية».

«القوات» لـ«الجمهورية»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ «القوات» تنطلق في مقاربتها لقانون الانتخاب من ثلاثة مبادئ أساسية:

ـ المبدأ الأول، إسقاط الستين الذي لا يعكس صحة التمثيل ويرتدّ سلباً على البعد الميثاقي اللبناني.

ـ المبدأ الثاني إقرار قانون جديد يصحّح الخلل التمثيلي ويؤمّن مساحة مشتركة بين المكوّنات التمثيلية على قاعدة رفض طغيان أيّ مجموعة على أخرى، وهذا ما يفسّر موقف الدكتور سمير جعجع لجهة رفضِ أيّ قانون لا يرضى فيه «الحزب التقدمي الاشتراكي» انطلاقاً من حِرصه على الجانب الميثاقي ورفضِه تكرارَ تجربة النظام السوري مع الفئة الوطنية المسيحية الممثّلة في لبنان، لأنّ لبنان لا يقوم وينهض سوى على قاعدة الشراكة والمساواة وتبديد هواجس كلّ الفئات اللبنانية.

ـ المبدأ الثالث رفض أيّ تمديد خارج التمديد التقني الذي يعني تأجيلَ الانتخابات إلى أيلول كحدّ أقصى».

وكشَفت هذه المصادر «أنّ قانون الانتخاب وضِع على نار حامية، وأنّ هناك عملاً كبيراً يتمّ وراء الكواليس، وأنّ الدينامية الوطنية التي أنهت الفراغ الرئاسي وأعادت الحيوية إلى المؤسسات الدستورية ستنسحب على إقرار قانون انتخاب جديد يمثّل الناس أفضل تمثيل».

إشكالية الموازنة

على صعيد آخر، قفَز ملف الموازنة العامة الى الواجهة، حيث يتوقّع أن يكون الموضوع الأبرز في المناقشات في الفترة المقبلة، لاعتبارات عدة أهمّها:

أولاً- تعيش البلاد بلا موازنة منذ العام 2006، ويتمّ اعتماد اسلوب الصرف على القاعدة الاثني عشرية، زائد الانفاق الاضافي الذي تتمّ تغطيته في الحكومة، أو في المجلس النيابي من خلال مراسيم أو قوانين.

ثانيا- تركّز المناقشات على المخرج الذي يمكن اعتماده لِما يُعرف بأزمة الـ 11 مليار دولار التي أنفِقت في عهد حكومات ترَأسها الرئيس فؤاد السنيورة، ولم تتمّ تغطيتها قانونياً، ما أثارَ الجدلَ حول هذه القضية، وحال حتى الآن دون إنجاز قطعِ الحساب، وهو الممرّ الإلزامي لإقرار موازنة جديدة. لكنّ المناخ السياسي المستجد، يَسمح بالاعتقاد انّ إمكانية الوصول الى مخرج باتت أقربَ الى الواقع.

ثالثاً – إنّ العجز المتفاقم في المالية العامّة يُحتّم البحثَ عن مصادر إيرادات جديدة تخفّض هذا العجز. وهذا يدعو الى التخوّف من اللجوء الى فرض رسومٍ وضرائب جديدة على المواطنين، خصوصاً من نوع الضرائب غير المباشرة وهي الأقلّ عدالةً في لوائح الضرائب لأنّها تطاول الفقير والمقتدرَ بالنسبِ نفسِها.

في حين انّ خفضَ الإنفاق بات من الامور شِبه المستحيلة، بسبب ارتفاع حصّة بند الأجور والتعويضات، والتي لا يمكن خفضُها إلّا بإصلاح إداري يؤدي الى ترشيق القطاع العام، وهذا الامر مستبعَد في الوقت الحالي.

رابعاً – هناك نقاش في شأن تضمين الموازنة مشروعَ سلسلة الرتب والرواتب. هذا يعني انَ فرضَ الضرائب سيتلازم مع زيادة الإنفاق لتغطية السلسلة. لكنّ المشكلة انّ التضخّم في الأسعار سيَشمل مختلف السِلع، خصوصاً الأقساط المدرسية التي قد ترتفع بنسَبٍ كبيرة.

ولفتَ أمس تصريح لوزير العمل محمد كبارة قال فيه أن «لا موازنة من دون سلسلة الرتب والرواتب»، بما يؤشّر إلى هذا الاتجاه، أي إعطاء السلسلة مقابل إقرار الضرائب الجديدة.

هذه النقاط الإشكالية ستكون محورَ المناقشات الحكومية في الأيام الطالعة. ورغم أهمّية إقرار الموازنة، وتضمينها خطةً اقتصادية للمرحلة المقبلة، إلّا أنّ الثمن الذي قد يَدفعه المواطن لن يكون بسيطاً، وسيكون الحِملُ ثقيلاً على الناس، على أمل ان تتمّ ترجمة المناخ الإيجابي لاحقاً، بانتعاش اقتصادي يعوّض على الجميع ما سيتكبّدونه في مرحلة إعادة قطار الازدهار إلى السكة.

النازحون

في سياق آخر، أقرّ الاجتماع الذي عقَده رئيس الحكومة سعد الحريري للّجنة الوزارية المكلّفة ملفّ النازحين السوريين خطةَ عمل الوزارة لمواجهة هذا الملف.

وبحسب مصادر المجتمعين تمّ تشكيل الإدارة المعاونة لوزير الدولة لشؤون النازحين وفريق عمله، وانتهى الاجتماع الى تكليف اعضاء اللجنة وضعَ تقرير شامل عن الأضرار والانعكاسات السلبية للنازحين على مختلف مناحي الحياة اللبنانية ليُرفَع الى مجلس الوزراء قريباً مع اقتراح خطط التحرّك الإقليمية والدولية التي سيقوم بها لبنان لمقاربة الأزمة.

وعلمت «الجمهورية» انّ المجتمعين تداولوا بتقرير جديد حدّد ما بَلغته كلفة النزوح السوري على لبنان على كلّ المستويات بما بين 14 و 15 مليار دولار، بمعرفة وعِلم مختلف الجهات الدولية المانحة والمؤسسات اللبنانية المهتمّة بهذا الملف والتي ساهمَت في تقدير هذه الخسائر.

وتَقرّر أن يطلق الحريري رسمياً الخطة الشاملة للمواجهة للعام 2017 بالاستناد إلى ما قالت به خطة العام 2016 وما أنجِز منها، في احتفالٍ يقام في 19 الجاري.