زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى المملكة العربية السعودية ومن بعدها إلى قطر والتي تعتبر فاتحة للعهد الجديد في العلاقات الخارجية لم تكن مفاجئة لأحد، فقد تم الإعلان عنها بعد أيام قليلة من وصول عون إلى سدة الرئاسة، ومبادرة المملكة للقيام بواجب التهنئة بإرسالها موفد خاص وهو أمير الرياض خالد الفيصل لتولي هذه المهمة ودعوة الرئيس عون لزيارة السعودية.
ومن الطبيعي أن تكون الزيارة ناجحة ولو بالشكل وبدا ذلك في الحفاوة التي ابدتها السعودية وهي تستقبل الرئيس والوفد المرافق له مؤكدة حرصها على الثوابت في علاقتها مع لبنان المستمدة من ثوابتها في سياستها الخارجية في المنطقة بشكل عام.
وقد تم الإتفاق بين البلدين على إجراء محادثات تتعلق برفع الرياض تجميد حزمة مساعدات عسكرية للجيش اللبناني بقيمة أربعة مليارات دولار في أول نتيجة مباشرة لهذه الزيارة التي أولاها بعض المراقبين أهمية بالغة لدورها في تصحيح العلاقة بين لبنان والسعودية بعد مرحلة من الفتور.
ونقل عن مصدر في الوفد اللبناني بعد محادثات أجراها الرئيس ميشال عون يوم الثلاثاء الماضي مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قوله : أن تجميد الهبة السعودية في طريقها إلى المعالجة، مما يكشف عن مدى احتفاظ الرياض بقوة تأثير إيجابية على الساحة اللبنانية رغم ما بدا طيلة السنوات القليلة الماضية من وقوع لبنان في دائرة التأثير الإيراني المناقض تماما لسلوك المملكة العربية السعودية تجاه لبنان، حيث كشفت أوساط سياسية مواكبة للزيارة أن الملك سلمان أبلغ الرئيس اللبناني خلال اللقاء الذي جمعهما أن السعودية لا تتدخل في شؤون لبنان وتترك للبنانيين أن يقرروا شؤونهم بأنفسهم.
ورأت هذه الأوساط أن الرياض تحترم سيادة لبنان واستقلاله ومؤسساته الدستورية وأن سلوكها عدم التدخل في شؤونه تعتبر نقيضا للسلوك الإيراني الذي يعبر عنه حزب الله بمحاولته الإمساك بالساحة السياسية الداخلية وإلحاق البلد بمشروع إيران في المنطقة القائم على التوسع وتصدير الثورة إلى الخارج.
إقرأ أيضًا: المصالح المتنافرة في سوريا
وحسب هذه الأوساط فإن السعودية تريد توجيه رسالة إلى العهد الجديد برئاسة عون مفادها طي صفحة قديمة من العلاقات المتوترة أدت إلى إتخاذ الرياض إجراءات طاولت مستوى التمثيل الدبلوماسي في لبنان اضافة إلى وقف الهبة المالية التي كان يفترض استخدامها لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وباقي المؤسسات الأمنية على خلفية مواقف عدائية من جانب بيروت ناتجة عن خضوع لبنان لحزب الله حليف إيران المعادية للمملكة، علما بأن وزير الخارجية اللبنانية يومها جبران باسيل صهر العماد عون هو من كان على رأس الدبلوماسية اللبنانية التي انتهجت سياسة معادية للرياض.
وجدير بالإشارة إلى أن السعودية كانت وراء التعطيل الذي حال دون تسهيل انتخاب العماد عون منذ انتهاء ولاية الرئيس الأسبق إميل لحود عام 2007 وأن انتخابه رئيسا للجمهورية لم يكن ليتم لولا إزالة الفيتو السعودي عليه ودعمها لمبادرة الرئيس سعد الحريري التي اعتبرت انقلابية لصالح إيصاله إلى قصر بعبدا.
إقرأ أيضًا: رحيل كاتم أسرار الثورة الإسلامية الإيرانية
ورغم مظاهر الحفاوة التي احيطت بالزيارة وما رشح من إيجابيات لجهة إعادة تحسين العلاقة اللبنانية السعودية وما حققته من نجاح بأعادة فتح باب تقديم المساعدة للبنان إلا أنه وحسب بعض الأوساط السياسية فإن هذه الزيارة غير كافية لأعادة ثقة الرياض بالحكم اللبناني الجديد، فهي لا زالت تشعر بأنها طعنت في الظهر في لبنان مقارنة بما قدمته له من مساعدات مالية ومواقف إيجابية وبناءة لمصلحة المؤسسات اللبنانية وسيادتها واستقلالها.
وعليه فإن تنويه العاهل السعودي بشخص الرئيس عون وإعرابه عن الثقة به هدفهما تقديم دعم سعودي كامل بانتظار أن يثبت الرئيس ميشال عون قدرته على احترام هذه الثقة وتقدير الدور السعودي في لبنان، وتقليص الدور الايراني فيه والذي يشوه علاقته بمحيطه العربي وهو ما يشكل عبئا ثقيلا على كاهل العهد برمته وعلى الرئيس على وجه التحديد.