لا تخفى هواجس وليد جنبلاط وغيره من السياسيين اللبنانيين من وصول رئيس مسيحي قوي إلى سدة الرئاسة. قالها جنبلاط وغيره من الساسة بأن الأفضل للبنان هو انتخاب رئيس توافقي. وهذا ما كان عليه موقف الرئيس سعد الحريري في السابق، وكذلك الرئيس نبيه برّي. أهداف هذا الموقف تتجلى بالرهان على الوضع الانتخابي والشعبي للرئيس. وبما أن الرئيس ميشال عون هو صاحب أكبر كتلة مسيحية، فإن هذا يعزز هواجس كلٍّ من جنبلاط وبري. لكن جنبلاط يذهب بعيداً في صراحته، وفي التعبير عن هواجسه، ولاسيما أن الخوف في هذه المرحلة مضاعف، بفعل تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
يعيش جنبلاط مع ميشال عون حالياً، ما عاشه كمال جنبلاط مع كميل شمعون، الذي كان ممثلاً قوياً للمسيحيين. لذلك، لا ريد جنبلاط تكرار تجربة العام 1957 الانتخابية. في تلك الفترة، أقر شمعون قانوناً انتخابياً مفصّلاً على مقاسه، وسعى من خلاله إلى إسقاط كمال جنبلاط بالانتخابات في عقر داره. ولم يصحح الوضع إلا بعد انتخاب الرئيس فؤاد شهاب، وإقرار قانون العام 1960، الذي أجريت على أساسه الانتخابات الأخيرة في العام 2009، ومازال نافذاً. اليوم، يشعر جنبلاط بأن ثمة من يريد إعادة تجربة الرئيس المسيحي القوي معه من خلال الانتخابات النيابية، والتوصل إلى قانون نسبي يحجّم دوره وكتلته. لذلك، كان لا بد من رفع الصوت.
دفعت صراحة جنبلاط مختلف القوى السياسية إلى الإفصاح عن مواقف مغايرة لمواقفها المعلنة في شأن قانون الانتخاب. يظهر جنبلاط كأنه صرّح بلسان الجميع. أخذ المسألة بصدره، وعبّر عن هواجسه صراحة، معلناً أن النسبية لا تناسبه، وهي أيضاً لا تناسب غيره من القوى السياسية التي سارعت إلى تأييده وإبداء الحرص على عدم الخروج عن إرادته. بعد سلسلة مواقف تصعيدية منه ضد "المزايدة في النسبية" خرج الجميع عن الصمت. سارع الرئيس الحريري إلى إبداء تفهمه موقف جنبلاط، مع تأكيده بوجوب إقرار قانون جديد للانتخابات لكن شرط أن لا يعترض عليه جنبلاط. كذلك سارع رئيس حزب القوات سمير جعجع إلى الخروج بموقف يتفهم فيه موقف جنبلاط، معلناً أن القوات لن تسير بأي قانون لا يرضى عنه "البيك". موقف جعجع أعقب باتصال النائب ستريدا جعجع بجنبلاط، يحمل المضمون نفسه. وعلمت "المدن" أن مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا أجرى اتصالاً بجنبلاط أكد خلاله حرص الحزب على هواجس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، والتفاهم المسبق على أي قانون إنتخابي، معتبراً أنه لن يتخذ أي قرار بدون التنسيق مع جنبلاط.
يتوافق ذلك مع موقف الرئيس بري، الذي أكد مراراً أن قلوب الجميع مع قانون الستين ولكن سيوفهم عليه. ولأن جنبلاط يعرف ذلك اختار رفع السقف، مبرراً لبعض الأطراف الخروج عن الإطار المزايداتي. وقد نجح في ذلك. وعملياً، فإن الجميع يستفيد من قانون الستين، وقد يتضرر من النسبية، وإن بنسب متفاوتة. ومن بين هؤلاء المتضررين، طرفا التحالف المسيحي.
يعرف جنبلاط أن لا تيار المستقبل ولا حركة أمل وحزب الله يريد بروز شخصيات نيابية جديدة على الساحة معارضة لهم. الأمر نفسه بالنسبة إليه. ويعرف أيضاً أن التحالف المسيحي يؤمّن الفوز الذي يريده من خلال قانون الستين، بخلاف ما يمكن أن يحصل على أساس النسبية. ولذلك شغّل محركاته في العلن والسرّ.
عملياً، بدأت الفرملة الفعلية لموجة النسبية، وتقول مصادر متابعة إن الواقعية تقتضي اجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ، في موازاة العمل على إقرار قانون جديد يعتمد في انتخاب المجلس المقبل بعد أربع سنوات. أما الآن، فإن الجهد الأساسي يتركز على إدخال بعض التعديلات على قانون الستين، لإظهار أنه قد تم إحداث إصلاح في القانون ليصبح ملائماً للعصر الحالي.
وتشير المصادر إلى أنه في حال أجريت الانتخابات على أساس الستين، وهذا ما ترجحه، فإنه سيتم نقل عدد من النواب من بعض الدوائر إلى دوائر أخرى، ولاسيما النواب المسيحيين. وقد علمت "المدن" أن المشاورات تتناول مسألة، نقل المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون، وضم دير الأحمر إلى دائرة بشري، بحيث يصبح النائب الماروني عن بعلبك الهرمل ينتخب من أهالي دير الأحمر وبشري، أي بأصوات المسيحيين. وتكشف المصادر عن مساعٍ عونية لنقل المقعد المسيحي من دائرة الزهراني إلى منطقة أخرى ذات أغلية مسيحية، إلا أن الرئيس بري يرفض هذا الأمر. أما في شان بيروت، فقد تبقى على حالها، مع إجراء توافق سياسي انتخابي على توزيع المرشحين بشكل يناسب كل الأطراف.
أما أقصى ما يمكن تقديمه كبديل من قانون الستين، فهو اعتماد قانون أشبه بمتجر كبير، يحوي عدداً من القوانين، وتجري الانتخابات بموجه على مرحلتين، تكون الأولى وفق الستين والنظام الأكثري، بالإضافة إلى دمجه بالقانون الأرثوذكسي، أي أن كل طائفة تنتخب نوابها، وفي المرحلة الثانية تجري الانتخابات وفق دوائر المحافظة على الأساس النسبي. هذا القانون أيضاً يناسب الجميع في طوائفهم ودوائرهم، ومن خلاله يمكن كل فريق معرفة عدد نوابه.