بمقدار ما شكّلت الزيارة الرئاسية لكلّ من السعودية وقطر أهمّية للبنان على أمل جنيِ ثمارها في قابل الأيام، يبقى قانون الانتخاب الشغلَ الشاغل للمسؤولين ويشكّل الأساس، خصوصاً أنّ المهمة الرئيسية للحكومة الحالية هي إنتاج قانون جديد وإجراء الانتخابات على أساسه. في الموازاة، شرّع مجلس النواب أبوابه للتشريع الذي سينطلق الأسبوع المقبل، ولكن يغيب عن جدول أعماله مشروع قانون الانتخاب. في وقت أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّه سيدعو الهيئات الناخبة وفق القانون النافذ، وأنه لن يدعو الى أيّ تأجيل تقني للانتخابات «ما لم يوضع قانون جديد».
أطلق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مواقف لافتة عشية اختتام المحطة الاولى من جولته الخارجية. فأكد في مقابلة مع قناة «العربية» أنّ قرار مشاركة بعض الأطراف اللبنانية في الحرب السورية لم يكن «خيار الدولة».

وأنه «ليس مع هذا الخيار». وقال: «أنا كرئيس دولة ليس لي الحق في أن أكون مع أحد ضد أحد، لأنني أمثّل جميع اللبنانيين. واللبنانيون لديهم آراء عدة في هذا الموضوع، وإنّ الحياد الإيجابي هو الموقف السليم».

وفي حديث آخر أدلى به الى قناة «الجزيرة» اعتبر عون «انّ «حزب الله» اصبح منخرطاً في نزاعات المنطقة، كذلك اصبح جزءاً من ازمة اقليمية دولية»، لافتاً الى انّ «معالجة هذا الوضع تفوق قدرةَ لبنان، لانخراط كلّ من اميركا وروسيا وتركيا وايران والسعودية في هذه النزاعات، لذلك، ليس في مقدورنا نحن اليوم ان نكون طرفاً مع احد او طرفاً يناهض بعض الاطراف في سوريا لا سيّما «حزب الله»، لأنه جزء من الشعب اللبناني وهو ملتزم ضمن الاراضي اللبنانية بالأمن والاستقرار الذي شكّل بدايةَ التفاهم بين اللبنانيين». وأكد انّ «ما نقوم به هو تحييد موضوع تدخّل «حزب الله» في سوريا عن الوضع الداخلي اللبناني».

وعمّا اذا كان طرَح هذا الامر في المملكة وفي قطر، لفت الى انّ «هذا الموضوع ليس مطروحاً للنقاش في المرحلة الحالية».

مصادر الوفد

وقالت مصادر في الوفد الذي رافقَ عون لـ«الجمهورية» إنّ ما انجزَته الزيارة كان «اكثرَ ممّا هو متوقع على اكثر من مستوى، وخصوصاً في بعض المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية وتلك المتصلة بحركة سفر الخليجيين والسعوديين والقطريين تحديداً إلى منازلهم وقصورهم في لبنان».

وكشفَت «أنّ فريقاً واكبَ الزيارة سيبدأ من اليوم وضعَ جردةٍ مفصّلة بالعناوين التي تمّ التفاهم في شأنها، كما بالنسبة الى التفاهمات التي نسِجت على اكثر من مستوى حكومي ووزاري، بغيةَ جدوَلتِها في مهلةٍ اقصاها موعد اجتماع مجلس الوزراء منتصفَ الأسبوع المقبل والذي سيُعقد في القصر الجمهوري».

وقالت هذه المصادر «إنّ عون الذي سيتولّى في مستهلّ الجلسة شرحَ النتائج التي افضت اليها زيارته، سيطلب بدايةً إعادةَ تشكيل اللجان المشتركة بين لبنان من جهة وكلّ من المملكة وقطر من جهة أخرى، كلّ في إطار المهمّات الموكلة اليه والتي بنيَت على اساسها التفاهمات المشتركة الإقتصادية والتجارية والمالية وخصوصاً على مستوى العلاقات الإستراتيجية الواجب إحياؤها بين لبنان ودول الخليج العربي من البوابة السعودية تحديداً».

ولفتَت المصادر الى انّ ترجمة ما انتهت إليه القمّتان اللبنانية - السعودية واللبنانيية ـ القطرية، ستحتاج الى بعض الوقت لتظهر الى العلن. فالتفاهمات رسَمت خريطة الطريق الى اكثر من صيغة للتعاون في عدد من المجالات، كذلك بالنسبة الى تعزيز المساعدات التي تصل الى النازحين السوريين مباشرةً من دون العبور بأيّ من المؤسسات اللبنانية الرسمية والتي ستشمل لاحقاً المجتمعات اللبنانية المضيفة للنازحين السوريين للحفاظ على الحدّ الأدنى من الاستقرار الذي اهتزّ تحت وطأة كثافة النزوح السوري في بعض المناطق وكلّفَته على كل المستويات الطبّية والاستشفائية والتربوية والاجتماعية والأمنية.

الحريري مرتاح

وعكسَت أجواء السراي الحكومي ارتياحاً كبيراً لدى رئيس الحكومة سعد الحريري الذي التقى أمس وزير المال علي حسن خليل. وتحدّثت مصادر السراي لـ«الجمهورية» عن «أجواء إيجابية قياساً على ما تبَلّغته من معلومات الوفد الوزاري المرافق لرئيس الجمهورية وما نقِل إليها من أجواء وصلت مباشرةً من الرياض والدوحة نتيجة ما تركته الزيارة الرئاسية من انعكاسات إيجابية على الساحتين الخليجية واللبنانية».

وقالت هذه المصادر «إنّ النتائج نزلت برداً وسلاماً على الحريري الذي أبدى ارتياحه الى الزيارة وما انتهت اليه من ايجابيات يمكن البناء عليها في المستقبل القريب وعلى أكثر من مستوى اقتصادي ومالي واستثماري واجتماعي كما على المستوى الديبلوماسي».

وتوقّفت المصادر عند مضمون مناقشات لقاء القمّة بين عون وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والتي شهدت ما يشجّع على بناء قواعد صلبة للتفاهم والتعاون في المستقبل القريب والبعيد.

«القوات»

في غضون ذلك، أكّد مصدر في «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ زيارة عون للسعودية وقطر «حقّقت أهدافها، لأنّ الأساس يَكمن في مبدأ الزيارة، فيما النتائج تأتي تباعاً، وأمّا محاولات التشويش على هذه الزيارة من باب النتائج الفورية فلا تمرّ على أحد، لأنّ أهميتها تكمن في حصولها وبأبعادها لجهة كونها أولَ زيارة للعهد وتأتي لتدحضَ بالملموس أنّ الرئيس عون في محور 8 آذار، فضلاً عن انه أكد انّ انتخابه يشكّل انتصاراً للمحور اللبناني، وفي اعتبارها تجسّد مضمون «اتفاق الطائف» ومقدّمة الدستور بأنّ «لبنان عربي الهوية والانتماء»، وأنّ الرياض تمثّل الحاضنةَ العربية للبنان».

ورأى المصدر «أنّ النتيجة الأولى والأهمّ للزيارة تكمن في عودة عاملِ الثقة بين البلدين، والكفيلة بفتح كلّ أبواب التعاون، فيما النتيجة الفورية ستكون في عودة السيّاح والمستثمرين ورؤوس الأموال، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على لبنان، خصوصا أنّ الأوضاع السياحية في المنطقة كلها، ويا للأسف، غير آمنة، ما يجعل لبنان قِبلة السياح العرب، ومن هنا أهمّية ترسيخ الاستقرار وتثبيته والحفاظ على الحيوية الوطنية التي ظهرَت مع العهد الجديد وتفعيلها».

«حزب الله»

وفي موازاة طرحِ السؤال؛ إلى أين ستكون وجهة سفر عون التالية بعد السعودية وقطر، وإلى أيّ بلد ومحور؟ وهل إنه سيزور سوريا وإيران، اعتبر «حزب الله»، بلسان نائب امينِه العام الشيخ نعيم قاسم، أنّ «مِن غير الطبيعي أن يأتيَ رئيس جمهورية ولا يَفتح علاقات مع كلّ الدول باستثناء إسرائيل، ومِن حقّه أن يختار أيّ دولة يريد أن يذهب إليها أولًا حسب تقديره للمصلحة».
إلّا انّ قاسم أكد أنّ الحزب عند رأيه «ضدّ مواقف السعودية الخاطئة».

جعجع

أمّا رئيس حزب «القوات» سمير جعجع فشرَح في المقابل سببَ معارضته زيارةَ عون لسوريا، قائلاً: «موقفنا واضح منذ البداية ولا يقبل المساومة أو تدويرَ الزوايا. حالياً نحن لا نعتبر انّ هناك دولة قائمة في سوريا. هناك مجموعات مسلحة، وبشّار الأسد وفريقه يشكّلون جزءاً من هذه المجموعات، ولا تصحّ عليهم تسمية دولة لأنّها لا تملك مقوّمات مفهوم الدولة ومقوّمات الأخلاقية.

والاعتراف بها في الحد الأدنى على المستوى الخارجي غير متوافر أيضاً. من هنا فإنّ تلبية الدعوة إذا وُجّهت لزيارة سوريا غير واردة ومرفوضة، لأنه لا توجد دولة في مفهومها الصحيح». وعن تدخّل «حزب الله» في سوريا، قال جعجع إنّ «الحزب هلّق قاعد كتير عاقِل».

وفي سياق آخر ثمَّن مصدر «قواتي» الدور الوطني لرئيس حزب «الوطنيين الأحرار» دوري شمعون الذي يقارب الأمورَ السياسية من منظار وطني ومبدئي، ويُبدّي باستمرار الاعتبارات الوطنية على الاعتبارات الفئوية والشخصية، وساهم مساهمة فعّالة في الوصول إلى لحظة 14 آذار 2005 متصدّياً لكلّ المحاولات الترهيبية والترغيبية للنظام السوري، كما انّ دوره بعد الخروج السوري من لبنان لا يقلّ أهمّية عن دوره بعد هذا الخروج، والعلاقة التي تربطه بـ«القوات» هي علاقة تاريخية مبنية على ثوابت مشتركة».

المشنوق

بدوره، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق ضمن برنامج «كلام الناس» مع الزميل مارسيل غانم أنّ زيارة السعودية «كانت أكثر من جدية وللمرة الأولى يسمع الخليجيون كلاماً واقعياً ومسؤولاً، بمعنى أنّ الرئيس اللبناني لم يكن يشتكي أو ينقل كلاماً غير واقعي، كما أنّ الملك السعودي أطلق كلاماً مهماً في حضور الرئيس عون وكان عاطفياً ومؤثراً».

واشار المشنوق الى أنّ عون «قال في السعودية على مسؤوليته إنه يضمن عدم قيام «حزب الله» بعمل عسكري في لبنان، وأن قتال الحزب في سوريا خارج إرادة الدولة». وأوضح المشنوق أنّ «الهبة العسكرية السعودية توقّفت لأسباب سياسية وعودة تنفيذها له ثمن سياسي، وعون حمَل على كتفيه أنه يضمن سياسة جديدة في لبنان».

ورداً على سؤال، قال: «بأي حقّ نطلب من المملكة العربية السعودية هبةً ومالاً كأنّه مستحقّ لنا في حين أنّها تُشتم في لبنان كل يوم».

إنتخاب وتشريع

إنتخابياً، أكد عون انّ الانتخابات النيابية المقبلة «ستجرى على اساس قانون جديد»، وشدّد على انّ القانون النسبي يؤمّن تمثيل جميع المواطنين، ومتوقعاً التوصّل الى «تسوية قد لا يكون في إمكانها تحقيق العدالة كاملةً، إلا انّها قد تحقّق حداً كبيراً منها».

برّي

في هذا الوقت، ابدت اوساط عين التينة لـ«الجمهورية» انزعاجها «من مزايدة بعض الاطراف حول الملف الانتخابي، خصوصا انها تزيد التعقيدات وتنفخ الغبار في الأجواء».

ولم يتطرق رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره امس الى الملف الانتخابي، مشيرا الى ان الاهتمام في هذه اللحظة هو لإطلاق ورشة العمل التشريعية والمجلسية التي يفترض انها بدأت، واولى المحطات هي الجلسة التشريعية التي ستعقد ربما الاسبوع المقبل، حيث سيحدد بري موعدها بالتوافق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، لكي لا يتضارب موعد انعقاد هذه الجلسة مع جلسات الحكومة.

وقال: «إن جلسة التشريع هذه منتجة سلفاً، وجدول اعمالها يفوق السبعين مشروع واقتراح قانون». واضاف: «عقدنا اليوم (امس) اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس وعرضنا لكل المشاريع والاقتراحات الموجودة، وكان اجتماعا جيدا حيث لم نردّ اي مشروع، بل تم إدراجها كلها في جدول اعمال الجلسة».

وردّاً على سؤال إذا كانت بنود جدول الأعمال ستتطلّب اكثرَ من جلسة؟ أجاب بري: «توجّهي هو أن أعقد اكثر من جلسة اسبوعياً، وهذه الجلسة هي فاتحة للورشة التشريعية التي آمل في أن تنطلق بفاعلية. لقد تمّ تعطيل المجلس لفترة معينة من غير وجه حقّ، فعلى الأقل الآن ان نعوّض ونعمل لوجه حق».

مكاري

وأعلنَ نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري انّ هيئة مكتب المجلس اقرّت جدول مشاريع واقتراحات القوانين كاملاً وعددُها 46، بالإضافة الى حوالي 24 اقتراح قانون معجّل مكرّر تُطرح في نهاية الجلسة التشريعية.

وإذ اوضَح انّ قانون الانتخاب ليس مدرَجاً على جدول الاعمال، قال: «إذا اردنا ان تُجرى الانتخابات في موعدها المحدد يجب ان يكون القانون على (اساس النظام) الاكثري، ولا اقول (قانون) الستين، ولكن إذا كان القانون يتضمّن النسبية قد نضطرّ الى تأجيل تقني».

وفي حين لفتَ مكاري الى انّ الموازنة لن تناقَش وقد تبَلّغ وأعضاء هيئة مكتب المجلس من بري انّ وزير المال علي حسن خليل رفعَ مشروعها الى مجلس الوزراء، أوضح تكتّل «التغيير والإصلاح» أنّ في متن دعوة الرئيس بري أهمّ قانونَين، وهما الموازنة وقانون الانتخاب، و«سنطالب بأن يكونا على جدول أعمال الجلسات التشريعية المقبلة».