لم يكن ينقص لبنان إلا مصيبة جديدة تهدد سلامة طائراته، وسط كم المشاكل التي يغرق فيها هذا البلد الصغير، من النفايات إلى الوضع المعيشي وصولا إلى موازنة لم تقر منذ أكثر من 10 سنوات!

منذ فترة والأصوات ترتفع على الساحة اللبنانية مطالبة بوقف العمل في مطمر للنفايات "الكوستا برافا" المحاذي لمطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، والوحيد في البلاد، منذرة بكارثة تهدّد سلامة الطيران المدني مع تجمّع الطيور حول المطمر، ما يشكّل خطراً على الطائرات خلال هبوطها وإقلاعها من المطار. فأعداد الطيور، خصوصاً النورس، تتزايد بشكل تصاعدي منذ بدء العمل بالمطمر في نيسان الماضي، مشكّلة خطراً فعلياً على حركة الطائرات، لاسيما أن الاختصاصيين يؤكدون أن هذا النوع من الطيور يصل عرضه عند فتح جناحيه إلى نحو 120 سنتيمتراً، ويحلّق بشكل أفقي، بمعنى أنه لا يغيّر وجهته في حال صادف طائرة، ما يؤدي إلى اصطدامه بها أو دخوله إلى محرّكها.

انتصار للقضاء

وفي حين لم يتناول مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت الأربعاء برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، قضية طيور المطار، أوضح وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس عقب اجتماعه بالحريري، أنه "ستتم زيادة عدد الأجهزة التي تصدر أصواتاً لإبعاد الطيور عن مطار بيروت"، واعداً "باتخاذ كل الإجراءات اللازمة".

القضاء ينصر الناشطين

لكن القضاء اللبناني سابق الممطالة السياسية إلى تحقيق انتصار للناشطين المتابعين للملف، حيث أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا، القاضي حسن حمدان، ليل الأربعاء، قراراً يقضي بوقف نقل النفايات بشكل مؤقت إلى مطمر الكوستا برافا، بانتظار أجوبة كل من وزارتي الصحة والزراعة والمديرية العامة للطيران المدني. وذلك في سياق الدعوى المقامة أمامه من جانب عدد من المحامين لإقفال المطمر الكوستابرافا. كما قرر القاضي حمدان النظر في تمديد قرار الوقف في ضوء الأجوبة المنتظرة، مع إبقاء سائر الأعمال الجارية في المطمر جارية تحت إشراف من ينتدبه وزير البيئة.

أسباب الدعوى

لفت المحامي حسن بزي، الناشط المدني ومنسّق مجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام"، إلى أنه قام سابقاً مع المحاميين هاني الأحمدية وعباس سرور بالتقدّم أمام قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا بدعوى لإقفال مطمر الكوستابرافا، مستندين إلى مخالفة وجود المطمر بالقرب من المطار لاتفاقية برشلونة، وقانون حماية البيئة اللبناني رقم 444/2002، وقانون النظافة العامة الصادر عام 1974، إضافة إلى مخالفته لكافة الاتفاقات الدولية المتعلقة بالطيران المدني التي تمنع إنشاء أي مطمر صحي في مسافة لا تبعد عن المطار نحو 9 آلاف إلى 12 ألف كيلومتر وذلك تبعاً لكل دولة.

كما أشار المحامون الثلاثة في دعواهم المرفوعة ضد شركة "الجهاد للتجارة والمقاولات" الملتزمة بأعمال المطمر واتحاد بلديات الضاحية الجنوبية (الذي ترمى نفاياته في المطمر) إلى الخطر الذي تشكّله الطيور المتجمعة بالقرب من المطمر على سلامة الطيران. كما أكد بزي "أن قاضي الأمور المستعجلة حسن حمدان كان طالب في كانون الأول الماضي الجهات الإدارية الأربع التالية: وزارة الزراعة والبيئة والصحة والمديرية العامة للطيران المدني باتخاذ موقف محدد ونهائي حول طبيعة الضرر للآثار البيئية والأمنية والصحية للمطمر، إلا أنه لغاية تاريخه لم تجب أي إدارة سوى وزارة البيئة".

استنكار لأسلوب الحكومة البدائي

في المقابل، ووسط تلكؤ المسؤولين، انهالت ردود الفعل السلبية على الإجراءات المتبعة من الحكومة بزيادة عدد الأجهزة التي تصدر أصواتاً لإبعاد الطيور عن مطار بيروت، حيث اعتبر الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أنها "أسلوب بدائي" تعتاده طيور النورس سريعاً إذا شعرت بعد مرور أيام أن مصدر الأصوات لا يشكل خطراً عليها.

وفيما يعتبر بعض المسؤولين أن المطمر ليس السبب الرئيسي لوجود الطيور، في إشارة إلى مصب نهر الغدير الملوّث، فإن المراقبين ينفون هذه الفرضية، ويؤكّدون أن المطمر ساهم في تكاثرها بشكل ظاهر للعيان، الأمر الذي أكده المحامي بزّي، قائلاً "إن عدد الطيور تضاعف بنحو 500 ضعف كحد أدنى بعد إقامة المطمر. وإذ يتم طمر النفايات من دون فرز فإن عصارة النفايات شكّلت بقعة كبيرة حول المطمر مساحتها أكثر من 1 كيلومتر مربع، ما يجذب الأسماك التي بدورها تجذب الطيور، حيث تتجمع الأخيرة بكثافة لاصطياد الأسماك، ثم تحتاج بعد التهامها للأسماك إلى استراحة على أقرب برّ وهو مطار بيروت وتحديداً المدرج رقم 21".

 

استباق كارثة جديدة

مطالب المجتمع المدني سبقتها تحرّكات على صعيد المعنيين بسلامة الطيران، منهم نقابة الطيارين اللبنانيين التي حذّرت في نيسان الماضي في كتاب وجّهته إلى المديرية العامة للطيران المدني من إقامة المطمر، إضافة إلى دراسة تفصيلية للمدير العام السابق للطيران المدني حمدي شوق أعقبها بكتاب للمعنيين، شدد فيه على ضرورة تفادي إقامة مطمر بجانب المطار، لأن عملية الطمر تشكّل مع الوقت جبلاً قد يلامس الطائرات ويجذب الكواسر والطيور الجارحة لاسيما النسور والصقور والنوارس، إضافة إلى أن ارتفاع غاز الميثان والحرارة يؤثّران في المولّدات.

وفي الوقت الذي يتخوف الجميع، باستثناء الحكومة على ما يبدو من كارثة محدقة، ينتظر العديد من الناشطين اللبنانيين أن تجد الحكومة وسيلة أنفع من مجرد "آلات صوتية" ومكبرات تعد وسيلة أكثر من بدائية في عصرنا هذا من أجل منع كارثة مأساوية قد تقع في حال ارتطمت طيور بإحدى الطائرات أو دخلت محركها، فعندها أين سيخبئ المسؤولون وجوههم؟!