استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي سماحة الشيخ حسين المصطفى متحدثا حول "الإصلاح الديني في فكر العلامة فضل الله"، وسط حضور ثقافي ونخبوي متميز، وذلك مساء الثلاثاء 9 ربيع الثاني 1438هـ الموافق 10 يناير 2017م. وأدار الندوة الأستاذ عبد الباري الدخيل الذي افتتحها بمقدمة أدبية حول الدور التنويري للشيخ المصطفى وتجربته الفكرية وإصداراته الثقافية المتنوعة منها أدبيات التعايش بين المذاهب، أمهات المؤمنين، وترشيد الخطاب المنبري. وأكد مدير الندوة على دور العلامة فضل الله في ريادة الاتجاه الإصلاحي في الفكر الديني وضرورة قراءة تجربته الثرية بصور متعددة بحيث يمكن تطويرها والاستمرار فيها، كما أشار إلى أهمية الإصلاح الديني باعتباره ضرورة ليست حضارية فقط وانما ملحة لحفظ الدين نفسه.
استهل الشيخ حسين المصطفى حديثه بالإشارة إلى أن العلامة محمد حسين فضل الله مجدد في فكره ومتجدد فيما خلفه من تراث ضخم يستحق البحث والدراسة، فقد تطلع سماحته لتغيير الانسان والمجتمع من خلال رؤيته للدين والتشريع والحياة، ضمن مشروعه الإصلاحي على مستوى الفكر والحركة والمشاريع لصناعة الانسان الذي يمكن أن يبدع ويطور كي تكتمل انسانيته. وفي حديثه عن ضرورة الإصلاح للمجتمعات، أشار المصطفى إلى أن هناك علاقة مشتبكة بين الإصلاح الديني والضروري، وأنه ليس بالضرورة اسقاط التجربة الأوروبية في نزع القداسة عن السلطة الدينية بموضوع الإصلاح الديني، موضحا أن الدين الذي تم خلقه بيننا مختلف عن دين الأنبياء والرسل بسبب ما علق به من مفاهيم مغلوطة.
وأوضح أن الخطاب الإنساني يمثل في جوهره لغة الانسان وليس له قداسة في حد ذاته، حيث أنه ينطلق من مكونات اجتماعية وثقافية، ولذا يلزم نزع القداسة أيضا عن أي خطاب يستخدم ويوظف الدين. ومن ناحية المصطلحات، بين المحاضر أنه لا توجد في الفكر الإسلامي عقدة تجاه المصطلحات – حتى لو كانت وافدة – ما دامت لا تخالف القيم الإنسانية، ولذا فإنه لا يوجد نصا يلزم التعبد لمصطلح خاص، حيث لا تقديس للجمود على مصطلح معين. وشرح في حديثه أن هناك روايات توجه بأن الفهم الواضح للآيات القرآنية الكريمة يتجدد بتجدد العصر وتطور أدواته المعرفية، فالعقل المتحرك يمكنه أن يطور المعنى القرآني – وهو ما يطلق عليه الاستيحاء -، أي أنه يمكن استيحاء مفاهيم وقوانين تشريعية من خلال قراءة الدلالات المتحركة للنصوص.
وأوضح أن عملية الاستيحاء من خلال التقاء المعاني بعضها ببعض، لا يعني مطلقا تكوين فوضى فكرية بل تشكيل رؤية تكاملية مع النفس والآخر. وواصل حديثه بالقول إن من أكثر الأمور صعوبة تجاوز مفاهيم معينة أصبحت راسخة وسائدة، والمطلوب في الإصلاح هو القفز على ما هو سائد وبدهي، ومن هنا فإن قراءة القرآن الكريم ينبغي أن تكون من خلال استنطاق معانيه عبر التدافع المعرفي والقبول بوجود آراء واختلافات فكرية متعددة في المجتمع. وبين أن العملية المعرفية تتطلب وجود آراء متعددة والوقوف الإيجابي بين اتجاهات الاختلاف وتغييب السلطة الفكرية المطلقة. وتناول الشيخ المصطفى في حديثه حول مناهج الإصلاح الديني أن الإنسان له مقاصد ثابتة وأخرى متحركة، وأن العقل والنص يتفقان حول مجموعة القيم الإنسانية العليا ويدعوان لتنزيه وسائل تحقيق هذه القيم عن ظلم الآخرين. وأوضح أن النصوص الدينية وضعت لمخاطبة الانسان ودعوته للخير، وينبغي قراءتها بوعي وفهم الانسان المعاصر المختلف ذهنيا ولغويا عن انسان فترات النزول.
وحول تجربة العلامة فضل الله، ركز الشيخ المصطفى على أنه لم يكن متسرعا في التغيير وإنما كان همه التمهيد للإصلاح، وكان يدعوا الجميع للتفكير معه دون أي املاءات مسبقة ليمهد للإنسان أن يتطور بذاته ودون أي وصاية فكرية عليه. فهو – أي العلامة فضل الله – يرى أن النص جامد والعقل متحرك، وأن الإصلاح يتعلق باستيحاء النصوص كي تواكب حركة وفلسفة وفن وثقافة العصر كي يمكن الوقوف على نقاط الالتقاء مع الآخرين. وأوضح أن البعض يخلط بين سلطة العقل وحجية العقل، مبينا أن كل واحد يملك برهانا لاستشراف صحة منطوق النص الموروث، مفصلا أنه ينبغي الوصول إلى حالة التوازن المعرفي بين العقل والنص باعتبار أن الرسل حجة ظاهرة وأن العقل حجة باطنة.
وبين المحاضر أن العلامة فضل الله يرى ان الشرط الضروري للإصلاح يكون من خلال توسيع ثقافة النص والموروث لتفسيرها بصورة معاصرة ومناسبة للفهم. وردا على من يرى ثبوتية النصوص، يجيب العلامة فضل الله أن النصوص كلمات لها معان وحركات لا تتجمد عند المعنى اللغوي، بل أن هناك ايحاءات للكلمات يمكنها أن تطلق العقل في أجواء معرفية واسعة – أي الذوق المعرفي -، وأن المجتمع لديه الاستعداد والوعي لتوسيع الكلمة في معانيها اللغوية المتعددة. وأوضح الشيخ المصطفى أن مشروع العلامة فضل الله الإصلاحي يشترط لتحقيق الإصلاح إعادة ربط الدين بالإنسان لأن النص الديني موجه للإنسان وكذلك ربط الخطاب الديني المعاصر بالمنهج العلمي المعرفي. وأوضح أن فضل الله حافظ على الأصالة المتبعة لدى كبار العلماء وواجه ميراثا من العشوائيات الفكرية كظواهر متراكمة، معرفا الأصالة بمعنى عدم الخروج على الصحيح من السلف، و"الأخذ بوعي والترك عن دراية".
وبين أن العلامة فضل الله لا يؤمن بالأصالة بمعني التقليد، والمقدس عنده هو الكتاب والسنة، وأن ما خالفهما لا يعتبر سندا مقدسا. وانتقد المصطفى ربط فهم النصوص بالمتخصصين داعيا إلى أنها جاءت لكل الناس، موجها نقده لثقافة التلقين السائدة في مجتمعاتنا ثقافة وسلوكا وتعليما، موضحا أن حيوية اللغة العربية وتعدد احتمالات الفهم تخلقان حوافز داخلية معرفية عميقة. وحول أبرز ملامح المشروع الإصلاحي للعلامة فضل الله، أوجزها الشيخ المصطفى في دعوته لإنزال الفقه للحياة والمواكبة العصرية، والابتعاد عن الوعي الهندسي في فهم النص ليكون مفهوما ومستوعبا اجتماعيا، وتميز فقهه باليسر والحركية عبر إعادة النظر في قراءة الكثير من الأحكام، الاستناد على خبرات أهل الخبرة والاختصاص من أجل تشكيل رؤية واضحة.
في بداية المداخلات، تحدث الأستاذ منصور سلاط مثنيا على تجربة الشيخ المصطفى في دوره التنويري في المجتمع وفي مواجهة ما علق بالفكر الديني من خرافات وما يتطلبه ذلك من جرأة وقدرة، كما أشاد الشيخ حسين القريش بمواقف العلامة فضل الله في عدم الانشغال بالخصوم والمناوئين. وتساءل المحامي خليل الذيابي عن أسباب النزول ودورها في رسم مسار معين للنصوص الدينية، كما طرحت الأستاذة نسيمة السادة تساؤلات حول عمومية الخطاب الديني وضرورة وجود أهل الاختصاص في فهم النصوص.
وطرح الأستاذ محمد المصلي العقبات التي تقف أمام المجددين من قبل التقليدين مستشهدا بتجربته في المجال الفني، وأكد الأستاذ صالح عمير على أهمية دور العلماء التنويريين في طرح أفكارهم في الساحة بصورة متواصلة. كما تساءل الأستاذ علي البحراني حول موقعية اهل الاختصاص في الدين وخاصة أنهم لا يتقبلون الرأي الآخر، وبين الأستاذ علي العيد تجربته في قراءة أفكار العلامة فضل الله وانجذابه لها. وتساءل الأستاذ أحمد الخميس حول موقعية العقل وتوافقه مع النص الديني، واشكالية فهم النص عندما يقرأ من داخل التاريخ. وناقش الأستاذ رياض بو خمسين موضوع موقع بعض العلماء التقليديين الذين وضعوا أنفسهم ضمن دوائر مسلمات ثابتة، وطالب الشيخ محمد العمير بضرورة إعادة قراءة مشروع العلامة فضل الله التجديدي واستمرارية تفعيله في الساحة.
وناقش الأستاذ حسن اليوسف إشكالية استغفار الأنبياء والرسل لآبائهم مع عدم ايمانهم برسالتهم وهي من القضايا التي أوردها العلامة فضل الله في كتبه، وشكرت الأستاذة أفراح كيتي من الكويت المنتدى على الحوارية الهادفة في الندوة وحضورها المتميز. وتساءل الأستاذ غسان الناصر عن الآثار المترتبة لإجهاض المشروع التنويري للعلامة فضل الله، وطرح الأستاذ حسين أبو حسيّن عن رؤية السيد الصدر حول أنواع العقليات السائدة وهي العقلية الرياضية والاجتماعية. وتساءل الأستاذ محمد المسكين حول بعض آراء العلامة فضل الله في الرؤية الفلكية وفي آرائه حول بعض الأحداث التاريخية.
وتمت قبيل الندوة وضمن فقرة الفعاليات المصاحبة، التعريف بلجنة انوار القرآن التي قدمها الأستاذ عبد الله الهمل وتحدث عن أنشطة وفعاليات اللجنة وبرامجها التثقيفية والدورات التأهيلية التي تقدمها للمجتمع حول القرآن الكريم قراءة وتلاوة تجويدا وتدبرا، إضافة لمؤتمرها القرآني السنوي الذي يقام على مستوى الخليج. كما شاركت الفنانة ليلى نصر الله بكلمة حول تجربتها الفنية وأقامت معرضا فنيا للأسبوع الثاني على التوالي في المنتدى متحدثة عن أبعاد التجربة الفنية في حياتها ودورها في صقل تجربتها.
منتدى الثلاثاء الثقافي