صحيح أن العرض الايراني بتسليح الجيش اللبناني لم يكن جديداً ولا جدّياً، إلاّ أن معاودة طرحه عشية زيارة الرئيس ميشال عون للسعودية، أرادت استباق إحياء الهِبَة السعودية المجمّدة للجيش. لكنها بقيت مجرّد محاولة فاشلة للتأثير في أجواء زيارة تعتبر طهران أنها كانت أحقّ بها نظراً الى مساهمتها عبر "حزب الله" في تعطيل انتخاب الرئيس عامين ونصف العام، وفرضها عون مرشحاً وحيداً اضطرّت السعودية أخيراً الى قبوله. غير أن مسألة التسليح الايراني، المتعذّر بحكم قرارات مجلس الأمن، لم تكن هدف زيارة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي، فهو جاء للتباحث مع "حزب الله" في بيروت، ثم مع رأس النظام في دمشق، في صعوبات المرحلة المقبلة في سوريا، إذ تتجه ايران (والنظام والحزب) الى مواجهة مع روسيا (وتركيا) حول إنهاء الصراع في سوريا والشروط المناسبة لطهران.
في تجارب لبنانية سابقة كان أي انفتاح على الخارج، عربياً أو غربياً، وأي زيارة لمسؤول رفيع المستوى، أو أي مساعدة يحصل عليها لبنان بفضل علاقاته وجهوده الخاصة، تواجَه من جانب نظام الوصاية السوري بافتعال أزمات وعراقيل لا تلبث أن تحبط أي نجاح لبناني رغماً عن هيمنته. وكان الرئيس الشهيد رفيق الحريري أكثر المعانين من هذا التخريب المتعمّد حتى عندما حاول، عبر مؤتمرات باريس، جلب مساعدات تنموية للجنوب بُعَيد تحرّره من الاحتلال الاسرائيلي. ومن شأن الرئيس عون أن يتحسّب لانعكاسات مماثلة بعد تخصيصه الزيارة الخارجية الأولى في عهده للسعودية ثم قطر. فقد يكون اطمئنانه الى أن ايران وسوريا النظام تثقان به مراهنة غير مضمونة، لأنه ازاء نظامين لا يثقان إلا بالميليشيات التي تأتمر بتوجيهاتهما.
لم يكن هناك ما يُخشى من السعودية لبنانياً، لا قبل زيارة عون ولا بعدها، وحتى عندما اختارت الانكفاء خلال 2016، وأضرّت بأصدقائها قبل خصومها، كانت تعبّر عن استيائها من هيمنة "حزب الله" وتعطيله للدولة والحكومة، لكنها لم تعمل على مفاقمة الوضع ولم تستخدم لبنان ساحة في الصراع مع ايران. وحين تقول الرياض أنها مستعدة دائماً للمساهمة في أمن البلد واستقراره فإنها لا تسعى الى التحكّم بالبلد بل تتوقّع أن يُحسن الجانب اللبناني استثمار هذه المساهمة، فلا تكون لـ "حزب الله" أو لغيره يدٌ عليا على الدولة. وفي ضوء هذا المفهوم قد تبدّد الزيارة "الالتباسات" (كما وصفها عون) بين البلدَين، من دون أن تبدّد هواجس السعودية التي تتعامل مع واقع وليس مع "التباسات". يرجّح أن تعود المساعدات للدولة والجيش، أما السياحة والاستثمارات فستواكبان التطوّرات. وفي مقابلة مع "الإخبارية السعودية" قال الرئيس عون أنه لا يخشى "فقدان التوازنات" الداخلية، مؤكّداً أنها ستكون "أكثر ثباتاً يوماً بعد يوم". هذا كلام لا يسرّ "حزب الله".
زيارة السعودية وما بعدها
زيارة السعودية وما بعدهاعبد الوهاب بدر خان
NewLebanon
مصدر:
النهار
|
عدد القراء:
1059
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro