وكأنها لم تكن بالأمس جلسة محاكمة إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير في قضية معركة عبرا والإعتداء على الجيش اللبناني، بقدر ما كانت «قصاص» للصحافيين الذي حضروا منذ الصباح إلى بهو المحكمة العسكرية، إلّا ان الجلسة لم تبدأ قبل الواحدة و25 دقيقة ظهراً، لجملة من الأسباب، أبرزها تحليف يمين لضباط من الجيش بصفة خبير حوادث السير. وبعد طول إنتظار أرجأت المحكمة العسكرية الدائمة محاكمة الأسير إلى 28 الشهر المقبل.قرابة الواحدة ظهراً فُتح باب قاعة المحكمة العسكرية الدائمة، ولكن سرعان ما جاءت التعليمات، «الدخول فقط لأهالي شهداء الجيش»، فتمتمت إحداهن: «منيح شفقو علينا من الصبح ع إجرينا واقفين».
في المقابل مدّد الصحافيون والمحامون تأفّفهم لربع ساعة إضافية، «طار نهارنا وما عملنا شي». وعند الواحدة و25 دقيقة دخل الصحافيون وعيونهم تُغربل الحاضرين في القاعة بحثاً عن الأسير، في ما أخذ المحامون أمكنتهم المعتادة بهدوء تام.
بدا الأسير جالساً في المقعد الثالث عن شمال قوس المحكمة، يعتمر قلنسوة بيضاء، يرتدي عباءة بنّية، يضع نظارات طبّية، خلف كادرها الأسود لم تبدُ نظراته أبداً شاردة أو مهمومة، بل عكست باله المرتاح كمن ينام على «حرير» التأجيل، فيما غصّ قفص الإتهام بأكثر من 20 موقوفاً.
في التفاصيل...
إفتتح الجلسة رئيس المحكمة العميد حسين عبدالله، يُعاونه القاضي المدني محمد درباس، وفي حضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة القاضي هاني حلمي الحجّار. «أحمد محمد هلال الأسير الحسيني»، نادى عبدالله، فردّ الأسير: «حاضر»، فبادره العميد: «تفضّل». مَثُل الأسير أمام هيئة المحكمة وهو يشابك أصابع يديه تحت مستوى بطنه الذي بدا منتفخاً.
• عبدالله: «أين هم وكلاء الدفاع عنك؟». (عبد البديع عاكوم، محمد صبلوح، أنطوان نعمة)
• الاسير: «مش موجودين!»
• عبدالله: بعدن ما عم يحضرو؟
• الاسير: «مش قبل البت بالإخبار». (إخبار سبق وتقدم به وكلاء الدفاع، يظهر من أطلق الرصاصة الاولى على الجيش وأدى لوقوع أحداث عبرا).
ثم عاد الاسير أدراجه يتابع مجريات الجلسة. وتوقف عبدالله عند طلب غالبية وكلاء الدفاع، بفصل ملف بقية المدعى عليهم عن دعوى الاسير، نظراً لتمنّع وكلاء الاسير عن حضور الجلسات. فأكّد رد المحكمة الطلب وعدم الفصل في الملف لترابط إفادات المتهمين.
وأرجأ عبدالله الجلسة إلى 28 شباط قبل أن يُمهل هيئة الدفاع عن الاسير للحضور أو ستلجأ المحكمة إلى تطبيق المادة 59 من قانون القضاء العسكري والتي بموجبها تعيِّن المحكمة وكيلاً للأسير أو ان تطلب من نقابة المحامين تأمين محام.
وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» انه سبق لهيئة المحكمة ان أرسلت كتاباً إلى نقابة المحامين في بيروت تضعها في أجواء تمنّع وكلاء الأسير عن حضور الجلسات، من دون أن تلقى جواباً (حتى كتابة هذه السطور).
صبلوح: تعتيم مشبوه
وبعد إرجاء الجلسة، إعتبر المتحدث بإسم هيئة وكلاء الدفاع عن الشيخ احمد الاسير المحامي محمد صبلوح، ان محاكمة الاسير «لا تزال ما قبل
البداية لأنه لم يتم التجاوب معنا في ضوء الإخبار الذي قدّمناه».
وقال لـ«الجمهورية»: «تبلغنا منذ أشهر ان الإخبار أحيل إلى مديرية المخابرات لإجراء التحقيقات، وكلما نسأل عنه أو نحاول الإستفسار نلقى الجواب: «ما في شي، بعدو مجمّد»، وكأن التعتيم مشبوه». وتابع: «الإخبار الثاني مرفق بدليل إعتراف الموقوف علي الجعفيل، انه شارك ومجموعة في القتال في عبرا ضد الاسير بعد تعميم من حزب الله».
وأكّد مواصلتهم مقاطعة حضور الجلسات، قائلاً: «كنا في اجواء رفض المحكمة فصل ملف الأسير عن الملفات، وهذا لا يُبدّل موقفنا في مقاطعة الجلسات إلى حين توفير الاجواء العادلة والشفافة لموكلنا، مع العلم ان 70% من الموقوفين يؤيدون موقفنا ومطالبتنا بإخبار الرصاصة الأولى».
وكان لصبلوح ملاحظة على تطبيق المحكمة للمادة 59، قائلاً: «أولاً تجيز هذه المادة للمحكمة تعيين محام عن الموقوف في ملف الجنح، ولكن في قضية الاسير هناك محام والملف جنايات.
ثانياً في حال الجناية تجيز المادة 59 للمحكمة العسكرية بالطلب من نقابة المحامين في بيروت بتعيين محام بديل، ولكن النقابة، في حال وجود محام أصيل ومعه وكالة، لا يحق لها تعيين بديل، لذا لا نزال في نقطة الصفر». (وبالعودة إلى المادة 59، وجدنا أنها لا تفصل بين جناية أو جنحة).
بيطار: كفى كيدية
أثارت مواصلة هيئة الدفاع عن الاسير مقاطعتها للجلسات، سخط أهالي شهداء الجيش اللبناني في أحداث عبرا. في هذا السياق، إنتقد المحامي الدكتور زياد بيطار وكيل الاهالي الاسلوب الكيدي الذي يتعمّده وكلاء الاسير، «تمارس هيئة الدفاع عن الاسير دورها بصورة كيدية، والتعسف باستعمال الحق وتضليل التحقيق».
وأضاف: «في المادة 551 من اصول المحاكمات الجزائية أعطت حق التوكيل، حق التعويض، «على المحكمة ان تحكم بالتعويض عن كل ضرر ناشئ عن إدّعاء أو دفاع أو دفع يُقصد به الكيد، وهذا ما نواجهه مع هيئة الدفاع عن الأسير».
لتدخُّل النقابة
في موازاة ذلك، إعتبر بيطار «ان حرية المحامي مقدسة بالنسبة إلى نقابة المحامين، وهي غالباً ما تترك له الحرية في اتخاذ المواقف المناسبة، لاسيما إذا اراد المحامي أن يكسب الوقت بهدف الحصول على معلومات اضافية».
واضاف مستدركاً: «لكن يمكن للنقابة ان تتدخل بطريقة معنوية لحسن سير المحاكمة كون المحاماة رسالة سامية تبغي الحق، ويمكن لها ان توجه بعض المساءلة او المساعدة... وربما لحساسية الموضوع لم تتحرك بعد نقابة المحامين».
500 ألف دولار...
ومن ضمن الجلسات الـ13 التي كانت على جدول أعمال المحكمة، إستجوب عبدالله الموقوف محمد عبدالله القطب، الذي نفى إنتمائه لأي حزب أو تنظيم سياسي، او مقاتلته ضد الجيش في عبرا. وقال: «كنت أعمل سائقاً في جمعية خيرية، ومسعفاً متطوعاً.
وتعرفت عبر الفايسبوك إلى شاب إدّعى انه كويتي إسمه فايز البدري، وفي وسعه مساعدتي لتأمين فرصة عمل لي في الكويت، ومع تطور الامور، إشترط عليّ، وقبل توقيع أي عقد عمل، تلبية خدمة له، وهي إيصال مبلغ من المال قدره 500 ألف دولار لجبهة النصرة».
وتابع مجيباً على أسئلة عبدالله المركزة له، «يعني مشيت بالموضوع وما حسبت ممكن تتورّط!». فردّ القطب: «هيدا تعطَّل، (مشيراً إلى عقله) وان فرصة العمل في الخارج أعمت بصيرته».
وتابع مؤكداً انه لم ينضم إلى النصرة، واقتصر دوره على إعطاء الكويتي رقم أحد الشباب،»من خلال فريق إخباري على الواتس آب تعرفت إلى شاب يضع صورة لراية جبهة النصرة فأخذت رقمه وأعطيته للشاب الكويتي، ليتبيّن لي لاحقاً انه ليس بكويتي إنما هو كمين من شباب الأمن العام الذين يتحرّون عن الشباب الملتحقين بالتنظيمات الارهابية»، مؤكدا انه لم يتواصل بعدها مع اي من الجهات.
أما عن طريقة توقيفه، فقال: «علمت ان الأمن العام يبحث عني، هربت بداية إلى منطقة التعمير، خوفاً من إلقاء القبض عليّ أو إتهامي بقضايا لا دخل لي بها، ولكن بعدما تواصلت مع أحد العمداء سلّمت نفسي».