طوت زيارة الرئيس ميشال عون للسعودية الالتباس الذي ساد العلاقات بين بيروت والرياض، منذ أكثر من عام، بسبب مواقف الأخيرة من حزب الله الذي أدرجته على لائحة الارهاب. بزيارته إليها، أعاد عون السعودية الى لبنان بعدما قررت طوعاً مغادرة ما كان يبدو موقعاً وسطياً. وباستقبالها حليف المقاومة، بحفاوة، أكدت الرياض قبولها بالوقائع السياسية المستجدّة في لبنان والمنطقة، والناجمة عن مجريات الميدان السوري وتقدم محور المقاومة على أكثر من جبهة من جبهات المواجهة، حتّى ولو لم «تُقرّش» الزيارة بأكثر من الكلام المعسول الذي سمع منه الوفد اللبناني الكثير... في انتظار أن تؤكد الوقائع العكس.
وفيما نقلت وكالة «فرانس برس»، عن مسؤول لبناني لم تسمّه، أن السعودية قررت إنهاء تجميد المساعدات العسكرية التي رصدتها للبنان، قالت مصادر في الوفد الرسمي لـ «الأخبار» إن الزيارة «أدّت أغراضها وكانت جيدة».. فيما نفت مصادر أخرى أي تحريك لموضوع الهبة، مشيرة الى أن الأمر لا يتعدى إيعاز الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الى المسؤولين السعوديين بمتابعة المواضيع التي أثارها عون، اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وسياحياً، وطلبه الاستمرار في دعم الجيش لمواجهة الإرهاب والتحديات الأمنية الاخرى، ومن ضمن ذلك موضوع المساعدات العسكرية.
وكانت الرياض قد أعلنت تجميد الهبة، وقيمتها ثلاثة مليارات دولار، عقب ما سمّته «مواقف لبنانية معادية على المنابر الدولية والإقليمية»، و«عدم إدانة لبنان الاعتداء على سفارة السعودية في طهران مطلع 2016». وقبل أشهر، أبلغت فرنسا التي كان يفترض أن تزود الجيش اللبناني بالسلاح بأموال السعودية، انتهاء ما يسمى «صفقة الهبة السعودية» كلياً، علماً بأن الضائقة المالية الشديدة التي تعاني منها المملكة تلقي ظلالاً من الشك على إمكان العودة عن قرار تجميد المساعدات.
وأفاد الحساب الرسمي للرئاسة اللبنانية على «تويتر»، أن الملك السعودي شدد خلال المحادثات مع عون على أن «المملكة لا تتدخل في شؤون لبنان وتترك للبنانيين أن يقرروا شؤونهم بأنفسهم». وأكد أن بلاده «ترغب في المحافظة على العلاقات التاريخية مع لبنان وتطويرها»، فيما أكد رئيس الجمهورية أن «ما جمع بين اللبنانيين والسعوديين من علاقات تاريخية سيستمر». كذلك أكد عون خلال احتفال في السفارة اللبنانية أن «الأيام الآتية ستثبت عودة العلاقات الى صفائها ووضوحها»، وأن «لبنان انطلق في وثبة إنمائية وأخرى أمنية مطمئنة للمستقبل».
داخلياً، وفيما حضر قانون الانتخاب في لقاء ثلاثي بين الوزراء نهاد المشنوق وجبران باسيل وعلي حسن خليل في الرياض، على هامش الزيارة الرئاسية، أشارت مصادر مطلعة في بيروت الى أن النقاش الاساسي يجري حول مشروع المختلط الذي تقدم به الرئيس نبيه بري (٦٤ مقعداً على أساس نسبي و٦٤ على أساس أكثري). وفي وقت النقاشات الضائع، يلعب تيار المستقبل والحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية على وتر تطيير النسبية الكاملة أو الجزئية واستبدالها بـ»قانونهم» المختلط الذي يفتقر الى وحدة المعايير في تقسيم الدوائر بما يتناسب ومصالح الأحزاب الثلاثة. في هذا السياق، أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أمس، «عدم القبول بأي قانون انتخابي لا يرضى به الحزب التقدمي الاشتراكي». ولاقاه تيار المستقبل عبر تأكيده إثر الاجتماع الأسبوعي لكتلته «ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها على أساس القانون المختلط المستند الى النظامين الأكثري والنسبي، وذلك وفق الصيغة التي تقدمت بها الكتلة بالاشتراك مع اللقاء الديمقراطي والقوات اللبنانية». بدوره، لاقى الحريري جعجع في طمأنة جنبلاط، متفهماً «هاجسه كونه جزءاً من المكوّن الوطني ويمثل الدروز. فالهدف من التوافق أن نريح جميع الطوائف لا أن نثير هواجسها. وليد بك لديه وجهة نظره، وهو منفتح على الحوار، وأنا معه في هذا الأمر».

 

 

على الضفة الاشتراكية، سجلت مصادر جنبلاط ارتياحه لموقف القوات ووصفت كلام جعجع بـ»الجيّد». كذلك نقلت عنه ارتياحه أيضاً لمواقف القوى كافة في ما خصّ «رفض النسبية، خصوصاً بعد طمأنه حزب الله له». ففي رأي جنبلاط، كما نقلت المصادر، «أن كلاً من تيار المستقبل والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحركة أمل وحزب الله يسعى الى تعزيز وضعه داخل بيئته، فلماذا يصبح الأمر مرفوضاً حين يصل الدور إلى وليد جنبلاط ليُحافظ على وجوده وكتلته؟». وأكدت المصادر أن لا مسودة قانون انتخابي ينطلق منها الاشتراكي لبحث قانون جديد، «فحتى الساعة لا يوجد سوى قانون ٢٠٠٨ ونحن نسمع الجميع، في انتظار الاجتماع التقني الجديد مع الوزير علي حسن خليل حتى نستفهم منه حول قانون التأهيل الذي طرحه بري». وللاشتراكي ثوابته ودوائره التي يرغب في عدم المسّ بها، ومن بينها «دائرة الشوف وعاليه، إذ نفضّل أن يبقى انتخاب مقاعد هذه الدائرة على الأساس الأكثري، لأنها أساس التمثيل والوجود الدرزي، والتي نتشارك فيها مع الطوائف الأخرى».