أحيت قمّة الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس ميشال عون، جذوة العلاقات اللبنانية – السعودية التاريخية، ويمكن وصف هذه القمة التي بدأت موسعة في حضور الوفد الوزاري اللبناني المرافق ونظرائهم السعوديين، وانتهت بخلوة دامت نصف ساعة، بالحدث التاريخي والاستراتيجي في منطقة تعصف بها الاحداث والخلافات، وتبنى فيها السياسات بقوة الحديد والنار.
واختصر الرئيس عون ما دار من محادثات مع الملك سلمان، وما يمكن أن ينجم عنها، بأنها كانت «مطابقة لكل توقعاته»، في حين أكّد الرئيس سعد الحريري ان الاساس هو ما دار في اللقاء بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس عون، مضيفاً «ستلمسون انفتاحاً كبيراً في العلاقات وعودة السياحة والاستثمارات السعودية الى لبنان، وكل ما يساهم في النهوض الاقتصادي الذي تعمل عليه الحكومة»، كاشفاً أن «الرؤية الاقتصادية لحكومته ستنطلق من تشكيل لجنة وزارية تعمل على مبادرات وإجراءات وحوافز لتشجيع الاستثمارات وتأسيس الشركات ومواجهة الإفلاس وتخفيض الرسوم البلدية وتنشيط الاقتصاد وتعميم المكننة، ورفع يد السياسة عن القضاء، وذلك لمحاربة الفساد».
وكشف مصدر في الوفد اللبناني أن هناك «تغييراً فعلياً، ولكن متى وكيف؟ علينا أن ننتظر لنرى»، مؤكداً أن «صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين فتحت من جديد».
وقال المسؤول اللبناني الذي امتنع عن كشف هويته لوكالة «فرانس برس» أن «ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الامير محمّد بن سلمان سيبحث مع نظيره اللبناني (الوزير يعقوب الصراف) سبل إعادة العمل بالمساعدة العسكرية السعودية للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار، والتي كانت جمدت في شباط الماضي، اي قبل اقل من سنة، على خلفية ما اعتبر انها «مواقف عدائية تسبّب بها حزب الله».
وبصرف النظر عن اللغط حول ما إذا كان قرار التجميد «قد انتهى أم لا»، فان ما سمعه الرئيس عون من الملك السعودي يُؤكّد على أن وجهة العلاقات اللبنانية – السعودية ستكون ايجابية وفعالة بما يطمئن إلى متانة هذه العلاقات وديمومتها.
وتبعاً لمصدر لبناني، فان خادم الحرمين شدّد امام رئيس الجمهورية على أن «الثقة بالرئيس العماد ميشال عون كبيرة»، وانه «سيقود لبنان إلى بر الأمان والاستقرار»، مؤكداً أن «لا بديل عن لبنان»، وان السعودية ترغب «بالمحافظة على العلاقات التاريخية مع لبنان وتطويرها».
وفي ما خص القمة، ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن جلسة المحادثات الرسمية التي عقدها الملك سلمان مع الرئيس عون «جرى خلالها استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، وتطورات الأحداث في الساحتين العربية والدولية».
وكشفت الوكالة أن من بين المسؤولين السعوديين الذين حضروا جلسة المحادثات أمير منطقة الرياض فيصل بن بندر بن عبدالعزيز والأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني، وعضو مجلس الوزراء الدكتور ابراهيم العساف (الوزير المرافق للرئيس عون) ووزراء الخارجية عادل الجبير والإعلام عادل بن زيد الطريفي، والمالية محمد بن عبدالله الجدعان وشؤون الخليج العربي ثامر السبهان والقائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت وليد بن عبدالله بخاري.
وأضافت الوكالة انه حضر عن الجانب اللبناني وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل والتربية والتعليم مروان حمادة والمالية علي حسن خليل والدفاع يعقوب الصرّاف، والداخلية نهاد المشنوق وشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول والاعلام ملحم رياشي والاقتصاد رائد خوري وسفير لبنان لدى المملكة عبدالستار عيسى.
وخلال الجلسة، أكّد الملك سلمان أن «المملكة لا تتدخل في شؤون لبنان، وتترك للبنانيين أن يقرروا شؤونهم بأنفسهم، وانه أوعز إلى المسؤولين في المملكة درس المواضيع التي أثارها الرئيس عون اقتصادياً وامنياً وعسكرياً وسياحياً، وتبادل الزيارات مع نظرائهم اللبنانيين، وكذلك المواطنين السعوديين الذين يكنون محبة خاصة للبنان».
اما الرئيس عون، فأكد خلال جلسة المباحثات، أن ما يجمع اللبنانيين والسعوديين من علاقات تاريخية سيستمر، وانه زيارته للمملكة تؤكد على هذا الأمر. وعرض ما تحقق على صعيد تعزيز التوافق الوطني بعد الانتخابات الرئاسية والاستقرار السياسي ومعالجة كل النقاط التي تحقق مصلحة اللبنانيين.
وفي حفل استقبال على شرف الرئيس عون أقامه السفير عيسى للجالية اللبنانية، طمأن رئيس الجمهورية أن الأيام الآتية ستثبت عودة العلاقات اللبنانية – السعودية إلى صفائها ووضوحها، وان لبنان بأمان وبدأ مرحلة تحمل معها قرارات لمصلحة الوطن والمواطن، متمنياً لأبناء الجالية العودة إلى ربوع لبنان لزيارته.
وكشفت محطة O.T.V أن الرئيس عون قال في أحاديث صحفية، أن اي ملف خلافي لم يثر خلال الزيارة، وأن الملك أعطى توجيهاته لتلبية المطالب اللبنانية كاملة.
وأشارت المحطة إلى أن اللقاء مع الملك تناول مسألتين اساسيتين هما: العيش المشترك والأمن.
ونوهت بأن المحادثات تناولت ملفات التبادل التجاري وانتقال الأشخاص والبضائع وحركة الطيران والتمثيل الدبلوماسي على أعلى المستويات بين البلدين، فضلاً عن التعاون في مجالات مكافحة الارهاب ودعم لبنان امنياً وعسكرياً.
وأشارت المحطة في نشرتها المسائية إلى اتخاذ السعودية «قراراً بوقف تجميد المساعدات العسكرية للبنان»، واستنتجت أن هذا يعني عملياً عودة الحياة إلى الهبة العسكرية المخصصة للجيش.
الا أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ركز خلال اللقاء مع نظيره باسيل على ان يكون لبنان خالياً من التدخلات الأجنبية.
وينتقل الرئيس عون إلى قطر اليوم تلبية لدعوة رسمية من اميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
مجلس الوزراء
ويعقد مجلس الوزراء جلسته الأسبوعية في السراي الكبير، لمتابعة درس ملف النفط من زاوية ورقة العمل التي اعدها الوزيران خليل وسيزار أبي خليل الذي يُشارك اليوم في الجلسة، في حين ان وزير المال سيكون مع رئيس الجمهورية في قطر.
وأوضحت مصادر وزارية أن ملف النفط الذي سيطرح اليوم في الجلسة تقني بحت، ويختص بالنظام المالي لهيئة قطاع النفط، ولا علاقة له لا بالصندوق السيادي، ولا بالشركة الوطنية.
واستبعدت المصادر احتمال طرح مواضيع من خارج جدول الأعمال الذي يتضمن 11 بنداً، الا إذا أراد الوزراء إثارة بعض القضايا المتصلة بوزاراتهم، لا سيما على صعيد الاتصالات الذي اثير بقوة في اجتماع لجنة الاعلام والاتصالات النيابية، لناحية ملف الانترنيت والتخابر غير الشرعي، حيث كشف النائب حسن فضل الله انه تمّ الادعاء على 12 شخصاً بتهمة تسهيل استيراد معدات لاستجرار الانترنيت غير الشرعي، وبعض هؤلاء من الجمارك. كما كشف عن تجهيزات اشترتها الدولة بقيمة 6 ملايين و700 ألف دولار موجودة في المخازن ولم تستخدم حتى الآن.
قانون الانتخاب
في هذا الوقت، بقي قانون الانتخاب في الواجهة، فهو حضر خلال اللقاء الثلاثي الذي عقد بين الوزراء: باسيل وخليل والمشنوق، والذي انضم اليه الوزير حمادة لاحقاً، وهو تناول مقاربة لمشروع قانون انتخاب يوفق بين متطلبات التمثيل والحفاظ على الخصوصيات الطائفية.
وفي بيروت، كان الأبرز تأكيد الرئيس الحريري الالتزام باجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ولكنه قال أن التزامنا الأكبر هو الوصول إلى قانون جديد للانتخابات.
وفي ما خص النسبية، أشار إلى انها تحظى بدعم الكثير من القوى السياسية، وأنا أضيف إليها «الكوتا» النسائية.
وقال أن هدفنا من التوافق أن نريح جميع الطوائف لا أن نثير هواجسها، فوليد بك جنبلاط لديه وجهة نظره، وهو منفتح على الحوار، وأنا اؤيده في هذا الأمر.
على أن التناغم الذي توقفت عنده الأوساط السياسية، كان في تغريدة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي أكّد انه لن يقبل بأي قانون انتخاب لا يرضى به الحزب التقدمي الاشتراكي.
ولم يكتف جعجع بهذه التغريدة، بل اعقبها باتصال اجرته النائب ستريدا جعجع بجنبلاط ونقلت إليه موقف جعجع نفسه، فشكرها الزعيم الدرزي مؤكداً استمرار التشاور والتنسيق في المرحلة المقبلة.
وعزت أوساط قواتية إصرار جعجع على إيصال الرسالة إلى كليمنصو والتي استفزت الوزير السابق وئام وهّاب الى كونه لمس أن جنبلاط يعتبر نفسه مستهدفاً من قانون الانتخاب، في حين القوات الحريصة على الميثاق والدستور لا تقبل المس به ولن تقبل الا بقانون يطمئن جميع المكونات في لبنان.