إنشدّت الأنظار إلى جلسة المحادثات الرسمية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة بالرياض، التي تناولت عدداً من المواضيع ذات الاهتمام المشترك والأوضاع الإقليمية. إلّا أنّ هذه القمة الثنائية البنانية - السعودية الواعدة التي دامت نصف ساعة قبل أن تتوسع، لم تحجب الاهتمام الداخلي بالملف الانتخابي المتعرّج مع اقتراب تساقطِ المهل من دون تسجيل أيّ إيجابية بعد في شأنه، وكذلك بالملف الأمني الذي يبقى في صدارة الأولويات الداخلية، مع اكتشاف مزيد من الخلايا الإرهابية التي تُحضّر لعمليات إرهابية في بعض المناطق اللبنانية بغية إرباك الساحة الداخلية وإيقاع عدد أكبر من الضحايا في صفوف المدنيين.
فزيارة عون للسعودية، في نظر المراقبين، كانت ضرورية لخلق توازن سياسي، لا بل وطني، على الساحة اللبنانية التي عرفت حضوراً للمحور الايراني ـ السوري في الفترات الاخيرة. وواضح انّ المسؤولين السعوديين ادركوا ابعاد هذه الزيارة فأحاطوا الرئيس اللبناني والوفد المرافق بحفاوة خاصة.

وقالت مصادر رافقَت الزيارة لـ«الجمهورية» إن المملكة العربية السعودية «عازمة على دعم الاقتصاد اللبناني والقوى العسكرية والامنية اللبنانية في المرحلة المقبلة».

وأضافت «انّ الطرفين اللبناني والسعودي حرصا على ان لا ترتبط نتائج الزيارة حصراً بعودة الهبة السعودية مباشرةً، بل ان يأتي ذلك في سياق تطور العلاقات في الاشهر المقبلة.

ولكنّ الواقع انّ السعودية عدّلت في موقفها حيال لبنان، فانتقلت سياستها من سياسة التجميد الى سياسة التسهيل.

ولوحِظ انّه لم يصدر بعدَ الزيارة بيان مشترك يتضمن عادةً ثلاثة امور:

-1 العلاقات الثنائية.
-2 موقف الدولتين من قضايا المنطقة والعالم.
-3 التبادل الاقتصادي.


وإذ سجّلت المصادر «غيابَ ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان، وهو الرجل القوي حالياً»، عن المحادثات، فسّر متابعون للزيارة بأنّ عدم وجوده يعطي المسؤولين السعوديين فرصةً لتقدير مصير عدد من الملفات بين لبنان والسعودية.

وطرَح مراقبون أسئلة عدة حول الزيارة، منها:

-1 هل إنّ السعودية ستقدّم ورقة عودة المساعدات لرئيس الجمهورية أم لرئيس الحكومة؟
-2 هل سيعلَن عن هذا الامر بعد مغادرة عون الرياض، أم إثر زيارة مسؤول سعودي كبير للبنان في المرحلة المقبلة؟


وقالت مصادر قريبة من الوفد اللبناني لـ«الجمهورية» انّه «إذا كانت المحادثات بين الملك والرئيس قد اتّسمت بالعموميات، كما تجري العادة، فإنّ وزير الخارجية عادل الجبير كان واضحاً حيال القضايا التي ازعجَت ولا تزال تزعج السعودية على الساحة اللبنانية، وهو ما عبّر عنه بطريقة ديبلوماسية امام نظيره اللبناني جبران باسيل، فقال: «نعتقد انّ لبنان تجاوَز مرحلة صعبة عندما تمّ انتخاب رئيس وتمّ تشكيل حكومة جديدة.

ونتمنّى كلّ الخير للبنان ونسعى لأن يكون مستقلاً وخالياً من التدخلات الاجنبية، وأن تكون وحدته وأمنه واستقراره اموراً تهمّ اللبنانيين والعربَ بأجمعهم، وتهمّ المملكة العربية بالذات».

الى ذلك، لاحظ المراقبون تضارباً في المواقف من الهبة العسكرية، ففيما اعتبرت مصادر الوفد اللبناني انّها اعيدَت، قالت مصادر اخرى انّ تجميدها رفِع، فيما اكّد آخرون انّه لم يصدر شيء حول هذا الامر.

وكان الملك سلمان قد جدّد وقوف بلاده الى جانب لبنان، وأبدى سعادته بعودة الاوضاع الطبيعية اليه، مؤكّداً ان لا بديل عن لبنان، ورغبة المملكة في المحافظة على العلاقة التاريخية معه وتطويرها. ولفتَ الى انّها لا تتدخل في شؤونه، و«تترك للبنانيين ان يقرّروا شؤونهم بأنفسهم».

وأوعز الملك سلمان خلال المحادثات الموسّعة بين الجانبين اللبناني والسعودي وخلوته مع عون، الى المسؤولين السعوديين تبادل الزيارات مع نظرائهم اللبنانيين، وكذلك المواطنين السعوديين، وأعطاهم تعليماته لدرس المواضيع التي اثارَها رئيس الجمهورية اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وسياحياً.

وشدّد على «انّ لبنان يجب ان يبقى رمزَ التعايش الطائفي، لأنّ ذلك اساس استقراره، وأنّه مهما حصل من خلافات بين اللبنانيين، فهم يعودون ويلتقون». وقال إنّ السعودية «لا تفرّق بين لبناني وآخر، ويهمّها استقرار لبنان وأمنه، كما استقرار كلّ الدول العربية».

عون

من جهته، ابدى عون حرصَه على تفعيل العلاقات اللبنانية- السعودية وتطويرها وإعادتها الى ما كانت عليه متينةً وقوية، واعتبر «انّ ما يَجمع بين اللبنانيين والسعوديين من علاقات تاريخية سيستمرّ»، وقال: «ما زيارتنا الى السعودية إلا للتأكيد على ذلك».

وذكرَت معلومات رسمية لبنانية «أنّ عون طلب «الاستمرار في دعم الجيش لمواجهة الارهاب والتحديات الامنية الاخرى، ومن ضمن ذلك موضوع الهبة». وأشارت الى انّ الملك السعودي «طلب متابعةَ هذا الموضوع مع الوزراء المختصين لمعالجته». وذكرَت انّه كان متجاوباً «بالنسبة الى التمثيل الديبلوماسي وحرصَ على التشديد على دعمِ لبنان ومساعدته في كل النقاط التي أثارَها عون».

وقالت انّ رئيس الجمهورية وضع مع الملك سلمان «أسسَ معالجة المواضيع التي أثارها، وعلى الوزراء متابعة الموضوع مع نظرائهم بإيجابية مطلقة. ووجّه عون دعوةً للملك سلمان لزيارة لبنان، كما أنّ موضوع الطيران السعودي ستكون له معالجة إيجابية. واعتبر أنّ «صفحة جديدة من العلاقات اللبنانية ـ السعودية فتِحت، وانّها عادت الى طبيعتها، وما سمعه من الملك سلمان يؤكّد ذلك».

الحريري

ونوّه رئيس الحكومة سعد الحريري امام مجلس نقابة الصحافة بكلام عون إلى «الإخبارية» السعودية، واعتبر «انّ الاساس هو اللقاء بين خادم الحرمين الشريفين وفخامة الرئيس، وستَلمسون انفتاحاً كبيرا في العلاقات وعودة السياحة والاستثمارات السعودية الى لبنان، وكلّ ما يساهم في النهوض الاقتصادي الذي تعمل عليه حكومتُنا».

شبكات إرهابية... تابع

أمنياً، وفي عملية دقيقة نفّذتها، تمكّنت عناصر مخابرات الجيش في الساعات الـ 72 الماضية من توقيف إرهابي خطير في طرابلس، يدعى مصطفى نور الدين الصهيوني وسَوقه الى التحقيق. وتزامنَ ذلك مع إمساك المخابرات بإرهابي خطير آخر ينتمي الى تنظيم «داعش» أيضاً ويدعى حسن الحجيري الذي اعترفَ بالاشتراك في عمليات إرهابية ضد وحدات الجيش وزرع عبوات ناسفة في أمكنة عدة.

مصادر أمنية

وكشَفت مصادر امنية موثوقة لـ«الجمهورية» انّ «الصهيوني ينتمي الى جماعة شادي المولوي المتواري في مخيّم عين الحلوة، وهو ينتمي الى ذات الشبكة الإرهابية التي تمكّنت مخابرات الجيش من توقيف احد عشر عنصراً من افرادها في عملية مركّبة نفّذتها في طرابلس واستمرت ما بين 23 و 29 كانون الأول الماضي، وجنّبت لبنان كارثةً كبيرة كانت هذه الشبكة في صدد تنفيذها قبل عشرة أيام.

وبحسب المصادر فإنّ اعترافات افراد المجموعة الذين أُحيلوا الى القضاء العسكري، بيّنت انّ الشبكة يديرها المولوي مباشرة عبر غرفة عمليات له داخل مخيم عين الحلوة، ويعمل من خلالها على استقطاب المتشددين وتحديد الأهداف وتأمين المواد والأسلحة لتنفيذ المهمات.

ويترأس هذه الشبكة عمر احمد الصهيوني وتضمّ نجلَه علي وشقيقه بلال وعديله ايمن محمد مطر، وابنَ شقيقته رائد فواز مرعب، وكلّاً من: وليد محمد فاطمة، وسيم خالد الحلوة، محمد عبد الرزاق محمد، عصام احمد حلواني، عبد القادر محمد بلح ومصطفى خالد الصهيوني.

وأشارت المصادر الامنية الى «انّ القبض على هؤلاء تمّ قبَيل فترة وجيزة من قيامهم بتنفيذ عملياتهم الارهابية، حيث انّ هذه الشبكة كانت قد أنجزت التحضيرات للقيام بعمليات متتالية ومتزامنة وشديدة الخطورة في اكثر من مكان، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية، إضافةً الى محاولة اغتيال عسكريين ومدنيين.

وحسب الاعترافات كانت الشبكة في صدد تنفيذِ عملية ضخمة في الضاحية عبر إرسال اربع سيارات مفخّخة إليها وخصوصا الى المناطق المكتظة بالسكان، وبالتزامن مع انتحاري بحزام ناسف كان قد جهّزه المولوي لتنفيذ عملية انتحارية.

والهدف الأساس من هذه العمليات هو إيقاع اكبر عدد من القتلى، على ان تتزامن مع محاولة اغتيال ضابط كبير في الجيش اللبناني ما يزال في الخدمة الفعلية، وكذلك اغتيال ضابط متقاعد برتبة عميد في منطقة الشمال ينتمي الى تيار سياسي بارز، وأيضاً اغتيال شخصيات مدنية مناوئة لخط المجموعات الإرهابية وخصوصاً في منطقة الشمال.

وتأتي هذه العمليات في السياق ذاته الذي كان يحضّر له الإرهابي عماد ياسين قبل وقوعه في قبضة مخابرات الجيش، حيث كان قد اعدّ العدة لتفجير ضخم في «سوق الاثنين» في مدينة النبطية، وكذلك تفجير مصفاة الزهراني ومعمل الجية الحراري، وذلك بتوجيه مباشر للارهابي ياسين بواسطة مسؤول العلاقلات الخارجية في «داعش» المدعو أبو خالد العراقي.

علماً انّ ياسين ادلى باعترافات اكثر خطورةً، بالإضافة الى اعترافات حول عشقِه شخصياً وتلذّذِه بالقتل خنقاً لمن يقع في قبضته، وهو قتَل عدداً من الأشخاص بهذه الطريقة.

المخيّم بؤرة إرهاب

وقد أعادت هذه العمليات الوضعَ في مخيم عين الحلوة الى مشرحةِ البحث الجدي، خصوصاً مع تحوّلِه ملاذاً للإرهابيين الخطيرين. وهو امرٌ كان محلّ بحثٍ في الفترة الأخيرة على اكثر من مستوى لبناني وفلسطيني سعياً لتفكيك العبوة الناسفة التي تهدّد البلد والمزروعة في المخيم من خلال وجود كمٍّ كبير من الإرهابيين الخطيرين فيه، والذين يتّخذون منه غرفة عمليات للقيام بأعمال إرهابية في سائر المناطق اللبنانية.

وأخطرهم الإرهابي الفار شادي المولوي الذي اكّدت مصادر امنية موثوقة انه يعمل بحرية تامة داخل المخيم ويَحظى برعاية جهات فلسطينية مرتبطة بالمجموعات الإرهابية التابعة لبلال بدر وجمال رميض فارس وهلال هلال وغيرهم.

وقالت المصادر الامنية «انّ الوضع داخل المخيم في ظل وجود العناصر الإرهابية الخطيرة لم يعد يُحتمل، والمسؤولية لا تقع على الجانب اللبناني لتنظيفه من هذه العناصر، بل على الفصائل الفلسطينية قبل أيّ طرف آخر لإطفاء فتيل الإرهاب الذي يشكله هؤلاء ويهدّد بإشعال المخيم وسائر المناطق اللبنانية، إذ ليس هناك ما يبرّر على الاطلاق التغاضي عن هؤلاء او تأمين البيئة الحاضنة والحامية لهم بكل ما تشكّل من خطر على الجميع، وهذا يفترض على الفصائل الفلسطينية التعاطي الصادق الجدّي مع هذه المسألة، والاقتناع بأنّ وجود هذه العناصر في المخيم يشكّل خطراً كبيرا على الجميع، ويمثّل برميلَ بارود قابل للانفجار في أيّ لحظة. وبدلاً من ان يبقى عاصمةً للشتات الفلسطيني، تحوّلَ بوجود الإرهابيين فيه بؤرةَ إرهاب ومصنعاً للانتحاريين.

وعلمت «الجمهورية» انّ اتصالات لبنانية ـ فلسطينية جرَت أخيراً لدرس الوضع الخطير في مخيم عين الحلوة والتهديد الذي يشكّله الارهابيون عليه وعلى الجوار وسائر المناطق. وألقى الجانب اللبناني المسؤولية على الجانب الفلسطيني، وخصوصاً على الفصائل داخل عين الحلوة، وكذلك على السلطة الفلسطينية.

وأملت مصادر معنية «في ان يكون ملفّ مخيم عين الحلوة بنداً أساساً على جدول الاعمال الفلسطيني في مناسبة انعقاد اللجنة التحضيرية في لبنان تمهيداً لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، واتّخاذ ما يمكن لنزعِ فتيل الإرهاب من داخله وتجنيبه، كما سائر المناطق، خطرَ الإرهاب».

وقالت: «هنا المبادرة في يد الفصائل الفلسطينية في داخل المخيم وخارجه،لعدمِ إبقائه حاضنةً للإرهابيين والخارجين على القانون. والمطلوب الاستعجال قبل فوات الأوان، وقبل ان يستفحل هذا الإرهاب اكثر ويطاولَ خطرُه الجميع بلا استثناء».

قانون الانتخاب

من جهة ثانية، ظلّ ملف قانون الانتخاب العتيد محورَ المتابعة والبحث في مختلف الاوساط السياسية، فيما يبدو الافق غيرَ واضح حول ما سيكون عليه مصير هذا الملف.

وفي هذا السياق قال الرئيس نجيب ميقاتي لـ«الجمهورية»: «إنّ الإبقاء على قانون الستين، في حال حصوله، سيكون ثغرةً كبيرة في مسيرة عهد الرئيس ميشال عون، خصوصاً انه نادى ولا يزال ينادي بالتغيير والاصلاح وبإقرار قانون انتخاب عصري، ولكن يبدو انه وصَل الى الرئاسة ودخلَ في تفاهمات وتسويات وسيَقبل بالإبقاء على قانون الستين، وهذا القبول إذا حصل سيكون هفوةً بل ثغرةً كبرى في عهده، خصوصاً انّه كان قد التزم في خطاب القسم بإقرار «قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل قبل موعد الانتخابات المقبلة».

وشدّد ميقاتي على وجوب إقرار قانون انتخابي جديد، مذكّراً بأنّ حكومته كانت قد أقرّت قانون انتخاب يعتمد النسبية الكاملة على اساس لبنان 13 دائرة انتخابية، وأحالته الى المجلس النيابي في حينه، «وأعتبره القانون الافضل».

الحريري

وكان الحريري قد أكد التزامَه إجراءَ الانتخابات في موعدها المحدّد، «ولكنّ التزامنا الاكبر هو الوصول الى قانون جديد للانتخابات». وتوقّف عند هواجس النائب وليد جنبلاط، وقال: «وليد بك عنده هاجس اساسي، وهو جزء من المكوّن الوطني ويمثّل الدروز، وهدفُنا من التوافق ان نريحَ جميع الطوائف، لا ان نثيرَ هواجسَها. وليد بك لديه وجهة نظرِه وهو منفتح على الحوار، وأنا معه في هذا الامر».

في هذا الوقت غرّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عبر «تويتر» قائلاً:» لن نقبل بأيّ قانون انتخاب جديد لا يَرضى به الحزب التقدمي الاشتراكي».

ولاحقاً نقَلت النائب ستريدا جعجع هاتفياً إلى جنبلاط، موقفَ جعجع، فشكرَها مؤكداً استمرارَ التشاور والتنسيق في المرحلة المقبلة.