فهي تأتي بعد معادلة سياسية كرست ما بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في 2011 ومن الرابية بالتحديد وهي رسالة مباشرة كانت للسعودية ترتب عليها شبه قطيعة بين الطرفين.
حينها لم تهضم السعودية الخطوة العونية التي تخطت الحدود الحمراء وتعاملت معها برفض قاطع لوصول ميشال عون للرئاسة وهو الموقف الذي تمسك به وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل وذكره عون فيما بعد في أكثر من مقابلة ما أخر حلم الجنرال لأكثر من سنتين ونصف.
الأزمة السورية:
ترافق هذا الموقف مع إندلاع الأحداث في سوريا في 2011 والتي بدأت بتظاهرات سلمية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وتحولت إلى بعد عسكري وطني مثله الجيش السوري الحر قبل أن تدخل الأطراف الجهادية المتطرفة على خط الثورة وتتحول إلى حرب أهلية ومذهبية.
كان عنوان الأزمة السورية على عدة مراحل ينحو صوب التهديد الوجودي للأقليات وهي دعاية عمل عليها النظام السوري بقوة من أجل زرع الخوف لدى الأقليات وخصوصا المسيحيين.
وفي هذا الصراع كان ميشال عون إلى جانب النظام السوري ولو بإستحياء كتكريس لحلف الأقليات في المنطقة، وكان " العدو " المفترض لهذا الحلف هو المملكة العربية السعودية، فتكرست القطيعة التي كادت تصل حد العداء حتى حصلت التسوية الرئاسية التي قادها سعد الحريري وأوصلت عون إلى بعبدا وإشترطت السعودية إرتفاع فرص نجاحها لكي تدعمها وهذا ما حصل لاحقا من خلال الذهاب إلى الأخير في دعمها للمبادرة بعد أن شعرت بجدية وصول عون وأرسلت موفد سعودي للتهنئة.
إقرأ أيضا : الزيارة الرئاسية إلى السعودية تثبيت خيارات الدولة اللبنانية
ماذا تعني الزيارة ؟
بعد إنتخاب عون تحول فريقه وحتى سياسته العامة من كونه طرف إلى كونه حاكم يريد إسترضاء الجميع وخلق توازنات في البلد يشكل هو بيضة القبان فيها.
لذلك لم يعد عون بإستطاعته أن يعادي السعودية ولا أن يذهب بعيدا في دعمه لخيارات حزب الله في الداخل والخارج وتوقفت هجوماته على الحريرية السياسية بل تحالف معها.
وعندما إختار السعودية أول محطة خارجية له لم تكن من فراغ بل لعلمه بالنتائج السلبية التي حلت على لبنان جراء القطيعة السعودية والتضامن الخليجي معها وهذا ما لحظته التقارير الإقتصادية والمالية عن تراجع معدلات السياح وحركة الاموال من وإلى الخليج.
فالزيارة لها بعد إقتصادي أيضا لا يمكن غض النظر عنه لما تمثله السعودية من ثقل على المستوى الإقتصادي في لبنان.
لذلك لا بد من التعامل مع السعودية بواقعية تلمس مصالح لبنان أولا ، لا هذا الفريق أو ذاك.
هذه الواقعية بدأت نتائجها من خلال ظهور نية جدية لدى الساسة السعوديين للبحث في عودة المساعدة الممنوحة للجيش اللبناني أو ما يعرف ب " المنحة السعودية ".
مع هذا ، لا يزال باكرا الحكم بوضوح على نتائج الزيارة وما سيترتب عليها من تأثيرات وما هو الدور الذي قد يلعبه عون في المستقبل داخليا وخارجيا إذا ما سمح له خصوصا أن التوجه السياسي لدى فريق الرئيس دونالد ترامب هو تحييد لبنان عن صراعات المنطقة وهو توجه محل إجماع لدى كافة الأفرقاء اللبنانيين والعرب والعالم.
العبرة في الزيارة:
فهذه الزيارة بالشكل والتوقيت والتنظيم والإختيار كأولوية والمضمون أسقطت شعارات المرحلة القادمة وكرست معادلة جديدة في البلد أن السعودية عادت من بوابة بعبدا وبمفتاح بيت الوسط وأن السعودية بعد زيارة عون ليست تلك الدولة المخيفة للأقليات كما يتوهم أنصار التيار في لبنان وأن الأمر مجرد أكذوبة.
وإذا كان لا يوجد ثمة مانع حقيقي لدى حزب الله من الزيارة والإنفتاح على السعودية فما المانع الذي يعرقل زيارة دولة الرئيس نبيه بري إليها وهو الذي سبق أن وجهت المملكة له دعوة لزيارتها.
فاليوم السعودية أقامت حلفا مع المسيحيين والسنة والدروز وضمنت عدم العداء والقطيعة معهم فيما الشيعة خارج معادلة هذا الحلف لكنهم لا يستفزوه.
فهل يفعلها الرئيس بري ويزور السعودية ويكسر حواجز بدأت تعرقل حياة الشيعة في الخليج العربي.
الرئيس عون فعلها ولم يكن لديه أي مانع فما المانع لدى الرئيس بري؟!