تقدّم البيئات الصديقة للسعودية قراءةً خاصة لزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للرياض، وتدرج عدداً من الدلالات التي يستخلصها الخليجيون من مجرّد أنّ عون حدّد العاصمة السعودية محطّته الأولى في إطلالته الخارجية.في نظر هؤلاء أنّ زيارة عون للسعودية، بغضّ النظر عن التفسيرات المتداولة في بيروت، تُشعِر الرياض بالرضى بمجرّد أنّها تحتلّ الرقم واحد في إطلالته الخارجية.
اضافةً الى انّ هذه الزيارة، تَخدم موقع الرئيس سعد الحريري داخل الرياض، لأنّها تمنح صدقيةً أوّلية لرأيه في سجاله مع خصومه من داخل بيته، والذين هم ايضاً حلفاء السعودية، حول ما اذا كان وصول الأخير للرئاسة سيقوّي نفوذ ايران في لبنان على حساب السعودية.
عنصر آخر، يجعل الخليجيين يشعرون بالرضى، وهو انّ عون ـ بحسب رأيِهم ـ لم يخضَع لتهويل اعلامي حذّره من مغبّة ان يبدأ جولاته الخارجية بالرياض، لأنّ ذلك سيعطي انطباعاً لايران وحلفائها بأنه لا يراعي موقعَ طهران في نزاع التوازنات الاقليمية.
وفي المحصّلة بات هناك ميلٌ اقوى في السعودية لتصديق مقولة «عون الإقليمي الوسطي»،حيث إنّ اصراره على «زيارتها اولا» يولّد داخل الرياض انطباعاً بأنّ عبارته «أنه ليس مرهوناً لأيّ محور» التي ابلغَها الى موفدي السعودية خلال زيارتهما له بعد فوزه بالرئاسة، لم تكن من باب المجاملة.
ومنذ التأكيد انّ عون حدّد السعودية أولَ بلد يزوره، انشغَلت بيئات صديقة للرياض بنقاش حول النتائج التي يجب ان تجنيَها الزيارة حتى تُعتبر ناجحة بامتياز، وتركّز السؤال عما اذا كان نجاحها مشروطاً حتماً، بتحقيقها إتمامَ صفقة «هبة الثلاثة مليارات دولار السعودية للجيش اللبناني»، ام أنّ هناك نتائج اخرى يعوّض تحصيلها استعصاءَ تحقيق هذا الامر حالياً، خصوصاً انّ اسباب تعثّر «الهبة» تعود لتعثّر المفاوضات السعودية ـ الفرنسية في شأنها، وليس لأيّ سبب يتّصل بموقف سعودي من لبنان.
تقول هذه المصادر إنّ السعودية لم تلغِ ملفّ هبة تسليح الجيش اللبناني، وإنّ المبلغ المخصّص لها لا يزال موجوداً ولم يتمّ تحويله ليُصرف على ايّ مشروع آخر، ولكنّ المشكلة هي انه بعد انتقال هذا الملف الى يد ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان، قرّر الاخير اعادةَ التفاوض عليه مع باريس، انطلاقاً من مبدأين اثنين:
الأول، إخضاع شراء الاسلحة لتطبيقات استراتيجية إصلاح وترشيد مجمل عمليات صرف الاموال في السعودية التي وضعها الامير محمد، ما جَعله يطالب بإعادة التفاوض على بنودها، اضافةً الى وجود صلة بين مفاوضات السعودية مع باريس على صفقة تسليح الجيش اللبناني وبين صفقةٍ اكبر يتمّ التفاوض عليها في الوقت نفسه بين الطرفين لتسليح الاسطول السعودي وتبلغ قيمتُها نحو 22 مليار دولار.
كلّ هذه المعطيات تجعل إتمامَ صفقة الثلاثة مليارات دولار، غيرَ ناضجة الآن، وتَجعل عون لا يراهن على اكثر من الحصول على تصريح سعودي بإعادة تفعيلها وتجديد الوعد بها ومكافأته بالتأشير الى استعداد الرياض لإحداث اختراقات محدّدة لانتشالها من الجمود الراهن.
ـ الثاني، يتعلق بموقف السعودية من دور شركة «اوداس» لتصدير الاسلحة الفرنسية (ملكيتها مشتركة بين القطاعين العام والخاص) والمعتمدة لدى الدولة الفرنسية لإدارة عملية إتمام صفقتي «الثلاثة مليارات دولار» لتسليح الجيش اللبناني والـ»22 مليار دولار» لتسليح الاسطول السعودي. فالرياض ضمن استراتيجيتها الجديدة للتفاوض مع باريس، ترفض شراءَ الاسلحة من «اوداس» وتصرّ على ان تتمّ المبيعات من دولة الى دولة، وليس من شركة الى شركة. وهو امر لم يتمّ التوصل الى حلّ له بعد.
ضمن الزيارة يوجد ايضاً قضية تعديل طرَأ على برنامج أول جولة خارجية لعون، إذ كان المقرر وفقَ النسخة الاولى للإعداد لهذه الجولة، ان تشملَ السعودية ثمّ قطر، فمصر، ولكن في المراجعات الاخيرة شُطب اسم مصر عن اللائحة.
المصادر المصرية اكّدت لـ«الجمهورية» انّ ما حصَل سببُه «تضارب في التوقيتات» (نص التعبير المعتمد في الخارجية المصرية) مع اضافة تعبير آخر يفيد «انّ مصر ترغب في أن يخصّها الرئيس اللبناني بزيارة مستقلة وليس ضمن جولة».
تَجدر الاشارة في هذا المجال الى انّ جهات صديقة للمحور السوري، كانت قد رأت في اشتمال جولة عون الخارجية الاولى على مصر، من شأنها ان تخفّف ثقلَ معنى السعودية الاقليمي في هذه الجولة، وتقيم توازناً في داخلها بين المحورين الاقليميين المتخاصمين في سوريا.
وليس معروفاً حالياً ما إذا كان استبعاد مصر من هذه الجولة هو لأسباب تَضارب التوقيتات او لرغبة مصر في ان يخصّها عون بزيارة خاصة، أم أنّ مخطِطي الزيارة في قصر بعبدا وجدوا مصلحةً في إبقاء زخم الزيارة منصبّاً على السعودية وقطر، أملاً في أن تحقّق افضلَ النتائج الاقتصادية للبنان، وخصوصا على مستوى استعادة السائح الخليجي الذي تؤكد المعلومات انّ بعض دوله رفعَت أخيراً اجراءات كانت اتّخذتها في مطاراتها تَمنع سفر مواطنيها الى لبنان.
وتقول مصادر مطلعة إنّ عون في جولته الاولى يعطي المصالحَ الاقتصادية اللبنانية اولويةً على السياسة، بينما في جولته الثانية المرتقَب ان تشمل مصر وإيران، سيعطي العاملين السياسي والاقتصادي مرتبةً متوازية.
فزيارته لمصر تحقّق له استعادةَ توازنِه الوسَطي الاقليمي بين طهران والرياض، أمّا زيارته لإيران فتؤمّن له تنويعَ مصادر دعم الاقتصاد اللبناني عبر جعلِ السلة الاقتصادية اللبنانية منفتحةً على اكبر اقتصادَين في المنطقة، إيران والسعودية.