تجمع التقارير الديبلوماسية الواردة من موسكو وأنقرة وطهران وواشنطن على أنّ التفاهم التركي - الروسي على وقف النار في سوريا بدا يطفو على صفيح ساخن نتيجة خلافات إستراتيجية بين حلفائهما تهدّده شكلاً ومضموناً. وما يزيد من المخاطر أنّ ولادة جنينه الأول في «أستانة ـ1» سيكون قبل فهم موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب النهائي قبيل تسلّم مهماته. كيف ولماذا؟على وقع الثقة التي عبّر عنها الوسيط الأممي لدى سوريا ستيفان دوميستورا بقدرة روسيا وتركيا على إنجاح الهدنة التي تمّ التوصل اليها أواخر العام المنصرم توقفت مراجع ديبلوماسية وعسكرية تواكب تطورات الأزمة السورية عند اعترافات الطرفين وإقرارهما بخرق حلفائهما الهدنة. ولذلك بقي الضجيج قائماً على مستويات عدة وتزايدت المواقف التصعيدية ومعها الإتهامات بين اطراف النزاع بخرق وقف النار على جبهات عدة.
فوزارة الدفاع الروسية ولدى إحصائها الخروق الأمنية في تقارير «غرفة حميميم» لم توفّر إشاراتها الى خروق النظام وحلفائه للنار في بعض المواقع الى جانب اتهاماتها المباشرة للفصائل السورية المعارِضة ولا سيما منها تلك التي وضعتها على لائحة المنظمات الإرهابية.
وزاد من خطورتها اعتراف الرئيس السوري بشار الأسد قبل ايام امام وفد من نواب الجمعية الوطنية الفرنسية بأنّ قواته العسكرية قد تكون أخطأت في بعض العمليات العسكرية، معبّراً عن اسفه بسبب تجاوزها لما هو مسموح به من استخدام للقوة.
وفي الوقت الذي تجاهلت القيادة الروسية العملية العسكرية التركية المتمادية في «مدينة الباب» بسبب دعمها السياسي والعسكري لهذه العملية متجاهلة موقفَي حليفَيها السوري والإيراني معاً، فقد تبادل شريكاها الإيراني والتركي الإتهامات المباشرة.
فإيران وجّهت في مناسبات عدة اتهامها المباشر لأنقرة وصعّدت من خطابها ضدها معتبرة أنّ ممارساتها ومواقفها غير البنّاءة تقودها الى المطالبة بالتزام تعهّداتها وفق «إعلان موسكو» الذي بُني على اساسه وقف النار الثنائي التركي ـ الروسي.
وفي المقابل لم توفّر تركيا مناسبة لتوجيه انتقاداتها اللاذعة للقيادة الإيرانية. فوجّهت اليها الإتهام المباشر على أعلى مستوى وجاءت تصريحات وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو تشير بلغة التهديد الى الدور الإيراني وحزب الله في الاشتباكات والغارات الجوّية على منطقة وادي بردى قرب دمشق وعلى جبهات أخرى في الشمال السوري.
ولذلك فقد دعا طهران بصفتها «الداعمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد و«حزب الله» إلى «القيام بما يمليه عليهما ضمانهما لاتفاق وقف النار، وعليهما إظهار ثقلهما والضغط على الميليشيات الشيعية والنظام السوري».
وانتهى الى القول إنّ ذلك يهدّد «مفاوضات أستانة» التي قد تتعثّر إذا «لم تتوقّف الخروق المتزايدة» لوقف النار الساري منذ ليل آخر خميس من الشهر الماضي.
وأمام هذه الفسيفساء الديبلوماسية والعسكرية الملغومة التي تعوم على صفيح الخلافات البينية بين حلفاء طرفي وقف النار تتوقف المراجع الديبلوماسية والعسكرية عند مخاطر الوضع الناشئ، وتشير الى أنّ الوضع القائم في سوريا منذ بداية السنة الجارية وتحديداً منذ التفاهم الثنائي على قوف النار وقبل ذلك بأيام ينسف مضمون وأهمية الأماني التي بنى عليها الوسيط الأممي دوميستورا رهانه لتثبيت وقف النار. واعتبرت أّنّ كلام دوميستورا ليس في زمانه ولا في مكانه.
ولذلك فإنّ هذه المراجع تجزم بأنّ التفاهم بدأ يترنّح جراء العمليات الواسعة الجارية في محيط العاصمة السورية رغم الإشارة الواضحة في «تفاهم موسكو» الى أنها من المناطق المشمولة بوقف النار أصلاً. كما أنها تعتبر خارج مناطق «داعش» و»النصرة» و»جبهة فتح الشام» المستثناة من أيّ تفاهم روسي ـ تركي لوقف النار على رغم ملاحظات أفرقاء آخرين تستثني «فتح الشام» من لائحة المنظمات الإرهابية المتوافق عليها.
وبناءً على ما تقدّم تجزم المراجع الديبلوماسية في توقعاتها بأن لا يصمد وقف النار الى المرحلة التي ينطلق فيها البحث في الحلول السياسية المنتظرة من محادثات «أستانة 1» متى عقدت.
وخصوصاً أنّ مؤشرات عدة توحي باستبعاد انعقادها في الموعد المحدد مبدئياً في الثاني والعشرين من الجاري. فالمجموعات المسلّحة المدعوّة نظرياً الى هذه المحادثات جمذدت مفاوضاتها منذ ايام عقب أحداث وادي بردى وريف دمشق في انتظار «أن يثبت النظام جدّيته بالتزام وقف النار» في وقت يبادلها النظام الموقف نفسه وللأسباب عينها.
وعلى هذه الخلفيات يبدو للمراجع الديبلوماسية المعنيّة أنّ العقبات التي تحول دون انطلاق المفاوضات تزداد يوماً بعد يوم. فالدخول التركي بقواته العسكرية التي قدِّرت بسبعة آلاف جندي الى مدينة الباب قبل ايام تحت غطاء من القصف التركي والروسي تبدو الذريعة الأقوى لتأخير المفاوضات لسببين مهمّين أوّلهما رفض إيران وسوريا العملية التركية من أساسها، وإصرار أنقرة على حسم الموقف لمنع اقتراب القوات المدعومة إيرانيا الى المنطقة القريبة من حدودها.
والى أن يُحسم الوضع لمصلحة الأتراك أو للنظام وإيران سيبقى وقف النار هشاً ومرفوعاً فوق «صفيح «الباب» الساخن»، وخصوصاً أنّ هناك مَن يعتقد أنّ ساعة الحسم مرهونة بلحظة تسلّم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مهماته في العشرين من الجاري. والى ذلك الحين فكلّ السيناريوهات مطروحة، وما علينا سوى الإنتظار؟!