لا يعتبر المراقبون في السعودية أن زيارة الرئيس اللبناني ميشال عون للرياض حدث عادي في تاريخ العلاقات السعودية اللبنانية، بعدما حرصت السعودية على توجيه دعوة ملكية للرئيس الجديد واختار عون السعودية كمقصد أول له خارج لبنان كرئيس للجمهورية. وعليه فإن الطرفين يسعيان إلى تطبيع علاقات ثنائية شابها كثير من اللغط والتوتر والبرودة في السنوات الأخيرة.

وتلحظ أوساط سعودية أن الرياض تستقبل هذه المرة رئيسا لبنانيا كان يجاهر بخصومته للمملكة وبانحيازه لمحور الممانعة بقيادة إيران، ما يعني أن السعودية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التي أتت بعون رئيسا، بما في ذلك تسهيل الرياض نفسها لانتخابه وعدم تعطيل مبادرة حليفها سعد الحريري بهذا الشأن. وتعتبر هذه الأوساط أن الزيارة امتحان للرئيس اللبناني على قدرته على الدفاع عن مصالح بلده متجاوزا تحالفاته السابقة مع محور إيران.

وعبّر المحلل السياسي السعودي عوض الفياض عن اعتقاده بوجود فريق لبناني اعتقد فعليا أنه “اختطف لبنان إلى فلك الإيرانيين وخططهم المتناسلة في المنطقة”. لكن الفياض أكد في تصريح على أن لبنان لا يمكن أن ينسلخ بكل أطيافه عن مصالحه في الخليج العربي. وقال إن “رسالة الرياض والخليجيين واضحة بعدم قبول ابتزاز من أيّ طرف إقليمي”، مؤكدا على أن الرئيس عون يمتلك رصيدا سياسيا لا يريد أن يتم حرقه في محرقة إقليمية يخسر فيها لبنان كل شيء لصالح “شعار المقاومة” الفارغ من محتواه.

وترى مصادر دبلوماسية عربية أن الزيارة في التوقيت والمضمون والشكل تعبر عن حرص البلدين على استعادة رشاقة العلاقات التاريخية بينهما، كما تعكس حاجة الطبقة السياسية اللبنانية لإنهاء مرحلة رمادية نادرة في تاريخ العلاقات بين الرياض وبيروت.

ورافق الرئيس عون وفد رسمي وزاري يمثل المشهد السياسي اللبناني الداعم لعلاقات كاملة وجيدة مع السعودية. وتتحدث أنباء في بيروت عن اتصالات جرت في هذا الشأن بين وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل وحزب الله أدت إلى عدم تعامل الحزب بسلبية مع الزيارة، كما أدت إلى اختفاء أيّ مواقف مشوّشــة عليها.

وفيما صدرت توقعات لبنانية كثيرة من زيارة عون للرياض، إلا أن مصادر من داخل الوفد اللبناني اعتبرت أن حصول الزيارة هو في حد ذاته حدث إيجابي بغض النظــر عن التفاصيل التي ستخرج بها هـذه الزيــارة، ودعت إلى عدم رفـع سقف التوقعــات وعقلنتهــا بما يتناسب مع الظروف الموضوعية للبلدين.ولم تكشف المصادر السعودية الرسمية عن أيّ معلومات حول مصير الهبة السعودية المجمدة المخصصة لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، رغم أن الصحف اللبنانية أفاضت في الحديث عن إمكانية فك أسر هذه الهبة وإعادة تفعيلها مع الشريك الفرنسي.

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت قد أثار المسألة في زيارته الأخيرة إلى بيروت معوّلاً على انتعاش في علاقات بيروت والرياض لإعادة إنعاش الصفقة التي يفترض أن تستفيد منها فرنسا كمصنع للأسلحة التي تموّلها هذه الهبة.

ونقل عن مصادر قريبة من وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس تتفهم هواجس الرياض من احتمال سقوط الأسلحة التي تموّلها الهبة السعودية في يد حزب الله، وأن حلولا تطمينية قد تقتضي توريد الأسلحة وفق خطة مراحل تراقب نوعية الأسلحة ومصيرها. وترى أوساط سعودية أن الرياض تثمّن التنسيق والتعاون الجاري بين الأجهزة السعودية واللبنانية والتي كشفت عن عمليات إرهابية كان ينوي تنظيم داعش القيام بها ضد السعودية، كما تقدر أيضا تعاون السلطات الأمنية اللبنانية في مكافحة تهريب المخدرات و”الكبتاغون” إلى المملكة.

وتؤكد مراجع سعودية أن الرياض التي تدرك ما تملكه إيران من نفوذ داخل لبنان، والتي وصلتها رسالة طهران من خلال توقيت زيارة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني علاء الدين بروجردي عشية زيارة عون لها، حريصة على تفعيل حضورها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي دعما للرئيس عون نفسه في لعب دور قويّ مستقل لإعادة تثبيت انتماء لبنان العربي.

وقال الفياض في تصريحاته إن لبنان الرسمي يدرك اليوم أن “السعودية لا تتعامل من منطلقات طائفية أو فئوية، وإن استراتيجيتها منذ عقود كانت كفيلة دائما بمنح لبنان بكل أطيافه فرصة التعايش والمصالحات والتنمية والاستثمار في بلد منهك اقتصاديا وسياسيا”. وأضاف أن “السعودية بادرت بإرسال وفد رفيع لسحب البساط من تحت الهيمنة الإيرانية على القرار اللبناني، وانتظرت بكل صبر نتيجة المخاض السياسي لهذه المرحلة وتتعامل معها بكل جدية”.

وتعوّل الفعاليات الاقتصادية اللبنانية على زيارة الرئيس عون في إعادة جذب الاستثمارات السعودية إلى لبنان، لا سيما في عودة السياح الخليجيين. واعتبرت هذه الأوساط أن رفع الفيتو السعودي، ومن ثم الخليجي عن سفر السياح إلى لبنان أصبح ضرورة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من ضائقته الحالية.