طغتْ الزيارة البالغة الأهمية التي بدأها الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أمس للمملكة العربية السعودية على العناوين المحلية التي يكاد ان يختصرها قانون الانتخاب الذي يسابق المهل الفاصلة عن انتهاء ولاية البرلمان الحالي (20 يونيو) وعن الموعد الذي يفترض ان تجري فيه دعوة الهيئات الناخبة (فبراير).

وبدا واضحاً أمس، ان كل الأوساط السياسية تعوّل بدرجة كبيرة على حصيلة الزيارة - الحدَث لرئيس الجمهورية للسعودية التي ينتقل منها غداً الى قطر، باعتبار ان نتائجها من شأنها ان تعطي دفعاً إضافياً للزخم الذي انطلق به عهد عون متكئاً على تسوية سياسية قوبلتْ بـ «عدم ممانعة» من القوى الاقليمية الراعية للواقع اللبناني، وتحديداً الرياض وطهران، وارتكزتْ على انتخاب عون - الذي كان مدعوماً من «حزب الله» وايران - وعلى عودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، الحليف الوثيق للسعودية، الى رئاسة الحكومة التي كان أُقصي منها العام 2011 من ضمن عملية «ليّ الأذرع» التي بلغت أشدّها بعد انهيار مبادرة «السين سين» (السعودية - سورية) التي كانت ترمي الى توفير «شبكة أمان» داخلية تمتصّ مفاعيل القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي كان يقترب من توجيه أصابع الاتهام الى عناصر من «حزب الله».

ويسود بيروت ترقُّب كبير لما ستخرج به زيارة عون الذي اختار الرياض لتكون إطلالته الخارجية منها، في إشارةٍ واضحة الى رغبته في إعادة وصل كل ما انقطع مع المملكة ودول الخليج الأخرى في الفترة الماضية، بفعل تشظيات الصراعات في المنطقة وظهور لبنان مغرّداً «خارج السرب» العربي وحتى خارج خط التضامن مع الرياض بعد الاعتداء على سفارتها مع طهران، وهو ما أعقبتْه «غضبة» سعودية وخليجية عكست تسليماً بأن بيروت صارت تدور «في الفلك الايراني».

وبمعزل عن النتائج العملانية المرتقبة من الزيارة التي يرافق عون فيها وفد وزاري رفيع من 8 وزراء (الخارجية، التربية، المال، الدفاع، الداخلية، شؤون رئاسة الجمهورية، الإعلام والإقتصاد) من مختلف الطوائف والأحزاب، فإن الأكيد وفق ما قالت مصادر مطّلعة في بيروت ان عون وجّه رسالة «وصلتْ» بأنه يتعاطى كرئيسٍ من خارج الاصطفاف الذي سبق انتخابه، وأنه حريص على تصحيح الانحراف في التموْضع الخارجي للبنان ولو في الشقّ الرسمي، اذا كان الجانب الإشكالي المتّصل بانخراط «حزب الله» العسكري في ساحات لاهبة عدة أبرزها سورية بات مسلَّماً انه أكبر من قدرة اي سلطة لبنانية على مقاربته.

وأعطى عون إشارات عدة الى الأهمية التي يعلّقها على زيارة المملكة باعتبار انها سترفد عهده بـ «دفاعاتٍ» يواجه لبنان بها المرحلة المقبلة وتحدياتها الاقتصادية، ولا سيما عبء النزوح السوري وضرورة النهوض بالواقع اللبناني الذي عانى استنزافاً كبيراً جراء كلفة الفراغ الرئاسي والانكفاء السياحي والاقتصادي الخليجي عنه، وايضاً التحديات الأمنية في ضوء خطر الإرهاب الذي يبقى ماثلاً والذي يتصدى له الجيش اللبناني والقوى الأمنية سواء استباقياً او في شكل مواجهات مباشرة.

ومن هذه الزاوية تحديداً ستتناول المحادثات مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (اليوم) وكبار مسؤولي المملكة تطوّرات المنطقة انطلاقاً من مكانة السعودية وما تضطلع به من أدوار، الى جانب قضية الإرهاب الذي تنخرط الرياض في عملية مواجهته، على ان يثار من هذا الباب ومن دور الأجهزة اللبنانية في التصدي لهذا الخطر ملف إمكان إعادة تحريك هبة الثلاث مليارات لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا وهبة المليار لدعم سائر القوى الأمنية التي كانت المملكة علّقت العمل بها في فبراير الماضي في ضوء قرار «المراجعة الشاملة للعلاقات مع لبنان».

ولن تغيب عن المحادثات سواء بين الرئيس عون وخادم الحرمين الشريفين او مع مسؤولين آخرين او بين الوزراء اللبنانيين ونظرائهم السعوديين ولا عن المحادثات الموسعة بين الجانبين والوفد المرافق ملف النازحين السوريين الذي يستقبل لبنان نحو 1.5 مليون منهم وتلكؤ المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته تجاههم، ولا العنوان الاقتصادي سواء المتّصل بأكثر من 250 الف لبناني يعملون في السعودية ودول الخليج ويشكّل ما يحوّلونه الى بلدهم نحو 60 في المئة من مجمل تحويلات اللبنانيين من الخارج، او بالتبادل التجاري والاستثمارات في لبنان.

كما ستحضر في المباحثات مسألة إمكان رفْع تحذير السفر الى لبنان باعتبار ان هذا سيعيد تفعيل «رئة» أساسية للاقتصاد اللبناني، وايضاً رفْع مستوى التمثيل الديبلوماسي السعودي مجدداً الى مستوى سفير، وسط معلومات في بيروت أشارت الى اتجاهٍ لأن يتولى هذه المهمة القائم بالأعمال الحالي وليد البخاري، على ان يعود الأخير من السعودية حيث يتواجد حالياً في زيارة خاصة الى بيروت بصفة سفير.