تتخذ الزيارة التي بدأها مساء امس رئيس الجمهورية ميشال عون للمملكة العربية السعودية دلالات استثنائية على الصعيدين الداخلي والاقليمي بما يبرر الاهتمامات الراصدة لنتائجها، خصوصاُ ان الرئيس عون افتتح جولاته الخارجية بالرياض تحديداً. اذ ليس خافياً ان معظم الاوساط المعنية ينظر الى هذه الزيارة من منظار تصويب للعلاقات اللبنانية – السعودية ومن خلالها علاقات لبنان مع دول الخليج العربي التي تشكل بالنسبة الى لبنان أهمية حيوية للغاية على الصعيدين الاقتصادي والديبلوماسي. كما ان الزيارة في بعدها العربي والاقليمي تمحض العهد الجديد نقطة ثقل من حيث اظهار حرصه على اعتماد سياسات متوازنة خارجياً بما يترجم شعاره في ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية وتحييده عن تداعياتها.
وافادت مندوبة "النهار" هدى شديد التي ترافق الوفد اللبناني الى الرياض ان الرئيس عون يعلق أهمية كبيرة على طيّ صفحة الجفاء واعادة الزخم الى العلاقات التاريخية بين لبنان والمملكة العربية السعودية من خلال الزيارة الرسمية التي بدأها وسط حفاوة كبيرة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.
وتبدأ المحادثات الثنائية ظهر اليوم في الديوان الملكي حيث يستقبل الملك سلمان الرئيس عون ويقيم له استقبالاً رسمياً يعرضان فيه حرس الشرف. ثم يقيم الملك مأدبة غداء رسمية على شرف ضيفه والوفد الوزاري المرافق له والذي يضم الوزراء: جبران باسيل، مروان حمادة، علي حسن خليل، يعقوب الصراف، نهاد المشنوق، بيار رفول، ملحم رياشي ورائد خوري، اضافة الى الوزير السابق الياس بو صعب. وعقب الغداء يجري الملك سلمان والرئيس عون محادثات موسعة يشارك فيها الوزراء اللبنانيون الثمانية وستة وزراء سعوديين ممن هم في المملكة، وهم: وزير التعليم احمد العيسى، وزير المالية محمد الجدعان، وزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي، وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي، وزير الخارجية عادل الجبير،وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري.
ثم تعقد خلوة ثنائية بين الملك والرئيس قد يصدر بعدها بيان عن القمة.
وفيما تحضر كل الملفات الثنائية لمتابعتها بين الجانبين، ينتظر ان تنبثق من المحادثات لجان متابعة لمواكبة الملفات المطروحة وأهمها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والسياحية.
وعلم ان كلاً من الوزراء اللبنانيين حمل ملفاً خاصاً لمتابعته مع الجانب السعودي. ووضع وزير الداخلية نهاد المشنوق على رغم غياب نظيره ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف لوجوده خارج المملكة، لائحة بحاجات القوى الامنية التابعة لوزارة الداخلية لعرضها في المحادثات الموسعة. كما تعقد طوال اليوم لقاءات ثنائية تبدأ الثامنة صباحاً وتنتهي في السادسة مساء. وفِي هذا الإطار، يبحث وزير التربية مروان حماده مع الوزير احمد العيسى في دعم المدرسة الرسمية في لبنان والمساعدة في تعليم الأولاد النازحين.كما يعقد وزير المال علي حسن خليل اجتماعاً مع نظيره السعودي محمد الجدعان ويبحثان في اتفاق لتشجيع الاستثمارات ومنع الازدواج الضريبي. ويلتقي وزير الاعلام ملحم الرياشي وزير الاعلام السعودي ويبحث معه في امكان مساعدة المملكة في مكننة وزارة الاعلام وفي خفض الرسوم على "عربسات".
وفي موازاة اللقاءات الوزارية التي تمتد قبل الظهر وبعده، يبدأ الرئيس عون يومه الطويل من المحادثات في قصر الضيافة الذي يقيم فيه والوفد الوزاري حيث يستقبل ابتداء من العاشرة والنصف صباحاً وزيري الثقافة والتجارة والاستثمار السعوديين. ثم يستقبل بعد الظهر وزير الخارجية عادل الجبير الذي يجري لاحقا محادثات مع وزير الخارجية جبران باسيل. ويلتقي الرئيس عون ابناء الجالية اللبنانية في استقبال يقيمه في السفارة اللبنانية السفير عبدالستار عيسى. كما يلتقي مجموعة من رجال اعمال لبنانيين وسعوديين في عشاء يقيمه وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري.
وكان الرئيس عون وصل عصراً الى الرياض وأقيم له استقبال رسمي وكان في استقباله امير الرياض فيصل بن بندر بن عبد العزيز، وكبار المسؤولين في الرياض واركان السفارة اللبنانية.

 

"تبديد التباسات"
وفي حديث الى محطة "الاخبارية" السعودية ادلى به بعيد وصوله مساء الى الرياض، اكد عون ان العلاقات اللبنانية السعودية تأثرت بالاحداث التي جرت في الدول العربية، وحصلت بعض الشوائب غير الواضحة بالنسبة الى البلدين، "وانا اليوم هنا لابدد الالتباسات التي حصلت حاملا المودة والصداقة للشعب السعودي".
وقال ردا على سؤال: "استطعنا ان نحافظ على الامن والاستقرار ضمن الحدود اللبنانية وذلك نظرا الى ما يمكن ان تحدثه الحروب الدائرة حاليا في المنطقة ولدينا تجربة في السبعينات وتعلمنا ونود ان يتعلم الجميع ان مثل هذه الحروب الداخلية لا تنتهي الا بحل سياسي.نحن مررنا في تجربة مماثلة ووصلنا الى اتفاق الطائف في المملكة ونتمنى للاخرين ان يعتمدوا الحل السياسي ".
وسئل عن الاستحقاقات اللبنانية في ظل الوضع الذي تعيشه المنطقة، وامكان التوصل الى تسويات داخلية بين الافرقاء اللبنانيين لحل الملفات، فشدد عون على "ان الافرقاء في لبنان اجتمعوا على فكرة اعمار لبنان بصرف النظر عن النتائج التي ستؤول اليها التطورات في الدول الاخرى، لان الاعمار والامن والاستقرار هي للجميع. فنحن نحارب الارهاب على حدودنا لمنع التسلل الى الداخل اللبناني، كما ان اجهزة الاستخبارات اللبنانية تقوم بالواجب من خلال العمليات الاستباقية والقائها القبض على الارهابيين الذين تمكنوا من التسلل. ان هذا الموضوع اصبح موضوعا وفاقيا، وكان في صلب التفاهم الذي ادى الى انتخاب رئيس للجمهورية بعد تأخير دام سنتين ونصف سنة".
واكد رئيس الجمهورية "اننا جميعاً بحاجة الى التعاون لمحاربة الارهاب، ولبنان ليس جزيرة بعيدة عن هذه المشكلة وبالتالي لسنا وحدنا، ونحن في حاجة الى التعاون مع المملكة العربية السعودية وكل الدول لان الارهاب لم يعد محصوراً في دول الشرق الاوسط بل عمّ العالم اجمع".
وعن امكان التعاون مع السعودية في مجال مكافحة الارهاب، أشار الرئيس عون الى انه على رغم عدم تجاور لبنان والسعودية جغرافياً، فان تبادل الخبرات والمعلومات حول الارهاب هو امر جيد ومرغوب فيه. "وخلال الزيارة، سنعرض كل المواضيع الممكنة ومنها امكان تقديم المساعدة للجيش اللبناني". وأكد "انه أياً كانت النتائج في ما خص قانون الانتخاب، فلن نعود الى التقاتل والعنف"، موضحا انه "في المرحلة التي مضت اتبعنا سياسة توازن داخلي كي لا نتخطى حدوداً معينة، وهي قائمة على الابتعاد عن كل ما يزيد الشرخ بين الدول العربية". وخلص رداً على سؤال الى ان "لا حاجة على مستوى لبنان الى قيام "طائف جديد" لان لدينا القدرة على ان نجري تعديلات معينة اذا رأينا وجود حاجة اليها".