فاجأ أكبر هاشمي رفسنجاني الجميع بموته المباغت، الذي صادف ذكرى إستشهاد " الأمير الكبير" المستشار الإيراني لحكومة ناصر الدين شاه. ويُعتبر الأمير الكبير رائد التحديث الإيراني الذي قتل بإيعاز من الشاه القاجاري المستبد في العام 1851 م، وكان رفسنجاني معجباً به منذ شبابه وألف كتاباً حوله شخصيته ومشروعه لتحديث البلد.
وحاول رفسنجاني أن يحذو حذو الأمير الكبير في فترة رئاسته، بل في حياته السياسية بعد انتصار الثورة الإيرانية التي لم تشهد عقلاً سياسياً أبرز منه طيلة ما يقرب على أربعة عقود.
جمع رفسنجاني في شخصيته عدداً من التناقضات، حيث إنه كان رجل دين ولكنه كان حريصاً على إعمار الدنيا وتحسين مستوى معيشة المواطن أكثر مما كان مهتماً بإعطاء العظة للمؤمنين، وسُمّي رفسنجاني بفضل سياساته برائد البناء، لأنه تمكن من تضميد جراح الحرب العراقية الإيرانية.
وكان رفسنجاني قائد الحرب ولكنه بذل غاية جهده للسلم وهو الذي تمكن من دفع الإمام الخميني إلى القبول بالقرار الأممي رقم 598، وإيقاف الحرب، بعد ما عرف رفسنجاني بفضل ذكائه بأن من المستحيل إيقاف الحرب بعد وفاة الإمام الخميني الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وعرف رفسنجاني بأن تلك الحرب المدمرة التي لا يستطيع فيها أن يتغلب طرف على الآخر، ستبقى كتركة مقدسة للخميني لا يجرؤ خليفته على اتخاذ أي قرار فيها سوى الاستمرار فيها حتى الدمار الكامل.
إقرأ أيضًا: إيران تعزز نفوذها في سوريا بعد الإتفاف الروسي - التركي
كما كان من بين أبرز خمسة مناضلين ضد حكومة الشاه ودخل السجن مرات عدة وذاق طعم التعذيب في السجون، ولكنه لم يلجأ إلى العنف وكان معتدلاً.
كان ثورياً وبل من الشخصيات القيادية للثورة الإيرانية ولكنه في نفس الوقت كان مختلفاً عن ثوار آخرين من أمثال فيدل كاسترو ونظراؤه الإيرانيون والدليل على ذلك، محاولته لتطبيع العلاقات مع الغرب بل مع الولايات المتحدة، ونجح في الانفتاح على أوربا في فترة رئاسته وانتهج سياسة الأبواب للمفتوحة، كما أدى دوراً حاسماً في المفاوضات النووية ولم يأل جهداً لإنجاح تلك المفاوضات إيرانياً.
كما نجح في تطبيع العلاقات مع المملكة السعودية وتحسين تلك العلاقات ورفعها إلى مستوى الصداقة وتمّ ترجمة ذاك الاتجاه لبنانياً في اندماج حزب الله في الدولة بعد ما كان ينفي أي صفة شرعية لها، وما كان يحصل هذا التوجه لو لم يكن ذاك التغيير في السياسة الإيرانية في عهد رفسنجاني.
إقرأ أيضًا: إيران: رئيس القضاء يتهم رئيس الجمهورية بالفساد
ووصلت عبقرية رفسنجاني السياسية ذروتها بعد حرب الخليج عند ما رفض طلب الرئيس العراقي صدام حسين إلى فتح معركة مشتركة ضد أمريكا ولكن رفسنجاني انتهج سياسة الحياد ولم يقع في فخ صدام حسين.
كما أنه كان رجل الدولة ولكنه وقف بجانب الشعب خلال الاحتجاجات التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، وحصل على شعبية كبيرة قلما يحصل عليها أي رجل سياسي بعد أربعة عقود من حياته السياسية الحكومية.
وبالرغم من ذلك لم يقطع علاقته مع النظام واستمر في أداء دور الوسيط بين الشعب والنظام خاصة في السنوات الأخيرة وبعد وصول الشيخ روحاني إلى الرئاسة.
إن السياسة الإيرانية طيلة أربعة عقود سابقة لم تشهد سياسيا أكثر عقلانية من رفسنجاني، ولا شك في أن الشعب الإيراني خسر عقله السياسي الأبرز.