خسر الإسلام السياسي أحد أبرز أركانه ومؤسسيه منذ الصحوة الاسلامية وقبيل سيطرت التطرف على الاتجاهات الاسلامية واستعمال السيف بدلاً من التي هي أحسن ومنيت الجمهورية الاسلامية الايرانية بخسارة قد لا تعوض كما لم تعوض من قبل خسارتها لمؤسسها السيد الخميني "قده" وباتت السلطة في إيران بلا سند يسندها ويسددها عند الزلازل والبراكين الثورية لحرس ينتصر في هزائمه المتعددة داخل الدولة وخارجها لحظة فرض المزيد من الإقامات الجبرية ومنع الحريات السياسية واستخدام الشعارات الثورية في مواجهة قوى التطور الديمقراطي ومن خلال توزيع الثروات على النزعات الثورية لتحسين شروط الدور المتقدم لإيران في المنطقة وفي تعزيز منطق الحروب كوسائل يرونها الثوريون الايرانيون ضرورة لعملقة إيران في محيطها الخليجي رغم أن هذا المحيط مسكون بصغار لا يحتاجون الى هذا الضخم المتضخم الإيراني .
إقرأ أيضًا: السفير في ذمّة القذافي
كنت في كتابات سابقة وأثناء رئاسة الشيخ رفسنجاني لإيران قد وصفت الشيخ الرئيس ببسمارك الشرق الأوسط لنباهته ولنزاهته ولسعة صدره وللمدى المفتوح في عينيه على واقع لا على أحلام وكوابيس كما هو حال الكثيرين من المزروعين والموزعين على الصحوة الاسلامية إن داخل الدولة أو في صفوف ومواقع الأحزاب السياسية والجهادية كشيوخ يقرؤون الكفوف ومؤشرات البورصة في الذهب والفضة ويتقنون فنون السحروأحكام القتل والنكاح .
كان الشيخ من أوّل الداعين الى إيقاف الحرب العراقية – الإيرانية وحاول أخصامه من جماعات الجبهات النيل منه بإتهامه بالعمالة لولا رصيده الكبير في الثورة وفي قلب الامام الخميني ولولا دوره الحكيم داخل السلطة التي حماها برُشد وحكمة وكان أوّل الساعين الى تحسين شروط العلاقات الايرانية – الخليجية باعتبارها مفتاح القوّة لإيران وللدول الاسلامية وأحد صانعي الوحدة السياسية الاسلامية وقد دفع الأثمان الغالية لبقاء الوحدة وعدم تهميشها وتخريبها بنار المذاهب والطوائف وكان يدفع دائما باتجاه الاعتدال داخل إيران لأن إيران مرآة الصحوة الإسلامية فإذا ما كانت معتدلة فإن العالم الاسلامي سيكون معتدلاً وإذا ما ذهبت باتجاه التطرف فإن العالم الاسلامي سيكون متطرفاً لأن إيران نموذجاً متكاملاً وتجربة شاملة للشعوب الاسلامية وقد ظهرت تأثيرات إيران جلية وواضحة على العالم الإسلامي منذ الثورة والدعوة الى الإقتداء بشعاراتها الاسلامية المستقلة عن جبابرة وشياطين العصر .
إقرأ أيضًا: صدق سامي خضرا بعد أن كُذّب
لقد ربح الشيخ رفسنجاني أثناء إدارته السياسية معركة الداخل بتعزيز خط الاعتدال وفتح طرق التحول نحو المزيد من الاصلاحات السياسية عبر المشاركة الفعلية في الحياة السياسية وتأمين وضع إقتصادي مريح لشعب لم يرتح منذ سقوط الشاه وجعل مفهوم الدولة القوية خاضعاً لحسابات القوّة في النظام السياسي وهذا ما اصطدم بعقلية الباحثين عن قوّة الدولة بسيطرة الثورة وتفريغ محمولاتها في الخارج والداخل ضمن أطر لا معايير فيها سوى التحكّم بها من أجهزة مختصة لا في السياسة بل في العسكرة .
بعد استبعاد الشيخ رفسنجاني عن السلطة المباشرة لم يقف على الحياد التاريخي بل وقف الى جانب المعارضة الايرانية وعلى يمين السلطة باعتبارهما ضرورة لا مجال لنفيّ أحدهما وكانت علاقته بولي إيران السيد الخامنئي تنزع دوماً نحو تهدأة الأمور وعدم الإطاحة بالمنجزات الايرانية وحاول جند الفقيه رميّ الفتن بين السيد والشيخ الاّ أن طبيعة العلاقة القائمة بينهما استوعبت لعبة الطامعين بحصص السلطة وأسهمت في حفظ الدولة باعتبارها سقف الجميع معارضة وموالاة .
من هنا يبدو أن موت الخميني الثاني في إيران سيضعف من دور الدولة الممثلة للقوى الايرانية كافة وسيلغي من وجود تعدد وتنوع داخل السلطة لصالح نزعة متطرفة لأهل زلزال وهذا ما سيجعل المعارضة والسلطة في مساحة جديدة من الحسابات السياسية المضطربة.