يسأل بعض المتابعين: هل ستتجرّع إيران السمّ في سوريا وتنسحب بطلب من موسكو؟ هم يستشهدون بسابقة إعلان الإمام آية الله الخميني في آب 1988، بعد 8 سنوات من الحرب مع العراق: «لقد تجرّعتُ كأس السم حينما وافقتُ على وقف الحرب. لكننا سنعود يوماً وندخل العراق من دون أيّ خسائر، بل وبمكاسب كبيرة جداً»!يتوقع البعض صداماً روسياً ـ إيرانياً في سوريا. ويستند هؤلاء إلى اعتقادهم أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سعيه إلى الاحتفاظ بتغطية أميركية ـ تركية ـ خليجية للدور الروسي في سوريا، مضطرٌ إلى انتهاج سياسة متوازنة إقليمياً ستقوده حتماً إلى الابتعاد عن إيران.
يقول هؤلاء: بعد أسبوعين، سيصل إلى البيت الأبيض «حليف» لبوتين هو دونالد ترامب، ومعه وزير للخارجية وثيق العلاقات بموسكو. وخلال الحملة الانتخابية، عبّر ترامب عن مواقف تصعيدية في وجه إيران، وعن سعيه إلى الحدّ من نفوذها في الشرق الأوسط، في موازاة الحملة على إرهاب «داعش».
وتحت هذا العنوان، يمكن إدراك مغزى الانقلاب الاستراتيجي في موقف تركيا، الذي قادها إلى تغيير سلوكها الميداني في سوريا وإلى التحالف مع موسكو، في موازاة طمأنتها إلى منع قيام الكيان الكردي. ومغزى المواقفة الضمنية الخليجية على التفاهمات الروسية ـ التركية.
أصحاب هذه النظرة يتلمّسون الإشارات التي بدأت بإعلان وقف النار في سوريا ثنائياً، أي روسياً ـ تركياً، في غياب إيران، وبدعوة تركيا إلى خروج «حزب الله» من سوريا، والتي ردّ عليها الدكتور علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي، بالقول: «حزب الله» لن ينسحب من سوريا بعد وقف النار. إنها دعاية الأعداء».
في أيّ حال، ليس في أجواء «حزب الله» في لبنان ما يوحي بأيّ شكل من اشكال الانسحاب من سوريا أو تخفيف الحضور فيها. فطهران تخوض حروبها في الشرق الأوسط بجيش واحد، و«حزب الله» جزء أساسي منه.
يبقى دور «الحزب» حتى اليوم حيوياً في سوريا. وهو قدّم هناك تضحيات هائلة من مقاتليه. وفي المنطق، لا يمكن أيّ جيش أن يقدّم هذا الحجم من الدم إلّا على أرضه أو من أجل أرضه. ولذلك، إنّ «حزب الله» ـ وسائر المحور الإيراني ـ يقاتل في سوريا أو العراق أو اليمن، كما لو أنه يقاتل في الجنوب اللبناني أو طهران.
من هنا، يعتقد المتابعون لشؤون «الحزب» أنّ الهدنة الحالية في سوريا ليست ثابتة ولا دائمة، بل هي مجرد محطة في الحرب الدائرة، في انتظار الجولة المقبلة.
ويقول هؤلاء: إنّ الرئيس بوتين يريد تحقيق 3 أهداف من هذه الهدنة والمفاوضات السياسية في آستانة، إذا انعقدت:
1- توجيه إشارة «حسن نيّة» من موسكو إلى الأميركيين والأتراك والعرب تسمح لها بالاحتفاظ بدورها العسكري والسياسي في سوريا.
2- إستغلال الهدنة لتحسين مواقع الأسد ميدانياً، تحضيراً للجولة التالية.
3- تكريس انتصار الأسد سياسياً من خلال اعتراف القوى المعارضة ببقائه على رأس السلطة إلى حين إنجاز الحلّ النهائي الذي سيتأخّر سنوات.
ويذكِّر هؤلاء بالتجارب السابقة من المراهنة على خلاف إيراني ـ روسي في سوريا على مدى العامين الماضيين، والتي كانت كلها تنتهي بالفشل. وليس هناك ما يوحي بأنّ مراهنة البعض حالياً على خلاف إيراني ـ روسي في محلها. وعلى الأرجح، هناك تكتيك يقوم به الطرفان تحقيقاً لأهداف آنية سياسية وعسكرية.
فعلاقات التعاون بين الطرفين في سوريا بمرحلتين متكاملتين: صحيح أنّ التدخل الروسي في سوريا هو الذي أنقذ الأسد والمحور الإيراني. لكنّ الصحيح أيضاً هو أنّ التدخل الإيراني المباشر، ميدانياً، في الحرب السورية هو الذي أنقذ النظام قبل ذلك بكثير، ولولاه لما أتيح للروس أن يدخلوا وينشروا قواعدهم العسكرية في المياه الدافئة.
وأما الأسد، الذي يصوِّره البعض وكأنه في حال إرباك، وعلى وشك قرار للاختيار بين حليفيه الإيراني والروسي، فالأرجح أنه ليس كذلك. ومنذ اتفاق كيري ـ لافروف الذي أنقذه من الملف الكيماوي، يحظى الأسد برعاية إقليمية ـ دولية شبه شاملة.
فالأسد جزء من المحور الإيراني، بالمعنى المذهبي أيضاً، ولا يمكنه إلاّ أن يكون كذلك، ولا يمكن إدراك ذلك إلّا بالتأمل في ما يقدِّمه «حزب الله» في سوريا. فجوهر الإدارة السياسية والعسكرية في سوريا بات ممسوكاً بيد إيرانية. وأما التحالف مع موسكو فهو في مستوى آخر.
وستحافظ إيران على حضورها العسكري الواسع في سوريا لتثميره في أيّ تسوية ممكنة، ولتكون قادرة على ترجمة أيّ اعتراض لها على مسار التسوية، بحيث تخرق الهدنة وتعيد الأمور إلى الصفر.
وفي الأيام الأخيرة، تجاوز «حزب الله» منطق الهدنة ليشنّ هجومه في وادي بردى، المنطقة الحسّاسة المحاذية للبنان. ويمكن، خلال فترات الهدنة، أن يتحيَّن الإيرانيون الفرصة ويحسّنوا مواقعهم العسكرية، استعداداً للجولات الآتية.
المطلعون يقولون: «الحرب في سوريا مستمرة لسنوات أخرى. ومن البديهي أن تتقطّع الحرب بهدنات ومفاوضات وتسويات ظرفية طارئة. هذه خصائص الحروب، الأهلية خصوصاً. ولذلك، يتوهَّم مَن يعتقد أنّ «حزب الله» عائد غداً من سوريا على متن قرار لمجلس الأمن أو اتفاق في الآستانة أو سواها... خصوصاً إذا كان لا يحمل توقيعاً إيرانياً.