ليست القصة في هجوم إرهابي على طريقة الأفلام السينمائية استهدف سجنًا في البحرين باستخدام المسدسات والبنادق الأوتوماتيكية وأفضى إلى قتل أحد رجال الشرطة وهروب 10 من المساجين الخطرين، ولا في التخطيط الذي واكب العملية، وهو أقرب إلى تخطيط جهاز مخابرات وليس أفراد عصابات. القصة الحقيقية في التأييد الإيراني المكشوف لهذه العملية أمام العالم، بتمريرها رسالة صريحة عبر قناتها الفضائية «أهل البيت» بأنها تشجع العملية، ووصفها إياها بـ«النجاح». هذا الاعتراف الإيراني، وإن كان ليس بجديد على أهل المنطقة الذين يعرفون جيدًا الاستراتيجية الإيرانية حق معرفة، فإنه يقتل الدعوات الغربية التي تخرج بين الحين والآخر لحوار خليجي - إيراني، وحتى لبعض العرب الذين يحسنون النية في إيران ويكررون هذه الدعوات والمطالبات.
منذ إبرام الاتفاق النووي الإيراني وهناك فكرة تنظيرية بحتة يتم تداولها في الأوساط الغربية، ويصرح بها مسؤولون حكوميون ووزراء غربيون ويدفعون بها، بأن الاتفاق يوفر فرصة للقيام بخطوة أولى لإنشاء نظام أمني جديد في منطقة الخليج العربي، بهدف تحسين العلاقات بين إيران والدول الخليجية العربية، كما أن إطلاق مثل هذا الحوار يوفّر منبرًا حول كثير من التحدّيات الأمنية ويسهم في تخفيف حدّة التوتر وإدارة الأزمات ومنع الصراع. كلام عظيم ومصطلحات لا غبار عليها وأفكار على الورق رائعة ومثالية جدًا، لكنها بكل بساطة - ويا للأسف - غير قابلة للتطبيق، بل تعد أقرب إلى المستحيلات، وأبعد ما تكون على طرف مثل إيران يجاهر بالعداء ويمارس الإرهاب قولاً وفعلاً، ومع هذا يغض الطرف عنه فقط لإنجاح اتفاق نووي بائس، ربما آن الأوان لإعادة هيكلته كما صرح مرارًا الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
لم يكن الحوار بين أي طرفين يومًا في العلاقات الدبلوماسية غاية بقدر ما هو وسيلة، وعبارة مكرورة مثل حل الخلافات السياسية عن طريق التفاوض والحوار، صحيحة من حيث المبدأ لكنها مستحيلة مع دولة ترفض التخلي عن سياستها العدوانية التي أصبحت جزءًا بنيويًا من طبيعة نظامها السياسي، ودولة تريد أن يبدأ الحوار من حيث ما انتهت إليه ميليشياتها المتناثرة في دول الإقليم، وفي كل مرة حاولت دول الخليج تغليب مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل مع جارتها على الضفة الشرقية من الخليج العربي، اصطدمت بسياسات إيران المنافية لكل هذه المبادئ. الحوار والتفاوض لتقريب وجهات النظر دائمًا ما كان مطلبًا خليجيًا، فيما لم تحترم إيران يومًا قواعد هذا الحوار، وأهم محاور الخلاف بين الطرف الإيراني والخليجي هو إصرار طهران على المضي في سياسة التدخل في شؤون المنطقة وزعزعة أمنها واستقرارها، بل والإعلان عن ذلك أكثر من مرة صراحة، وهذه ميزة لا تنافسها فيها دولة أخرى في العالم سوى إسرائيل.
في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، بعد إحراق إيرانيين للسفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، إثر إعلان السعودية تنفيذ حكم القصاص في نمر النمر. عام مر على قطع العلاقات بين البلدين، لم تتأثر فيه الرياض بهذا التجميد الدبلوماسي بقدر ما تضررت إيران، بل إن دول الخليج ليست بحاجة لمثل هذه العلاقات، ما دامت لم تتوقف إيران عن سياستها العدوانية وتصديرها للثورة الخمينية، ولعل اللافت هنا ما قاله حسين صادقي، آخر سفير إيراني في الرياض، في مقابلة مع صحيفة «شرق» الإيرانية إن «القرار السعودي بقطع العلاقات ألحق ضررًا كبيرًا بالنسبة لنا» مضيفًا: «أقولها وبصراحة إن السعودية لم تكن تبحث عن ذريعة لقطع العلاقات مع إيران».
في ظل التصعيد الخطير للسياسة الإيرانية التوسعية بميليشياتها وعملائها في ست دول عربية، تبدو فكرة الحوار مع إيران فكرة غير منطقية ولا يمكن حتى التلويح بها، إلا أن الانفتاح الغربي على إيران يتطلب من هذه الدول أن تدفع بها من أجل إتمام مصالحها. فلينفتحوا على إيران كما يريدون ولكن ليتوقفوا عن إظهار الدول الخليجية وكأنها من ترفض حوارًا لا فائدة ترجى منه إلا تجميل قبح النظام الإيراني.
سلمان الدوسري