قانونياً، انطلقت مسيرة لبنان للانتساب إلى نادي الدول المنتجة للنفط والغاز، فالمرسومان اللذان أقرهما مجلس الوزراء يحددان البلوكات (القطع) البحرية المستهدفة بالاستكشاف ودفتر الشروط والتراخيص وسائر المعاملات المتعلقة بالعقود مع الشركات المعنية.
وفيما بدا إقرار المرسومين مستبعداً في السنوات الماضية، أصبح متاحاً مع اكتمال قوام الدولة برئيس جمهوريتها ورئيس حكومتها والوزراء. إنه قوام الدولة، من حيث هو اكتمال تحالف الطوائف ممثلة بزعمائها الأقوياء. لذلك يصح القول إن لبنان في سبيله إلى ابتداع «النفط الطائفي» بعد مسار طويل في إلصاق الطائفية بالسياسة والثقافة والبيئة والغذاء: من يذكر شعارات السبعينات عن التفاح الماروني والبرتقال السني والتبغ الشيعي والعنب الكاثوليكي؟
من الحدود مع سورية شمالاً إلى الحدود مع إسرائيل جنوباً، جرى تقسيم حقول النفط البحرية بحسب ما يقابلها على الشاطئ من طوائف غالبة، واحتاج الأمر سنوات من النقاش المعلن والمستتر لكي تحصل كل طائفة (أي كل زعيم طائفة) على حصتها من النفط الموعود. ولم يستقر النقاش إلاّ مع الحكومة الحالية التي تمثل، مع رئيس الجمهورية، القوى الغالبة في الطوائف. كان وليد جنبلاط آخر المعترضين على المحاصصة لكن إقرار المرسومين يعني انضمامه إلى الكوكبة الطائفية التي ستتحكم بنفط لبنان. ولكن، يبقى من تغريدات جنبلاط حججها الديموقراطية الصحيحة مبدئياً في لبنان وغير لبنان: «لا شركة وطنية للنفط ولا صندوق سيادياً ولا قيمة أساساً لما يسمّونه الهيئة الوطنية. كل ما في الأمر أن الوزير، أياً يكون لونه، يمتلك كل الصلاحيات، من توزيع المناطق البحرية والتلزيم، ولدى الوزارة صندوقها الخاص بها. وماذا عن مستقبل شباب لبنان وإفادته من النفط، أم أننا سنصبح دولة نفطية مارقة مثل العراق ونيجيريا؟ أوقفوا هذه المهزلة، فكم من عرّاب يقول لنا: هذا هو العرض ولن تستطيعوا رفضه».
نفط للطوائف، ولكن، يبدو أننا أمام تجديد ثقة بلبنان ودولته ذات اللون الخاص، فصدور المرسومين وإبراز دفتر الشروط، وبدء تلزيم شركات كبرى والتنقيب في المساحات البحرية المخصصة، يجدد الثقة بلبنان ويضعه في سياق تحول اقتصادي، وبالتالي سياسي، يؤكد وجوده كوطن في مرحلة اهتزاز الأوطان والدول في المشرق العربي.
وتثبت دولة تحالف الطوائف في لبنان جدارتها بالحياة حين تتراجع من منصات القتال السياسي وتتجه إلى وفاق الاعتراف المتبادل. بذلك تضغط كل طائفة (أي كل زعيم طائفة) على حلفائها في الداخل العربي والإسلامي ليخفّفوا الضغط على الوطن الصغير، ويتركوه إلى سلامه الذي يحفظ الحد الأدنى المطلوب والممكن من مصالحهم.
بذلك يبتعد اللبنانيون عن الأصولية العلمانية التي تطلب دولة ديموقراطية وفق المعيار الأوروبي الصافي، كما يبتعدون عن الأصولية الطائفية التي تشيطن الشركاء في الوطن وتدفع إلى تهميشهم أو تهجيرهم مفضّلة أخوة الإيمان على إخوة الاجتماع الوطني.
وكما نجح زعماء الطوائف في استثمار حرب لبنان لمصالحهم، ها هم ينجحون في إرساء سلام طائفي تعجز عنه مجتمعات الداخل العربي. ولا يدهشنا هتاف اللبناني فرحاً بديكتاتوريي الطوائف حين ينجحون في إرساء الديموقراطية الطائفية.
وليعش سلام اليائسين.

 

محمد علي فرحات