لم تحتج الحكومة الى جلسة «روداج»، فدشّنت جلساتها من حيث علقت الحكومة السابقة وافتتحت عملها بإقرار بنود استعصت على أركان الدولة لأشهر، لا بل لسنوات. وأجمع الوزراء على انّ اجواء جلسة مجلسهم امس في قصر بعبدا كانت «مريحة وغير متشنجة»، وانها اتّسَمت بمقاربات تقنية لم يخل بعضها من جمر سياسي لكنه بقي تحت رماد المناخ العام الذي يسوده التفاهم والايجابية.
الإنجاز الاول للحكومة، على رغم اعتراض وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي مروان حمادة وايمن شقير، كان إقرار مجلس الوزراء المرسومين المتعلقين بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية الى مناطق على شكل رُقَع، ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية ونموذج اتفاقية الاستكشاف والانتاج.

وتبنى مجلس الوزراء مطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري والذي حمله وزير المال علي حسن خليل وأصرّ عليه، لجهة اعطاء الاولوية لتلزيم البلوكات الجنوبية 8 و9 و10 في المرحلة الاولى من ضمن البلوكات الخمسة، والتي تتضمن ايضا بلوكاً في الوسط وبلوكاً في الشمال.

عندها تدخّل الوزير ميشال فرعون واعترض على ان يكون هذا الامر بمثابة قرار لمجلس الوزراء،مقترحاً جعله توصية غير إلزامية. فردّ عليه الوزير غازي زعيتر قائلاً: «صحيح هذه البلوكات في الجنوب، لكنها تعود لكل لبنان ومردودها سيأتي على الجميع». ووافقه في ذلك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «في اعتبارها ثروة لجميع اللبنانيين».

أمّا بقية البنود المرتبطة بملف النفط فتم تأليف لجان لدرسها قبل طرحها مجدداً في الجلسات المقبلة لمجلس الوزراء، على ان لا تتعدى المهلة المعطاة للجان ثلاثة اسابيع.

ملف الميكانيك

كذلك تمّ تأجيل النقاش في بند الميكانيك والذي كان يفترض على اساسه، بحسب معلومات «الجمهورية»، ان يتخذ مجلس الوزراء قراراً من اثنين: امّا عودة القطاع الى الدولة لتديره عن طريق مصلحة تسجيل السيارات، وامّا تلزيم الادارة والتشغيل لشركة خاصة تعمل لمصلحة الدولة، اي خلافاً لما كان عليه عقد الـ«BOT». وتقرر تأليف لجنة لدرس هذا الملف برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري وعضوية وزراء: الداخلية والمال والعدل والاقتصاد.

إعفاء يوسف

ولم يكن موضوع التنقيب عن «الذهب الاسود» وحده نجم جلسة الامس، إذ وافق مجلس الوزراء على إعفاء رئيس شركة «أوجيرو» ومديرها العام عبد المنعم يوسف من مهماته وتعيين عماد كريدية خلفاً له. كذلك عيّن باسل الايوبي مديراً عاماً للإستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، وهو المنصب الذي كان في عهدة يوسف سابقاً بنحو غير قانوني لأنّ من اولى مهمات هذه الادارة مراقبة عمل «اوجيرو».

وعلمت «الجمهورية» انّ تعيين الأيوبي أثار نقاشاً داخل مجلس الوزراء حول آلية التعيينات. إذ سأل خليل عن سبب عدم اعتمادها كونه قطاعاً يعود للدولة. وتحدث وزراء عن إسقاطه بالـ«باراشوت» من دون علمهم او حتى إبلاغهم وطلب رأيهم. وانتهى النقاش الى طلب رئيس الجمهورية ان تكون آلية التعيينات بنداً أول على جدول اعمال الجلسة المقبلة لاتخاذ قرار في شأنها.

وكان لافتاً ومن الجلسة الاولى تأليف عدد كبير من اللجان الوزارية لمتابعة كل ما هو عالق، ما أدرجَه الوزراء في خانة الانتاج حتى لا تبقى بعض الملفات معلقة، خصوصاً انّ عون والحريري اتفقا على تحديد مدة زمنية لعمل اللجنة قبل العودة الى مجلس الوزراء، وان لا تترك الى ما شاء الله.

حمادة

وشرح حمادة لـ«الجمهورية» سبب اعتراضه وشقير على إقرار مجلس الوزراء مرسومي النفط، فقال: «لقد اعترضنا مبدئياً على المراسيم التطبيقية كما كنّا قد اعترضنا على القانون عام 2010، ذلك انّ هذا القانون وهذه المراسيم تغفل تماماً إنشاء شركة وطنية تمثّل لبنان بشراكة وفاعلية في عمليات الشركات التي ستُلزّم اليها اعمال التنقيب واستخراج النفط، كذلك على رغم انّ القانون نص على إقامة صندوق سيادي لحفظ الاموال والرديات لتخصّص لاطفاء الدين والادّخار للاجيال القادمة.

لم تأت المراسيم التطبيقية على ذكر هذا الصندوق، بالإضافة الى صلاحيات استثنائية معطاة الى وزير الطاقة تجاوزاً لسلطة مجلس الوزراء وليس أقلّها صلاحية اختيار الرقع التي ستلزّم من دون الرجوع الى مجلس الوزراء. اضف الى ذلك المستوى المتدني للأتاوات والشراكة على اساس ارباح وليس الإنتاج، الى ما هنالك من اسباب دفعتنا ليس فقط الى التحفظ، بل الى الاعتراض».

الدفاع المدني

وأقرّ مجلس الوزراء مرسوم توسيع ملاك الدفاع المدني من 600 الى 2500 عنصر. وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«الجمهورية» انّ «المتطوعين سيخضعون لامتحان في مجلس الخدمة المدنية وبناء عليه سيتم تعيينهم، وهو المرسوم الثالث المتعلق بهيكلة الدفاع المدني، وقد قطعنا شوطاً كبيراً في عملية تنظيم عمل هذا الجهاز».

عز الدين

وقالت الوزيرة عناية عز الدين لـ«الجمهورية»: «قدمنا ملاحظات على بعض التفاصيل المتعلقة بالبنود النفطية الضريبية والمالية وصلاحيات هيئة النفط وتنظيم العلاقة بين الهيئة ووزارة المال والوزارة المعنية بالموضوع والاتجاه لأن يؤخذ بها حتى تكون العملية شفافة. والجلسة كانت مثمرة وايجابية، حتى أنّ من اعترض لم يفعل ذلك بغية تعطيل الامور إنما لتصويبها ووضعها على السكة الصحيحة».

الجرّاح

وأكد الوزير جمال الجرّاح لـ«الجمهورية»: «اننا أمام عهد جديد وادارة جديدة لقطاع الاتصالات ستنقله الى مرحلة تلبّي حاجات اللبنانيين ورؤية ادارية جديدة تشكّل رافعة اساسية للاقتصاد». واوضح «انّ التعيين الذي حصل اليوم هو بديهي كون المدير العام لـ«اوجيرو» السابق انتهت ولايته قانوناً في 2010 واستمر في تصريف الاعمال لسنوات وهذا الامر لم يكن منطقياً».

ولدى سؤاله: لماذا جاء التعيين في اول جلسة لمجلس الوزراء؟ اجاب الجراح: «لأنّ عمر الحكومة قصير، واذ اردنا ان نكون في نقلة نوعية كان علينا تسريع الاتيان بإدارة تنهض بالقطاع وتضعه على السكة الصحيحة. ووَضع عبد المنعم يوسف بتصرف الحكومة هو تدبير إداري لا علاقة له بكل ما يُثار حول ملف اوجيرو».

حاصباني لـ«الجمهورية»

ووصف الوزير غسان حاصباني لـ«الجمهورية» العمل الحكومي في جلسة الامس بأنه «كان إيجابياً جداً، وبرزت روح الانفتاح والتعاون، حتى الآن لا خلافات على المبادىء إنما نقاشات تقنية ولا سبب لعدم استمرارها هكذا».

باسيل

وغرّد رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل عبر «تويتر»، قائلاً: «٣ مبروك للبنان اليوم: النفط والاتصالات واستعادة الجنسية، انطلاقة استثنائية لمجلس الوزراء وشكر لكل من ساهم في هذه الانجازات الاستثنائية».

إغتيال بكري

وحضرت عملية اغتيال رجل الاعمال اللبناني امين بكري في انغولا في مجلس الوزراء، واشار عون الى «أنّ وزارة الخارجية كُلّفت متابعة القضية، خصوصاً أنه قيل إنّ جهاز «الموساد» الاسرائيلي يقف وراء هذا الاغتيال، وعلينا أن نتأكد من صحة هذه المعلومات».

تقويم رئاسي

وعبّر عون أمام زواره عن ارتياحه الى مجريات جلسة مجلس الوزراء، معتبراً انها «شكّلت انطلاقة واعدة للعهد بمجرد انها أنهت الجدل حول ملفات عالقة منذ سنوات على طاولة المجلس وسبق ان وضعت على لائحة القضايا الخلافية التي تم تجنّب بَتّها والقول باستحالة مقاربتها».

ونقل الزوّار لـ«الجمهورية» عن عون ارتياحه الى أداء الحريري والوزراء الذين تناولوا البنود المدرجة على جدول الأعمال بكثير من العمق والجدية وبمقاربات وطنية شاملة لا تتوقف عند حيثيات مناطقية أو غير ذلك».

وقال هؤلاء الزوار «إنّ الإنطباع الذي خرج به عون من الجلسة يدعو الى التفاؤل بإمكان تغيير النهج في التعاطي مع الملفات الوطنية الكبرى. فبت مراسيم النفط وتحديد البلوكات النفطية تمهيداً لإطلاق المناقصات وفق المراحل المقررة أمر حيوي جداً ويشكل محطة مفصلية لجهة حماية ثروات اللبنانيين واستثمارها، ما يتيح إطلاق المراحل اللاحقة تأسيساً على ما تقول به القوانين المرعية الإجراء».

واضاف عون: «انّ الجلسة أنهت جدلاً قانونياً حول مخالفات مرتكبة في وزارة الإتصالات منذ سنوات عدة وقد وُضع حد لها لجهة استحالة استمرار الجمع بين منصبين متناقضين في وزارة خدماتية واحدة هي بحجم وزارة الإتصالات، فتم الفصل بين المديرية العامة للإستثمار والصيانة من جهة ورئاسة هيئة «اوجيرو» من جهة أخرى.

وتوقف الزوار عند أهمية ما تحقق في قانون استعادة الجنسية، فما تقرر شكّل انطلاقة فعلية للجنة الإدارية المكلفة بتّ طلبات استعادة الجنسية، والتي شكّلها وزير الداخلية في 21 نيسان من العام الماضي بموجب القانون الرقم 41 الصادر في 24 /11/ 2016 برئاسة القاضي ايمن عويدات وعضوية المدير العام للأحوال الشخصية سوزان الخوري حنا والمدير العام للمغتربين هيثم جمعة.

ولذلك فإنّ في إمكان هذه اللجنة مباشرة عملها فوراً بعد انقضاء أشهر عدة على تشكيلها وذلك بعد تحديد المخصّصات المالية لأعضائها وموظفيها وتخصيص الإعتمادات اللازمة.

امّا على مستوى توسعة ملاك جهاز الدفاع المدني، فقد شكل ما تقرر مدخلاً اساسياً للإيفاء بالوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية للمتطوعين الذين هدد بعضهم بالإنتحار وتلبية مطالبهم فور تأليف الحكومة. وبات في إمكانهم من اليوم الخضوع للمباراة المحصورة بهم لدخول الملاك فور تحديد مواعيدها بعدما تمّ رفع عديد الجهاز الى 2500 عنصر.

... وتقويم سياسي

في المقابل قرأ مسؤول سابق جلسة مجلس الوزراء بنتائجها، مستخلصاً الآتي:

اولاً: من الطبيعي ان يسعى مجلس الوزراء، في اول جلسة له في بداية عهد جديد وبعد نيل الحكومة الثقة، لأن يكون منتجاً، وهذا أقلّ الايمان: عهد جديد وحكومة جديدة وآمال معقودة على الحكم الجديد.

ثانياً: يتّضح ايضاً انّ التركيبة نفسها التي كانت قائمة في السابق، لا تزال قائمة في العهد الحالي، أي هناك تحالف ثلاثي وأحياناً رباعي، على القضايا والمصالح والحصص.

ثالثاً: تبادل خدمات وهذا ما يذكر بعبارة «مَرّقلي لمَرّقلك». فحصلت التسوية في الاتصالات (اوجيرو) وتسوية في الداخلية (إرجاء بند الميكانيك وتشكيل لجنة وزارية في شأنه).

رابعاً: الامور الخلافية أرجئت بدليل انّ ملف النفط أقرّ عنوانه لكنّ المرسوم الاساسي لم يقرّ بعد.

مجلس الدفاع

وفي أوّل اجتماع له في العهد الجديد، يترأس عون عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم اجتماعاً للمجلس الاعلى للدفاع، لإعطاء بعض التوجيهات الى القيادات الامنية المعنية وتحديد طريقة عمل المجلس في ضوء الصلاحيات المنوطة به.

وعلمت «الجمهورية» انّ دوائر القصر الجمهوري وجّهت دعوة الى المدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة أمس لحضور اجتماع المجلس، وبالتالي فإنه سيعود الى الاجتماعات الموسعة مع قادة بقية الاجهزة بعدما كان الرئيس تمام سلام يَستثنيه من الدعوة اليها، مع الاشارة الى انّ رئيس الجمهورية هو الوحيد المخوّل ترؤس المجلس الاعلى للدفاع في اعتبار أنه القائد الاعلى للقوات المسلحة الخاضعة لسلطة مجلس الوزراء، بينما الاجتماعات التي كانت تعقد في السراي الحكومي هي اجتماعات أمنية.

وفي المعلومات انّ عون والحريري أصرّا على حل ازمة الجهاز بكل تفاصيلها ليصبح العمل بين كل الاجهزة صمّام أمان في هذه المرحلة الحساسة، مع العلم انّ الازمة الادارية للجهاز قد حلّت بعد انتخاب عون، وتبقى الازمة المالية التي تسلك نحو الحل.

وقال المشنوق لـ«الجمهورية»: «ستعرض على اجتماع المجلس الاعلى للدفاع تقارير أمنية تتضمن اموراً لم تعلن عن اعتقالات وتحقيقات، علماً انّ الوضع الأمني ممسوك».

ومن جهة اخرى نفى المشنوق عبر «تويتر» ما تناقلته وسائل تواصل إجتماعي عن رسالة قيل إنها صادرة عن وزارة الداخلية، وتتضمّن مجموعة تحذيرات في شأن نظام الاتصالات الجديد ومخاطره على سرية الاتصالات، وأكد «أنّ الحريات العامة والخصوصية الشخصية همّه الأساسي».