قد يصعب انكار طابع الزخم الذي اتسمت به أولى جلسات مجلس الوزراء بعد نيل الحكومة الثقة ومطلع السنة الجديدة والتي عكست نتائج غير تقليدية للتوافق السياسي الذي ظلّل المقررات الرئيسية والأساسية التي خلص اليها المجلس. ومع ذلك يصعب أيضاً تجاهل الكثير من التساؤلات والشكوك التي تحيط بإقرار مرسومي التنقيب عن النفط والغاز بهذه السرعة الخاطفة بعدما "تكلس" انتظارهما مدة تتجاوز ثلاث سنوات ونصف سنة الامر الذي يقحم عامل "الصفقة" السياسية بين قوى سياسية أساسية أتاحت فتح الطريق أمام الافراج عن المرحلة الاولى العملية من رحلة التنقيب عن النفط والغاز. يضع هذا الملف الحيوي الاساسي المتعلق بالثروة النفطية المسؤولين الكبار والقوى السياسية امام استحقاق شديد الدقة يتصل باعتماد آليات الشفافية التامة في تنفيذ المراحل المتعاقبة التي ستلي اصدار المرسومين التنفيذيين كما لجهة المواكبة الحتمية لهذه العملية بانشاء الصندوق السيادي الذي يعده الخبراء أساساً لتنقية باقي العمليات التنفيذية وحصر مرجعية مردودها بالصندوق قبل اطلاق المناقصات.
وعلى رغم طغيان الاجواء التوافقية على جلسة مجلس الوزراء، فان ملف النفط والغاز اخترق هذا التوافق من خلال الموقف الاعتراضي لوزيري "اللقاء الديموقراطي" مروان حمادة وايمن شقير اللذين تمسكا بمجموعة ملاحظات على المرسومين الامر الذي أثار نقاشاً مستفيضاً في الجلسة، علماً ان وزراء آخرين أبدوا ملاحظات على بضع نقاط لكنها لم تصل الى حدود تسجيل اعتراضات وانتهى الامر بطرح الموضوع على التصويت فنال المرسومان 28 صوتاً وصوت ضدهما الوزيران حمادة وشقير.
وأوضح الوزير حمادة لـ"النهار" أسباب الاعتراض فقال: "اعترضنا على مجموعة نقاط من أبرزها ان لا شركة وطنية ولا صندوق سيادياً انشئا بعد ولا نعلم متى ينشأ الصندوق، كما ان صلاحيات الوزير المعني هي صلاحيات استثنائية ولا حدود لها بما فيها تحديد الرقع النفطية من دون العودة الى مجلس الوزراء، وكذلك حصر صلاحيات الهيئة الوطنية للنفط بأمور استشارية وضآلة الاتوات قياسا بما تعتمده بلدان مشابهة. ولكل هذه المآخذ سجلنا اعتراضنا المبدئي".

 

جنبلاط
اما رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط فاطلق عبر" النهار" موقفاً لاذعا من اقرار المرسومين فقال: "سجل اللقاء الديموقراطي موقفاً اعتراضياً ورفض هذه الصفقة، صفقة الاستيلاء على المال العام والثروة النفطية بهذا الشكل". وأضاف: "يبدو ان الاجواء كانت مهيأة سلفاً للوصول الى هذه النتيجة المهينة في حق مستقبل الاجيال اللبنانية وفي حق المواطن اللبناني، ويبدو ان هذا جزء من الصفقة الكاملة في عملية انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة. هذه هي ملاحظاتي واذا كانت الولاية بهذا الشكل فماذا ينتظرنا انمائياً وسياسياً وانتخابياً وعلى كل الصعد الاخرى؟".
لكن اقرار المرسومين بدا في ذاته تطوراً بارزاً على صعيد اطلاق الخطوات التنفيذية لعملية المناقصات المتوقفة منذ عام 2013 وعد انجازاً للحكومة. وعلم ان وزير المال علي حسن خليل عرض أمام مجلس الوزراء ملفاً كبيراً ضمنه ملاحظات سياسية وتقنية في ملف النفط، طالباً ضمّ بلوكات الجنوب نظراً الى أهميتها في عملية ربط النزاع مع اسرائيل، ونتيجة لذلك أخذ للمرة الاولى بطرح البلوكات الحدودية في الجنوب. كما تضمّن عرضه ملاحظات فنية ومالية تتعلّق بدور وزارة المال ومجلس الوزراء.
وعلم ان الوزير ميشال فرعون طالب بإرجاء بت الملف أسبوعاً ليتسنى للوزراء قراءته، خصوصاً وأنه يقع في نحو ٤٠٠ صفحة، ولكن تمّ تجاوز هذا الطلب لئلا يظهر مجلس الوزراء عاجزاً مع انطلاقته عن بتّ ملف يجرجر منذ سنوات. كذلك سأل الوزير علي قانصوه عن الشركة الوطنية والصندوق السيادي، فأجاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأن المرسومين ينصان عليهما.
وعن سؤال البعض عن صلاحيات الوزير في تحديد البلوكات وتلزيمها كان الجواب أن البلوكات التي ستطرح للتلزيم متفق عليها وهي خمسة: ثلاثة في الجنوب وبلوك في الوسط وبلوك في الشمال.
وأفادت مصادر وزارية أن الاتفاق شمل الخريطة الجغرافية للبلوكات ودفتر شروط تلزيمها، فيما أرجئت البنود الاخرى لوجود ملاحظات عدة عليها ولم يكن في الإمكان الخوض في تفاصيلها ولاسيما منها المتعلق بالنظام المالي وبالأحكام الضريبية، فأحيلت على لجنتين وزاريتين، واحدة برئاسة الرئيس سعد الحريري وعضوية وزيري المال والطاقة لدرس المشروع الخاص بالاحكام الضريبية المتعلقة بالنشاطات البترولية. ولجنة ثانية برئاسة الحريري وعضوية وزراء المال والطاقة والتخطيط لدرس مشروع القانون المتعلق بالموارد البترولية في الاراضي اللبنانية.

 
 

عبد المنعم يوسف
وبدا واضحاً ان ما اعتبر إنجازاً في إقرار مرسومي النفط، وتحديد بدلات اتعاب اللجنة المختصة بالنظر في طلبات استعادة الجنسية اللبنانية، استكمل بإزاحة عبدالمنعم يوسف وتعيين عماد كريدية مكانه رئيساً ومديراً عاماً لهيئة "أوجيرو"، وتعيين باسل الايوبي (من خارج جدول الاعمال) مديراً عاماً للإستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات مكان يوسف.
وعلم ان تعيين الأيوبي أثار اعتراضات لأنه لم يرد في جدول الاعمال، وسأل أكثر من وزير عن الالية المعتمدة في التعيينات، ومنهم الوزيران علي حسن خليل ومحمد فنيش وكان ردّ الرئيس الحريري بأن ازاحة يوسف من مركز وتركه في مركز اخر قد يثير مشكلة يمكن تجاوزها بهذا التعيين، وهذا التعيين يمكن اعتباره استثناءا ولن يكون القاعدة في التعيينات المقبلة. ووعد رئيس الجمهورية بالاتفاق على الآلية التي ستتبع في التعيينات في الجلسة المقبلة.
وفِي اطار النقاش، أشير الى ان ولاية يوسف منتهية منذ خمس سنوات وكان يجمع بين الوظيفتين خلافاً للأصول. وقد تقرّر وضعه كمدير عام في تصرف رئاسة مجلس الوزراء. كما أحال مجلس الوزراء ملف المناقصة العمومية المفتوحة لتلزيم مشروع تحديث وتطوير وتشغيل المحطات الموجودة للمعاينة والكشف الميكانيكي للمركبات الآلية، على لجنة ثالثة برئاسة الحريري لدرس الملف ورفعه الى مجلس الوزراء.
ونوّه وزير الداخلية نهاد للمشنوق بقرار توسيع كادر المديرية العامة للدفاع المدني من ٦٠٠ الى ٢٥٠٠ عنصر "لأن هذا حقهم".